حين كتب داروين نظريته الشهيرة عن النشوء والتطور كانت قاعدة البقاء للأصلح أساس لهذه النظرية، واذا ما حاولنا تطبيق هذه القاعدة علي بني البشر في حياتنا المعاصرة فاننا ولا شك سنجد صعوبة كبيرة في وضع مقياس الأصلح أو الافضل ففي بلد يعيش كل هذه التطورات الدراماتيكية والضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية يصبح تطبيق قاعدة البقاء هذه أمراً نسبياً فهل الاصلح مثلاً هو الشجاع أم الجبان ، هل هو القوي أم الضعيف ؟صاحب العقل الرشيد أم البليد ، المبدئي أم الانتهازي؟
كما أن هذه المقاييس في البلدان كالعراق وأفغانستان والصومال غير الذي في السويد واستراليا وكندا .وبرغم كل المقاييس والتوصيفات التي قد توضع في هذا المجال وفي كل الازمنه والاماكن يوجد أَناس يحسنون فن البقاءوالغريب في الامر أن هذا الفن يرثه البعض أبا عن جد ولا أعرف هل لقوانين مندل دور في المسألة أم هو أكتساب يتشربه المرء عن أسلافه .
فاذا ما نظرنا الى التاريخ العراق الحديث وتحديداً عند دخول القوات البريطانية الى العراق عن طريق البصرة عام 1917 قاتل شيخ قبيلة بني أسد خيون الفهد مع الاتراك ( المسلمين ) ضد الانكليز ( الكفار ) في معركة الزبير لكنه سرعان ما غير ولائه وقاتل مع الانكليزضد الاتراك في الناصرية ولم يدم الامر طويلاً ففي حصار الكوت كان مع الاتراك ضد اللانكليز ، وبختصار شديد فما بين إنزال البصرة واحتلال بغداد قاتل شيخ الأسديين مرتان مع الاتراك ضد المستعمرين الكفار الجدد وثلاث مرات مع الانكليز ضد المستعمرين القدامى ( د.علي الوردي_ لمحات من تأريح العراق الحديث_ الجزء الثالث) وحيث قامت ثورة العشرين كان من الشيوخ القلائل اذا لم يكن الوحيد الذي قاتل مع الانكليز ضد الثوار ( نفس المصدر السابق _ الجزء الرابع_) ، ولنترك التاريخ وننظر الى الحاضر ، فلقد ظهر لهذا الأسد شبل من أحفاده اسمه ضياء حبيب الخيون .
وقصة هذا الرجل لاتقل غرابة عن قصة جده، بدأ موظفا في مصرف الرافدين واستخدم كل مواهبه من كتابة التقارير الى مسح الاكتاف للصعود في السلم الوظيفي والحزبي الى أن اصبح في الثمانينات القرن الماضي مديراً عاما للمصرف الزراعي وعضو شعبة في حزب البعث العربي الاشتراكي.
كان يمارس وظيفته بالبدلة الزيتوني والمسدس بجنبه والحديث عن هذه الفترة ذو شجون لن اخوض فيه بل اتركه لمن كان موظفا في المصرف في تلك الفترة. وبعد حرب الكويت عام 1991 وعندما بدأ صدام بالاعتماد على العشائر ولان ضياء الخيون من شيوخ بني أسد عينه مديراً عاماً لمصرف الرافديين ، وعندما بدا صدام بطباعة الدينار العراقي داخل العراق دون غطاء من العمله الصعبه وبعدما انهارت قيمة الدينارالعراقي ظهر ضياء الخيون وهو المصرفي ( المرموق) على شاشة التلفزيون قائلاً بالحرف ( لا نحتاج الى عمله صعبه كغطاء لعملتنا اذ إن صورة الرئيس القائد صدام حسين هي خير غطاء لعملتنا!!!!! )
وعندما دارت الدوائر وجاء الامريكان أبى السيد ضياء الآ أن يظهر فنونه في فن البقاء فاتصل بالامريكان منذُ الأيام الاولى عارضاً عليهم المساعدة في كشف حسابات صدام حسين وعائلته والحكومة العراقية في الخارج ، فكان له ما أراد وبقى يتنقل ما بين منصب مديراً عاماً لمصرف الرافديين ومستشاراً في وزارة المالية الى يومنا هذا .( وبالمناسبة فلقد كان عضوا في كثير من اللجان المثيره للجدل وعلي سبيل المثال لا الحصر لجنة شراء الطائرات الكندية).
ولا يخفي على القارئ هنا صلات القربى للسيد ضياء ولشخصيات نافذة في أهم الوزارات الأمنية وفي مجلس النواب وفي قيادة حزب الدعوة . السؤال المحير هنا أضعه أمام لجنه المساءلة والعدالة، ترىَ كيف استطاع هذا الرجل وهو عضو شعبة في حزب البعث أن يفلت من قراراتكم التي طالت اساتذة الجامعات والقضاء ووصولاً الى موظفي الإستعلامات في النظام السابق ؟.
وأقول للسيد المالكي بعد أن تناقلت وسائل الاعلام خبر احتمال ترشيح ضياء الخيون بديلاً للسيد سنان الشبيبي محافظاً للبنك المركزي ، فأن كانت قضية السيد الشبيبي قضائية أم سياسية ,فلقد أحسنت الاختيار فالسيد ضياء مستعد لعمل كل ماقد رفضه السيد الشبيبي في فتح خزائن الحتياطيي المركزي لدعم مشروعاتك الكبرى والتي لم يلمس الموطن العراقي منها شيئاً، وسيطل علينا يوماً من علي شاشات الفضائيات ليطالب بوضع صورتك علي العملة العراقية لتعزيز قوتها في بورصة نيويورك ، لكن سيكرر ذلك بعد سنة ونصف من الإن مع خليفتك في رئاسة الحكومة اذا لم يحالفك الحظ في الانتخابات القادمة .
أبهذا تريد اصلاح وتطوير النظام النقدي والمصرفي والقضاء علي الفساد واشاعة دولة القانون ؟؟.
ضياء حبيب الخيون ظاهرة فريدة في فن البقاء تحتاج الى الدراسه والتمحيص من المعنيين في نظريتي المرحومين داروين ومندل .