23 ديسمبر، 2024 11:16 ص

ضيوف سحور سياسي في البغدادية .. كشفوا المستور وأظهروا الحاجة الحقيقية للتغيير

ضيوف سحور سياسي في البغدادية .. كشفوا المستور وأظهروا الحاجة الحقيقية للتغيير

ليس الغرض من هذه المقالة إجراء نقدا من أي نوع لبرنامج ( سحور سياسي ) الذي بثته قناة الفضائية البغدادية والذي استمر ل 30 حلقة طيلة رمضان الماضي , والذي كان يبث مباشرة من الساعة 12,30 صباحا لغاية 2,0 من اليوم نفسه بتوقيت بغداد , وأداره الإعلامي العراقي عماد ألعبادي المعروف بمشاكساته وسعيه للحيادية واستحضار المعلومة لأغراض الحلقة التي يعرضها , ولكننا نهتم هنا بالدروس التي يمكن استنباطها من حلقات البرنامج التي جمعت شخصيات سياسية واجتماعية ودينية ومن منظمات المجتمع المدني ومن داخل العملية السياسية وخارجها وبعضها مارست العمل السياسي أو الحكومي أو البرلماني قبل أو / وبعد سنة 2003 , أو التي كانت تتمنى أن يكون لها دورا ولم يتحقق لهم ذلك لا بسبب سوء الطالع وإنما لطبيعة العملية السياسية التي تسيدتها القوى المعروفة في العراق خلال السنوات الماضية , ورغم عدم علمنا بالطريقة التي تم بها اختيار الضيوف , إلا إننا نرجح بأنهم من غير المسافرين للخارج ولعلهم ممن تم إقناعهم بالظهور علنا من بين الرافضين , أوان بعضهم وافق من باب الرغبة في إيصال رسالتهم قي برنامج يخضع لمتابعة واهتمام العديد من المشاهدين داخل وخارج العراق .

ولعل من ابرز الحقائق التي تم الإدلاء بها في الاستضافات سواء من قبل المعادين للاحتلال الأمريكي أو المؤيدين له , هو عدم الإتفاق الكلي بان للاحتلال دورا بارزا ورئيسيا في وصول البلد إلى ما هو عليه, فالعذر الأكثر حضورا في أسباب التخلف والتراجع وتقديم الأنموذج الذي يحقق أمنيات العراقيين هو التنازع بين الكتل السياسية لاحتلال المواقع وممارسة الفساد بدون حساب أو لإثبات الوجود رغم الفشل الواضح في الأداء , وقد كان هناك شبه إجماع بان جميع الشركاء في العملية السياسية قد تقاسموا أسباب الفشل بدرجات لان اغلبهم لم يستعينوا بأصحاب الخبرة والاختصاص وإنما تفضيل المحسوبية والانتماء إلى الكتلة أو الحزب , فضلا عن إلاصرار على تغطية الفشل وهذه التغطية تزداد حدة كلما كان الممثل قد حقق ( المنجزات ) من حيث التعيينات والاستحواذ على المناصب خارج السياقات , وقد اتفقت آراء الكثيرين حول هدر مليارات الدولارات الني دخلت العراق خلال السنوات الماضية , فلا وجود لمنجزات بالمعنى الصحيح وإنما مجموعة من السرقات والمشاريع الوهمية , لدرجة أن احد الضيوف اقترح بان يتم عقد اتفاقا بين الحكومة والسراق , بحيث تكون النسبة 50% للشعب ومثلها للفاسدين , فالحقيقة الموجودة في ارض الواقع بأنه بعد إنفاق أكثر من ألف مليار دولار , فان البلد يعاني من مشكلات حقيقية في الأمن والمعيشة والخدمات .

