أعتمد المقاربات الوصفية وحتى الشكلية أو المكانية في رواياته
سعى الجبيلي لتكريس النص كحقيقة واقعة تؤثر فيها تقلبات الزمن
قارب ضياء الجبيلي بين معيارين في رواياته التي ارتكزت معظم تفاصيلها ومخاضاتها على وحدة مكانية لم يخرج منها ( مدينة البصرة) والتي اعتبرها ملهماً له في تفاصيل السرد ، وداخل من خلال عناصر السرد التي تناولها تنقلاً بين التاريخ والمعاصر ليفعل تداخل الأزمنة نحو إنتاج مقاربة بين ماضيها والحاضر.
مصطلح التركيب الحكائي الذي عمد الجبيلي إليه بمعناه المتداخل للتناظرات التي تحوي بعضها، أنعكس على المفهوم العام للعمل الأدبي الذي جادت به قريحة ضياء وفق معيارين ركز عليهما الكاتب وهما الثقافي الذي دفع من خلاله لغة غاية في الدقة استخدمها الجبيلي للإفصاح عن مكنون روايته ، فيما اعتمد على الافتراضية لرسم صوره التي ضمنها عمله ، وليخلق من خلالهما صورة العمل بأكمله ،إلا أن القاسم المشترك في كل أعماله كما ذكرنا هي البصرة.
روايات الجبيلي تأخذنا بسرد جميل الى المقارنة بما كان من ( الحكواتي) أو الأدب الشعبي المروي على لسان الأشخاص (الراوي) في العهود القديمة ، إلا أن سرد الرواية كان مغايرا للتخيل أو الافتراض الذي بنى عليه ضياء أركان رواياته، فهي واقعية سردية قريبة من التخيل ، لكنها حقيقة ، عناصر الرواية كانت دائماً مكتملة لدى ضياء فهو قادر على التنقل بينها من مكان الى زمان وحضور قوي للشخوص بتكوينهم الماضي أو حتى وجودهم الحاضر.
فقد سعى الجبيلي لتكريس النص كحقيقة واقعة تؤثر فيها تقلبات الزمن ، وقادرة أيضا على استلهام الماضي والإفادة منه في تصوير مجريات الحاضر عبر أجيال توارثت السرد ، واعتمدت الماضي كرصيد لها نحو تاطير الواقع أو الحاضر.
استخدم دائما محيطه الشعبي وما يدور فيه من أحداث لسرد تفاصيل روايته ، معتمداً الحدث المكاني كتعبير عن السرد في الرواية ، ولم يخرج من ذلك حتى حين استخدم رموزاً أجنبية باعتبارها جزء من الموروث الشعبي للمدينة ، وأساسيات تاريخها الذي سعى ضياء لتوظيفه من ضمن عناصر السرد بدقة متناهية.
وبتباعد الرؤى مابين الحاضر والماضي ومجريات الأحداث يؤسس الجبيلي لتداخل تقريبي يجمع المتداخلات أو المكملات ( البداية والنهاية) على نسق فريد وذكرى من الماضي ليدخل عبره الى نهاية الحاضر التكويني للحدث ، فتكون نهاية الرواية معتمدة على خيط من الماضي لينهي به ضياء حبكة إحدى روايته الجميلة ، وهنا ينجز نهاية متقنة لتداخل الحقيقي والافتراضي اللذان بنى عليهما أسس روايته منذ البداية ، وليتنقل من خلالهما عبر تداخلات الأسماء والأماكن القريبة والدلالات والرموز ، وما تحمله هذه كلها من قصص ثانوية جمعها الجبيلي في قلب روايته التي كان ملعبها البصرة وما كمنطقة الحدث أو الرواية ، باعتبار إن مدينة البصرة هي مركز ثقل السرد الذي أعتمده ضياء ، وما يرافقها من أماكن تدور فيها حبكة روايته.
