من أكثر الثوابت الاساسية في التركيب البنائي لأي دولة أن تكون الوزارات هي الشريان الرئيسي الذي يربط السلطة الحكومية للدولة بالقاعدة الجماهيرية , وأختلاف الخدمات التي تقدمها أي وزراة هي التي تضعها في شكل الاختصاص المطلوب منها وحجم التركيبة الهيكلية الذي على أساسه تضع الوزارة برنامجاً فصلياً أو سنوياً لتهيئة المقومات الادارية والتشغيلية والاقتصادية لكي تؤدي مهامها بشكل مهني وأحترافي وبنسب أنجاز عالية , وبالتالي تكون هذه البرامج هي المسارات التي ترتبط مع بعضها ومع المنظومة الحكومية العامة ضمن قانون وأطر أدارية لتشكيل البرنامج الحكومي العام , وبذا يكون مستوى كفاءة الاداء الوزاري مرتبط بمدى تكامل وتناسق برنامجها مع غيرها من الوزارات وبمدى تحقيقه لأستراتيجيات وأهداف البرنامج الحكومي العام والمنظومة الخدمية وبكافة قطاعاتها .
وفي الدول التي يتكامل فعلاً نظامها الاقتصادي مع البرامج الحكومية والوزارية يتصاعد مستوى الاداء ليأخذ مستوى النجومية كمقياس معياري يشابه مستوى الخدمة الفندقية وحسب عدد النجوم التي تؤشر درجة الفندق , فالبرنامج الوزاري مطبق بكل الاحوال ولكن المهم بأي مستوى يطبق هذا البرنامج وكيف تؤدى الخدمات للمواطن , وكل هذا يجري وفق نظام أداري متميز يخلو من الروتين والحلقات والمناصب الفارغة , فلايحتاج المراجع الى أن يلتقي بالوزير أو مدير المؤسسة لتمشية معاملة فوق السياقات المتبعة , فما أن تستوفي المراجعة البيانات المعدة قانونياً تكون الخدمة قد تحققت وتعممت على كافة وزارات الدولة الاخرى وهذا مايعرف بال ( سيستم ) أي النظام التعريفي المتكامل للبيانات وتوثيقها وتحديثها, وبهذا يكون المواطن خارج دائرة الهمّ والغمّ الذي يصاحب سير أي معاملة , أضافة الى مايوفره من وقت , وتستوفى الرسوم المستحقة على أي أجراء وهذا سيرفد الدائرة الخدمية بالسيولة النقدية اللازمة لتطوير ذلك القطاع الخدمي وبأرتياح تام من قبل المستفيد .
ونحن اليوم بعيدون كل البعد عن هذه االمفاهيم , فلازالت وزاراتنا تقوم بمهماتها بأسلوب مترهل يبتعد عن العصرية والتطور الحاصل في مفهوم التكامل الخدمي في المنظومة الحكومية , لذلك لازال البعض يرى أن مستوى الخدمة يعتمد بالدرجة ألاساس على كفاءة الوزير نفسه ومدى أخلاصه ونزاهته , ويذهب المتحيزون الى أكثر من ذلك ويرفعون من شأن الوزارة وعملها بالاعتماد على الفترة التي يتسنم بها الوزير لمنصبه , وتصبح المقارنات بين وزير وآخر وليس بين وزراة وأخرى , ونخرج عن أي معيار أو مقياس في تقييم المستوى أو المؤشر الذي يمكن من خلاله أعطاء ما تستحقه من درجة الكفاءة المعتمدة ضمن برنامج الوزارة نفسها , ويبدأ اللغط والدوران ضمن حلقة مفرغة لا أساس لها تعتمد فقط على مزاجيات أو رؤى بعضٌ منها تعمل تحت يد الوزير نفسه , وفي هذا أسقاط لمفهوم الدولة العصرية والعودة الى مفاهيم الشخصنة والفردية , ولابد من الاستناد الى معيار تخصصي لتقييم كل وزارة حسب تخصصها ومعيار جمعي يعني بتقييم المنظومة الحكومية ككل , فمقارنة وزارة بالاعتماد على وزيرها بوزارة أخرى فاشلة في تقديم الخدمة هو الجهل بعينه , فلايمكن مقارنة الفشل بفشل آخر .
وبالاعتماد على المعيار التخصصي تكون الوزارة ملزمة بتطبيق برنامجها السنوي , ولنأخذ نموذجاً . وزارة الاسكان وحسب مايدلل عليها أسمها معنية بالقطاع الذي يوفر السكن للمواطن , لنحسب وخلال عشر سنوات كم وحدة سكنية قامت الوزارة بأنشائها وبمختلف الموازنات تشغيلية كانت أم أستثمارية , وكم العدد المطلوب منها فعلا وماهي الزيادات السكانيه الحاصلة فعلا , فهل أستطاعت أن تؤسس نظاماً أسكانياً يتعامل مع المعطيات بعلمية وحرفية ويعتمد على ألاسس التخطيطية التي تعتمد دولياً , وحتماً سنصل الى نتيجة أنحرافية ضمن البرنامج المعد من قبلها أن وجد , وبهذا تكون الوزارة قد فشلت بغض النظر عن كفاءة الوزير من عدمها , وبربط تلك النتيجة بمثيلاتها من الوزارات الاخرى نتحقق فعلا أن المعيار الجمعي للحكومة يؤشر بنتائج ضعيفة يكون ألانحراف النهائي كبيراً جداً , ومن هنا لابد من دراسة التداعيات والمسببات بحيادية لا أن ينأى كل وزير عن الفشل مبرراً ذلك بأن هذا ما ورثه عن سلفه .
ونظرية الوزير الاوحد أو نظرية المؤامرة ماهي الا ضوضاء سياسية تبتعد عن الموضوعية , والحقيقة الحاصلة فعلا في كل الكابينة الحكومية هو الفشل المدقع , تصوروا كيف يمكن لحكومة أن تنجح بأي مقياس وعدد وزرائها في بداية أنطلاقها ثلاثٌ وثلاثون وزارة , في أي مستوى دولي يمكن أن تقارن وكيف لها أن تترابط لتاسيس برنامج حكومي يؤشر نقطة نجاح واحدة على الاقل , ولهذا علينا أن نبتعد عن التشبث بالوزير المعجزة الذي يستطيع أن يدير وزارة ثم ينتقل الى أخرى فليس هناك ما يقدمه فعلا في ظل حكومة أعتمدت على مبدأ التقاسم والتحاصص وليس على الانظمة والبرامج والخبرات والكفاءات , وأعتمدت على الارتجالية بدلا من المعايير التطويرية والتخصصية , وبالطبع لايمكن ردء الصدأ في تلك الانحرافات في التغييرات الوزارية فقط مالم تتغير المنظومة التي أسست هذا الفشل , ومن الاجدى أن نبتعد عن مفهوم ماقدمه الوزير ولنرى ما حققته الوزارة على أرض الواقع وبماذا تميزت وكيف هيأت هيكلها الاداري والتشغيلي لكي لايعتمد على شخص الوزير بذاته , ولنبتعد عن أي كتابات أو مهاترات أعلامية تؤسس للوزير ألاحسن أو الوزير ألاسوأ مادامت نقطة الانطلاق التي أنبثقت منها الكابينه الحكوميه أفشل مما توصف , ومادامت تلك النتائج لا تنبعث منها ألا ضوضاء تثني على وزير وضوضاء تردُ عليها فلا تبحثوا عن الوزير الفاضل في حكومة لم تقدم لشعبها أي فضيلة تذكر.