وباعتراف البعض من الضيوف , فان السنوات التي أعقبت الاحتلال في 2003 لم تكن أكثر سعادة من سابقاتها على العراقيين , والأسوأ من ذلك فان الشرائح التي عانت من ظلم حقيقي في ظل حكم النظام البائد لم يتم إنصافهم وحل بدلا عنهم بعض المزورين والكذابين , وحتى حرية ممارسة الشعائر الحسينية قد تمت الإساءة إليها لأغراض ذاتية وخارج معانيها النبيلة , والبعض اعتقد إن المبالغة في استخدامها قد أساء إلى المكانة المرموقة للمذهب (الشيعي ) , باعتبار إن ممارسة هذه الشعائر كان الهدف من إظهارها هو تجسيد معانيها والتعريف بالمضايقات التي كانت تتعرض لممارستها في وقت حكم النظام , ولكنها اليوم تستثمر عواطف الناس للحصول على الأصوات الانتخابية التي ربما توصل الفاسدين إلى سدة الحكم في العراق , ومن الأمور التي حاول بعض الضيوف عرضها هو تصوير ما كان يجري بعد 2003 على إنها مظلومية على الجميع دون أن يدركوا إن من يتحمل مسؤولية ما وصل إليه البلد اليوم هم الشركاء جميعا دون استثناء , فبعد أن رحل النظام السابق وأعطيت دفة الحكم لهم قادوا السفينة إلى خارج الاتجاه , وقد كان هناك شبه إجماع بان من تم اختيارهم ليسوا افصل الخيارات فبعضهم ( الأعور من بين العميان ) وهذا هو الحال في بازار التنافس السياسي الذي يتعبد بالتحزب والبعيد كل البعد عن المصالح الوطنية والتعاليم السماويةالسمحاء .

ولم تكن أغلب الآراء والأفكار والحقائق التي طرحت في حلقات البرنامج غائبة عن بعض العراقيين , فبعض الضيوف لهم علاقة بالعملية السياسية بطريقة أو أخرى , ولكنها كانت فرصة لكي تعلم بتفاصيلها شريحة واسعة من المشاهدين سيما وان ( سحور سياسي ) ذاعت شهرته بسبب نوعية الضيوف وجرأت الطرح والوقت الذي يبث فيه باعتباره في وقت راحة اغلب الصائمين , وليس المهم أن نسمع ونتفاعل ونتحمس للصراحة في الطرح أوان يكون البعض فضوليا فيتندر لتداول ما سمعه من خفايا وإسرار لكي يعدها دافعا لتفسير أو تبرير الفساد , بل المهم أن تكون هناك إرادة للتغيير ونقصد بالطبع التغيير الايجابي الذي من شانه حفظ أرواح وكرامة العراقيين وإلغاء التفرقة والتمييز والترفع عن المغانم وإصلاح الأوضاع , بعد أن أصبحت 40% من الأراضي العراقية تحت سيطرة تنظيم إرهابي يقاتل بسلاح اشتراه العراق من ثرواته وتم تسليمه لهم من قبل الفاسدين والخائنين والجبناء .

نعم نحن بحاجة للتغيير الذي يصنع بإرادة وأيادي العراقيين بعيدا عن أية تدخلات خارجية لوقف نزيف الدماء في بلدنا الذي تحول إلى ساحة حرب مفتوحة نختفي فيها جميعا من خطر الموت القادم بأي وقت ومكان فنقدم في كل يوم قوافل من الشهداء لدرأ الخطر عن الآخرين , ويتواجد في جبهات القتال نخبة من الرجال الذين يزف منهم يوميا شهداء إلى زوجاتهم وأمهاتهم لكي تزداد المشكلات الاجتماعية الخاصة باليتم والأرملة والفقر والعاطلون والتي توسع حجم المظلومية يوما بعد يوم , وحين تدعوا إلى التغيير الايجابي الذي يمكن أن نتبناه جميعا بطريقة تحقق مصالح الجميع أفضل بكثير من التغيير الذي قد يدعوا إليه الأعداء بطريقة الفوضى التي قد تحدث في يوم من الأيام , فكرة الثلج تتدحرج وتكبر بفعل الاحتياجات الفعلية وليس على طريقة نظرية المؤامرة , واغلب الحلول المطلوبة هي في حدود المتاح حاليا ولكن الغير معلوم فيها هو الوقت المتاح للمباشرة بتلك الحلول , وهذه الكلمات ليس غرضها التسقيط لان ما يتمناه العراقيون أن يكون التغيير حقيقيا ومنتجا ويعوض لهم جزءا مما حرموا منه طوال العقود الماضية , وبما بثلج الصدور داخل البيت العراقي بدلا من الندم على ما يفعله ( الحليم إذا غضب ) .