بعد فشلهم بتشكيل تحالف موحد لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق، يعاني الإيزيديون من ضياع انتخابي كبير بسبب ضبابية المشهد السياسي لتمثيل المكون الأصيل في العراق، بعد أن وصلت التقاطعات بين الأحزاب الإيزيدية الى الاختلاف القومي والسياسي الشديدين، وسط إحباط ويأس كبيرين داخل الشارع.
فشل الفرقاء السياسيين الايزيديين في إيجاد صيغة لتمثيل مكونهم داخل البرلمان العراقي، يعزوها الناشط الحقوقي الإيزيدي صائب خدر في حديث سابق لصحيفة “العالم الجديد”، بان سايكولوجية الفرد الايزيدي تميل للتفرد في العمل، ونبذ العمل الجماعي، بالاضافة الى الايديولوجيا السياسية التي ينتمي اليها الايزيدي اكثر من تفضيله لمجتمعه، وهذا ما شاهدناه في الاتهامات التي تبادلها الفرقاء السياسيون الايزيديون بعد فشل اجتماع بغداد من أجل اعلان تحالف ايزيدي لخوض الانتخابات المقبلة.
إن الإيزيديين يشعرون بالاضطهاد وعدم الاستقرار، فالنازحون باتوا يخشون العودة الى مناطقهم الأصلية بسبب الخلاف بين المركز والاقليم والخلاف بين الفرقاء السياسيين ايضا، ما جعلهم يفضلون الهجرة على البقاء في العراق، على الرغم من صعوبة الأمر بعد غلق أوروبا حدودها، إثر استقبالها أكثر من ١٢٠ الفا منهم منذ ٢٠١٤. ومن تداعيات هذا الخلاف ما تجلى في سنجار التي لم يصلها لغاية الآن أي جهد هندسي لتنظيفها من مخلفات الحرب الأخيرة، كما لا زال الخوف قائما من تكرار مأساة ٢٠١٤ وما حصل فيها من إبادة جماعية.
هذا كله سينعكس سلبا على المشاركة في الانتخابات القادمة مع احتمال قيام الأحزاب الكردية باجبار سكان المخيمات في اقليم كردستان بالتصويت لشخصيات معينة، كما حدث وأجبروا على المشاركة في استفتاء الانفصال في 25 أيلول سبتمبر الماضي.
قراءتي للشارع الإيزيدي في الداخل والخارج، تؤكد أن الناخب الايزيدي لا يعرف شيئا عن الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق، بسبب ابتعادهم عن الواقع السياسي الذي يعتمد على تحالفات مبنية على أساس ديني ومذهبي وقومي، عكس السياسي الإيزيدي الذي يخدم الجهة التي يتبعها سواءً كانت كردية أم شيعية أم سنية، الأمر الذي قد يلغي الثقل السياسي للايزيديين، ويجعل وجودهم كعدمهم، وصولا الى اختفائهم مع الوقت.
لن يتعدى الإيزيدي حال مشاركته في الانتخابات، حدود العشيرة والمنطقة التي ينتمي اليها، ما شجع الأحزاب الكردية على استغلال ذلك في الانتخابات البرلمانية السابقة، حين قامت بفتح باب الترشيح العشوائي امام الايزيديين التابعين لها حزبيا، حتى تجاوز عدد المرشحين الايزيديين ٦٥ مرشحا، وبهذا تشتتت الاصوات الايزيدية، وذهبت الى رئيس القائمة (الكردي)، ولا زالت أتذكر آنذاك كيف استفاد هوشيار زيباري من الأمر في المناطق التي تعرضت الى التكريد، ناهيك عن التزوير الذي جرى بشكل كبير، فتمثلت النتيجة بخسارة خمسة مقاعد من أصل سبعة في الدورة التي سبقتها، وهي خسارة كبيرة.
واليوم هناك كوتا للايزيديين كمقعد واحد، وهو لا يتناسب مع حجم الإيزيديين في العراق الذين يتجاوز عددهم ٦٥٠ ألف نسمة، ويتنافس على هذا المقعد لحد الان حزبان ايزيديان هما “الحزب الديمقراطي الإيزيدي” بقيادة حيدر ششو، و”الحركة الايزيدية من أجل الإصلاح والتقدم” (التي نجهل من يقودها الان بسبب خلافاتها الداخلية)، ومن الممكن دخول حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي المدعوم من قبل حزب العمال الكردستاني، مع احتمال قيام تحالف الفتح المنبثق عن الحشد الشعبي بدعم مرشح، لا يتمتع بشعبية كبيرة بين الايزيديين، ولكن قد يتم فرضه بطرق أخرى كالتزوير، وهذا ما سيُقلق المرشحين الآخرين لاسيما المستقلين منهم.
يظل حزب التقدم الإيزيدي علامة فارقة في المشهد السياسي الايزيدي في العراق، فقد قرر مبكرا الخروج من السباق على هذا المقعد، وخوض الانتخابات التشريعية العامة خارج إطار الكوتا، وبهذه الخطوة فانه قد كسب تعاطف الشارع الايزيدي، الا أن ما يواجهه هو عقبة مرشحي الأحزاب الأخرى، لاسيما الأحزاب الكردية التي تسعى لتكرار ممارساتها السابقة بتشتيت الاصوات الايزيدية وذهابها للمرشحين الكرد.
يعكس هذا الامر ضعف السياسيين الايزيديين أمام القوى الأخرى، وبالتالي فقد أصبح وجودهم كعدمه، وان حضورهم السياسي ليس مهما لأحد، وكم من السهل هزيمتهم على ارضهم، لأن الخوف من القوى الاخرى أو من الايزيديين المحسوبين على تلك القوى، وتشرّد الأهالي في مخيمات النزوح، بالاضافة الى التزوير، كلها عوامل قد تطيح بآمال الايزيديين في الحصول على المقاعد السبعة.
يبقى أن نتساءل: من الأوفر حظا في المنافسة على مقعد الكوتا الايزيدية هل هو حركة الإصلاح المثقلة بالمشاكل أم الحزب الديمقراطي الإيزيدي المدعوم كرديا؟
ولمعرفة الجواب لابد من معرفة أن حركة الاصلاح قد فقدت الكثير من شعبيتها خلال الـ١٢ سنة الماضية بسبب فشل أدائها السياسي، وما دخولهم في المنافسة على مقعد الكوتا الا دليلا على ضعفها، فضلا عن أن أغلب مناصريها لم يعودوا أقوياء في العراق، الأمر الذي قد ينتج خسارتها أمام الديمقراطي الإيزيدي.
وبالاضافة الى مقعد الكوتا، فيمكن للايزيديين الحصول على مقعدين إضافيين عن طريق ايزيديي الخارج، الذين سيكون لهم كلمة في الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق، لاسيما وأنهم لا يخضعون لأية جهة تذكر، ويتمتعون بكامل الحرية في الاختيار.