استخدم ضياء الجبيلي رموزاً وأحداثا واقعية زاخرة بالمعاني لدى السكان الأصليين للمنطقة، وشكل منها عناصر سرده ، وضمنها تخيلات الكاتب كعنصر تشويق وهذا شائع لدى الكتاب عموماً، فالرواية تعتمد على سرد تفصيلي لمجموعة أحداث متداخلة تشير الى زمان ومكان معينين أو افتراضيين ن لكن الكاتب يسعى بحرفية متقنة للتداخل مابين المعنيين والافتراضي ليخلق عالمه السردي الخاص ، ويخرج منه بحقيقة مبنية ربما على الافتراض وربما على الواقع ، معتمداً عناصر الرواية المتكاملة ، بالإضافة الى عناصر السرد مجتزئة أو متكاملة لينتج صيرورة روايته بصورة متكاملة من الناحية التكوينية السيكولوجية للعمل بشكله النهائي. ذهب ضياء الى استخدام الرموز لأكثر من مرة وفي أكثر من رواية، فكانت قرشاً في إحداها، وهيكلاً عظمياً في أخرى ، وهو ما يدفع القارىء للتصور أن ضياء الجبيلي ربما يبحث في مضامينه عن أشياء دفينة ، كمنقب اثأري يبحث عن كنوز مطمورة في باطن الأرض، ومنها يريد استخراج كلماته أو أفكاره التي ينشئ منها روايته أو حبكته ن ومنها أو من بينها يؤسس لتكوينه السردي على غرار ( الروايات الغرائبية) ، لكن أعمال ضياء أبداً لم تكن سوى واقعية ادخل في ثناياها وضمن عناصر السرد تلك الوصلة من التشويق عبر استخدام تلك الرموز ،كأبواب للترابط الحدثي والذهني مابين عصرين ربما أو حتى عقدين أو عقود من الزمن.
استخدم ضياء المقاربات الوصفية وحتى الشكلية أو المكانية ، وحتى التخيلات في معظم رواياتهن وهي لا تحسب إنفراداً للجبيلي ، بل على العكس هي باتت تعرف كسمة عامة للرواية العربية الحديثة ، بل حتى العالمية
وهو ما لا يسجل على ضياء مأخذا يعيب توجهه هذا ن بقدر ما يكرس لإنضواءه تحت خيمة تأثيرات الرواية العالمية ، أو إن أردنا التخصيص العربية ، ولا نستثني منها العراقية طبعاً.
فكثيراً ما نقرأ في الروايات الصادرة القديمة منها والحديثة ، التركيز على مكان بعينه يعد مسرحاً تدور في أحداث الرواية مثل ( خان الخليلي) أو الإسكندرية ، ولو ركزنا على الرواية العراقية سنجد إن معظم روايات عبد الرحمن مجيد الربيعي هي عبارة عن مقاربات تدور في كنف الناصرية وعالمها وبيئتها وناسها ، الذين شكلوا شخوص معظم روايات الربيعي. وفي ثنايا ميزة التناظر النصي تتركز شخصية الراوي في أفق فظاءاته التي تدور فيها عملية السرد.
عالج ضياء كتاباته عموماً بسردية دقيقة برع فيها ، ورسم من خلالها فنية الحدث الروائي بدقائق تفاصيل شخوصه ومعانيهم وعلاماتهم حتى أختصر على القارىء ربما في تلك التفاصيل عملية التصور أو التخيل حين يقرأ الأوصاف والمعاني بدون دقة ضياء ، فيسرح في تأملات الصورة ، فتضيع معها معالم الرواية أو تفقد الترابط الجدلي بين أحداثها، ما دفع ضياء الجبيلي للتفكير بهذه الجزئية ومعالجتها.
أبدع ضياء في صياغة أحداثه وتداخلاتها ، وأبدع في رسم تلك الصور الرائعة المنطقية رغم التداخل مع المتخيل ، إلا إنها تشي عند قراءتها بأن تمت للواقع المعاش بتسلسل الزمن الذي مر على المدينة ( البصرة) واخذ منها ومنحها مالا يقله الجبيلي ، وربما ننتظره منه في رواية أخرى.
وضياء الجبيلي روائي عراقي، ولد في مدينة البصرة ، و ساهم مع أقرانه من الروائيين العراقيين في إبراز المعالم الجديدة للرواية العراقية بعد تغيير عام 2003.
ومن رواياته الصادرة :
لعنة ماركيز، إصدارات اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، 2007
2. وجه فنسنت القبيح، عن المشغل السردي، ورشة الرواية القصيرة، إصدارات اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، 2009.
3. بوغيز العجيب، عن مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع، 2011.
4. تذكار الجنرال مود، عن دار وراقون للنشر والتوزيع 2014.
نال جائزة دبي الثقافية عن روايته لعنة ماركيز 2007.
وله أيضا كتب مشتركة منها:
1. ذاكرة المقهى، قصص قصيرة جداً، مع مجموعة من كتاب القصة، إصدارات المشغل السردي في البصرة، 2008.
2. وجه فنسنت القبيح، رواية قصيرة بالاشتراك مع الروائي علي عباس خفيف ( ستة أيام لاختراع قرية ) ضمن إصدارات المشغل السردي في البصرة ، ورشة الرواية القصيرة 2009.
3. رسائل إلى سمكة قرش .