23 ديسمبر، 2024 5:18 ص

ضياع الهوية العربية ما بين غفلة العلمانية وغلو العمامة ومباركة المرجعية

ضياع الهوية العربية ما بين غفلة العلمانية وغلو العمامة ومباركة المرجعية

إن الفهم الخاطئ للنصوص القرآنية والسيرة النبوية والسيرة العطرة لآل البيت والصحابة الأطهار، وجهل الكثير من العامة بأمور دينهم وعقائدهم، دفع بولادة مسخ من الافكار والقيادات المتخلفة تقمصت دور علماء الدين وتمكنت من ازاحة المعتدلين وتبنت وأحدثت عقائد ومعتقدات غريبة وأفكاراً مشوهة طمست معها سماحة المذاهب وثوابت الدين .
وتم تشكيل وتوجيه جبهة عريضة من الشباب المغرر بهم ؛ فغرسوا فيهم كل أشكال الإرهاب والتعنت من جهة والتحلل والانفلات من جهة اخرى فسهلوا ومهدوا واحلوا لهم ارتكاب الكبائر وأفتوا لهم بانتهاك المحرمات وسفك الدماء وصولاً إلى تكفير وقتل المخالف لهم باسم الله ورسوله وآل بيته تارة أو ثأراً لإمام أو طاعة وانقياداً لمرجع أو تقديسا وتبجيلا لرجل دين تارة اخرى مستندين لنصوص اما هي مجتزأة او تفسير قاصر او حوادث وقعت لا يصلح القياس معها..
وجرى ذلك على كل المذاهب والملل دون استثناء، وما ساعد على انتشار تلك الأفكار التي انتشرت كالنار في الهشيم غياب دور التوعية المجتمعية وقصور مناهج التعليم و خواء إعلام الدول ومؤسساتها من اخذ دورها الرصين في تحصين جيل الشباب نزولاً إلى التفكك القبلي والعشائري وانصراف العائلة وتفرغها لهموم الحياة عن أخذ دورها في غرس الفكر المعتدل المتزن في النشئ مما جعلهم لقمة سائغة لاختراقهم وتجنيدهم، ومن ثم سوقهم كالقطيع في حقل مليئ بالالغام.

فالخطأ الجسيم الذي وقعت فيه الكثير من الدول والأحزاب المدنية التي حكمت بعض القطار العربية وخاصة ذات التوجه القومي منها أنها ركزت في أيدلوجياتها على الولاء للقومية والوطن والحزب وتمجيد القيادات واختزال افكار ومبادئ الحزب فيهم ومحاكاة الديمقراطية بزيف واضح وكل ذلك جرى بعيداً عن الدين وذلك هو ما يسمى اليوم بالعلمانية وهو كذلك يختلف تماما عن العلمانية المطبقة في الدول المستقرة المتقدمة !!
مما خلق فراغاً عقائديا نفذ منه دعاة الضلالة ومدعي الدين ممن نصب نفسه او تم تنصيبه من دوائر المخابرات العالمية كحارس للمذهب وتم توظيفهم لمصالح متبادلة وقد قبلوا الدور وهم يقبلون ايدي المحتل فرحا للصفقة الرابحة ووقد جاء منقذا لهم وللحد من اكتساح سلطتهم وتأثيرهم على المجتمعات التي تصطبغ ربما شكلا بالاسلام وقد نجح الاعداء بالنفوذ الينا منتحت عمامتهم وعبائتهم .

وهذا التوجه المضاد للعلمانية والذي يستند على فكرة تغليب المذهب والدين على القومية والحكم المدني قد قفز للواجهة كما هو جار في العراق ولبنان وأخذ الدور بمعونة خارجية بتأسيس احزاب دينية ضاقت البلدان بهم وبمليشياتهم وتفرعاتهم لكنها ذات افكار موحدة في الفساد والهدم والتشويه وتتفق كلها في سيناريو موحد ظاهره حماية ومناصرة الدين والمذهب ومناصرة مقلديه واتباعه وتسهيل ممارسة وأداء الطقوس وتخدير للمشاعر لكن باطنه وما يدور وراء الكواليس هو ذبحا للشعوب ونهب خيراتها وتوزيع الحصص في كبريات شركات و مصارف الدول, وهي لا تمت في واقعها وتصرفات قياداتها لاي ثابت من ثوابت العدل والمذهب والدين !!
ومضت وحسب ما خطط له وبمنظور ضيق وما زالت تلك الاحزاب تستغفل وتثقف للولاء لها والموت دونها ، وهي تعمل جادة على تغييب وطمس الولاء للأوطان ورفض اي شكل من اشكال التعايش مع الإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه وعرقه، وقد نجحوا وزرعوا في نفوس أتباعهم نهجاً ما أنزل الله به من سلطان ذلك بأن أي بلد خارج قبضة حكمهم ولا يتماشى مع معتقدهم ونهجهم هو مجتمع معاد و بلد كافر يموج في الضلال ويجب اجتثاثه ومقاطعته ثم الحث على الخروج على ولاة أمره ، وإن تعذر ذلك فلا بد من فمغادرته والبراءة منه.
ذلك التخبط والانحراف هو من خلق كل تلك الأجواء الإرهابية التي تعيشها مجتمعاتنا اليوم.

لقد بسط الله الأرض وخلق فيها كل المقومات ثم أمر بهبوط آدم وزوجه إليها واستعمرهم فيها، وبدأ بعدها التكليف وإرسال الرسل تترى، فالأوطان هي ما تبنى أولاً وهي مصدر قوة للأديان، أما الأديان فهي عامل استقرار وسبيل ومنار للإنسانية..
فلا يوجد في تعاليم أي مذهب أو دين سماوي ما يحرض على حرق الأوطان وهدر الدماء والإفساد ونهب خيراتها بفتاوى ضالة ظالمة إلا في نفوس من تربعت الشياطين في جنباتهم ولوثت عقولهم.

فمما تقدم في اعلاه فان الامة قد احشرت في توجهان متناقضان تماما ؛ فإما الولاء للوطن والحزب والقيادة والتجمع والكتلة و العائلة المالكة وفخامة الرئيس وعائلته المبجلة بمعزل عن الدين أو الولاء للدين والمذهب والمرجع دون اي اعتبار للوطن والقومية والانسان ،وكلاهما قوتان يكمن فيهما الشر والخطر وهما متناقضتان تماما ولا يطير بهما طائر أبداً ولا يستقر بهما مجتمع ولا تبنى بهما الاوطان ولايتحرر الانسان!
ولقد نجح الأعداء من اختراقنا بغفلة واستغلوا جهل الأمة بدينها وبالولاء لأوطانها دون المساس بثوابت الدين .
فالحرب المستعرة اليوم تختلف عن كل الحروب السابقة، فهي تدار بمسار أفقي وليس عمودي ودون الحاجة لوجود جيوش جرارة، فالحروب اليوم هي داخلية وتدار بالوكالة ؛ اي بمعنى آخر هي حروب مدن وأقطار، فكل قطر عربي تستعر الحرب من داخله وبدرجات متفاوته ويشتغل بها دون أن يكون له أي وقت بالالتفات لما يكابده جاره، وسينتقل ذلك السعير كما تنتقل النار في الهشيم لباقي دول المنطقة!!

ومحور كل تلك الصراعات ومحركها اليوم هو الفرقة واستغلال مذاهب الدين الواحد والولاء للطائفة وسلخ الوطن عن الدين و بث التناحر بين طوائف الدين الواحد وصولاً إلى التناحر بين أبناء الطائفة الواحدة، وهكذا فستزيد وتيرة الحروب وستكون نتائجها كارثية وسيعم الخراب مادام هنالك جهلة من القوم ممن يعتقدون أن نصرة المذهب واتباع وتقديس فلان سيقودهم إلى الجنان ورضى الرحمن والحور العين !!
وما تجربة العراق عنكم ببعيد فكلما قربت فترة الانتخابات فيه عادت للواجهة مسألة الولاء للطائفة دون الوطن بفتوى معدة مسبقا لتخدير وتغيب العقول لدورة دمار ودماء وفساد جديدة فلا تغرنكم التشكيلات الجديدة والتسميات المنمقة والحزب الذي سيتولى قضايا السنة او مناصرة الشيعة فكلهم متشابهون افاقون سيستخدموا كل ما في وسعهم لحقنكم بافيون لاتفيقوا منه ابدا..
إن سكوت مراجع و علماء وعقلاء ومفكري الأمة وقادته ليس له اليوم ما يبرره، فمن يدعي أن السكوت هو حلم وحكمة وسياسة متزنة فهو واهم، فاليوم السكوت أصبح جرماً وضعفاً مكن منا السفهاء والجهلاء والأعداء..
ما يحدث اليوم في الكثير من البلدان من خرق خطير في أمنها واستقرارها وتحت نفس الهدف الذي أسهبنا في أعلاه، خرج عن سياق المألوف ودخل مرحلة تقرير المصير، ولن يتم احتواؤه وقبره أبداً بجمع وتوقيع البيانات والدعوة إلى المسيرات وحتى الذهاب لمقاطعة الانتخابات او تاجيلها واي شكل من اشكال الاحتجاجات مع أهميتها مرحلياً.
نحن اليوم بحاجة الى اعادة بناء الانسان وتثقيفه بالتمسك بالاوطان دون الانسلاخ من القيم والاديان وتخليصه من لوثة المتخلفين ممن ركب موجة المذهب والدين.

ان مرحلة تدحرج الإرهاب والفوضى صوب عالمنا العربي بدأت تتكور ككرة الثلج المنطلقة من أعالي جبال الشر، ولابد أن يتم حرف مسارها أو وضع المصدات لتفتيتها. فالخيانة وما يصاحبها من لغة النار لا يطفئها جعجعة الكلام ولا كثرة الاستنكار ولا التحاور في الإعلام ولا في غرف الأخبار، فقد جربت قبلنا أمم ودول تلك الطرق إلى أن غرقوا في مستنقع الذل او الديكتاتورية او الإرهاب لأذقانهم. فلن يرتدع الخونة والعملاء والقتلة إلا بعد أن يروا بأم أعينهم سيف الحق وقد أخرج من غمده، ولا يعود إلا بعد أن تعود الأمور لنصابها وتنظف البلاد من الفاسدين و الخونة..

وفي الختام سادتي؛ فلا تستقيم الحياة ولا تبنى الاوطان وتصان كرامة الانسان الا بالتعايش ونبذ العنف وتوظيف العقل واحترامه بعد طول انقياد وسبات والقضاء على الخونة والفهم الصحيح للمذاهب والاديان بعيدا عن الغلو والتكفير والاجتثاث..
وبعكس ذلك فإن بقي القوم مراوحين في محلهم تلعب بعقولكم الفتاوى فان ما يستقر في قلوبهم اقولها معذرة هو اما نزغ من الشيطان اوهو من تأثير جند ابليس ممن استمرأوا الحرام والكرسي والجاه والسطو على المال العام وخدروكم لاعوام وهو عندهم اعز عليكم من اوطانكم واصواتكم ومعاناتكم ، فأعيدوا رعاكم الله كل حساباتكم قبل فوات الأوان ولاتندبوا بعدها حظكم!!!