في خضم الصراع الذي يحدث في العراق حول من سيخلف السيد السيستاني بالتصدي للمرجعية في حالة وفاته وتباين الآراء في هذا الاتجاه حيث يوجد هناك مراجع قد تصدوا للمرجعية في حياة السيد السيستاني منهم اسحق الفياض وسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ اليعقوبي والشيخ بشير النجفي وقسم من هذه البعض يرشح محمد رضا نجل السيستاني للمرجعية ،الا ان اغلب هذه الآراء ان لم نقل جميعها لم تجد لها صدى في الشارع ولدى اصحاب الخبرة حيث ان (الحكيم )قد اسقطه اخواله من ابناء سيد محسن الحكيم الذين عاثوا فسادا في الارض ولم تصدر عنه فتوى واحدة تدينهم وكذلك (بشير النجفي الباكستاني) حيث اتخذ هذا المرجع جانب عمار الحكيم وهو يعرف فساد هذا الشخص ودوره التخريبي في العراق وتبعيته واما (الشيخ اليعقوبي) فكان عرضة للاتهامات حيث قام حزب الفضيلة الذي اسسه بقضايا فساد كبيرة مما افقده شعبيته والى الابد فالمرجعية الدينية لدى الشيعة تستند لعدة عوامل منها عدالة المرجع وشهادة اهل الخبرة وتأييد الشارع له ومن اهم المراكز الشعبية التي يمكنها ان ترشح المرجعيات وتساندهم شعبيا هي كربلاء المقدسة لما تتمتع به من مركز ديني مهم وملتقى لجميع الشيعة في العراق والعالم وهي مصدر دعاية قوي بل هي الاقوى على الاطلاق وسنأتي على تفاصيل ذلك اثناء البحث .
والمتبقي من هؤلاء الشيخ اسحق الفياض الذي لم نر له مساهمة في كل ما جرى من احداث فهو غائب عن الساحة ولا يعرفه بشكل شخصي سوى القليل من مريديه ومقلديه وانا اشك في ان هناك قاعدة جماهيرية لهذا المرجع .
لقد صرح السيد محمد رضا السيستاني انه لم ولن يتصدى للمرجعية كونه اولا لم يكمل كافة بحوثه حيث بقيت لديه ثلاثة بحوث فهو مجتهد جزئي وكذلك اخوه محمد باقر السيستاني .وثانيا لأوامر السيد والده بعدم التصدي، شأنه بذلك شأن السيد محسن بن السيد علي البهشتي وغيره اولاد المراجع. …
نحن نعرف ان هناك صراعا كبيرا على هذه المرجعية تقوده ايران والتي تختلف في ايديولوجيتها عن الشيعة في العراق وهي تمثل الجانب المتطرف للفكر الشيعي حيث يمتد هذا الصراع لقرون طويلة وبالتحديد منذ الحكم الصفوي في ايران لغاية اليوم وسنتطرق لهذا الصراع لاحقا حيث يمثل نقطة تحول في تاريخ المرجعية الشيعية في العراق وايران .
لم يتبق في الساحة الشيعية في النجف الاشرف سوى شخصية واحدة اجمعت كل الاطراف الشعبية والدينية على اهليتها لإدارة شؤون المرجعية والتصدي لها وهو السيد علي بن السيد عبد الاعلى السبزواري وقد اجمع اهل الخبرة جميعا على اهليته واعلميته ومن الذين قالوا باعلميته من اهل الخبرة :
1. السيد رضا الدين المرعشي :مجتهد لم يتصد للمرجعية واحد كبار الاساتذة في الحوزة العلمية في النجف .
2. سيد مهدي الخرسان :مجتهد لم يتصد للمرجعية وهو من احد اكبر الاساتذة في الحوزة العلمية في النجف .
3. المرحوم سيد علي البهشتي :وهو مجتهد والاعلم بين المراجع الا انه لم يتصد للمرجعية رحمه الله .
4. كما يؤيد اعلميته الشيخ اسحق الفياض والشيخ بشر النجفي والسيد محمد سعيد الحكيم .
من هو السيد علي السبزواري
هو ابن المرجع الشيعي الاعلى السيد عبد الاعلى السبزواري الذي تصدى للمرجعية بعد وفاة السيد الخوئي رحمه الله في بداية تسعينيات القرن الماضي وهم ثلاثة اخوة حيث تمت تصفية شقيقه محمد في ايران بحادث سيارة وهو يسير على الرصيف وبقي هو وشقيقه سيد حسين السبزواري الذي يسكن في ايران.
وقد تعرّض السيد علي السبزواري لمحاولة اغتيال في ايران في احدى زياراته حيث حقن بمواد كادت تقضي عليه لولا تدخل آل الخوئي ونقلهم اياه الى لندن للعلاج على جناح السرعة ومازال يعاني من هذه الحالة لغاية اليوم . وادعت الجهات الصحية بأن الطبيب قد توهم في الحقنة .
لقد بلغ مرحلة الاجتهاد على حياة والده السيد عبد الاعلى السبزواري وقد اجازه عدة فقهاء منهم والده السيد علي السبزواري والسيد علي البهشتي والسيد علي السيستاني وفقهاء اخرين في الحوزة العلمية في النجف ،وهو يرفض التصدي للمرجعية لعدة اسباب منها :
1. حالته الصحية التي تسبب بها النظام الايراني اثناء زيارته لإيران وقيامهم بحقنه دواء تسبب في انتكاس حالته الصحية .
2. ادراكه حقيقة الصراع الايراني حول المرجعية حيث سيجعله هدف لنشاط المخابرات الايرانية والذي سيسبب في حالة حدوثه شرخا كبير في الصف الشيعي .
3. في حالة وفاة السيستاني وامام ضغط الشارع سيجد السيد علي السبزواري نفسه مضطرا للتصدي للمرجعية غير مختار في حالة بقاءه على قيد الحياة.
لقد حاز السيد علي السبزواري على تأييد الشارع الشيعي بكل اطيافه فالصدريين وبقية الفصائل الغير مرتبطة بولاية الفقيه تؤيد هذا المرجع لما عرف عنه من اعتدال فكري وبساطة في التعامل ورصانة الرأي والحكمة فهو قبل كل شيء استاذ متميز في دروس البحث الخارج في الحوزة العلمية في النجف وله مدرسة كبيرة وطلبة من كل انحاء العالم ينهلون من علمه ،وهو صاحب مؤلفات عديدة منها اكمال تفسير مواهب الرحمن الذي بدأه والده المرحوم السيد عبد الاعلى السبزواري وله مؤلفات اخرى كثيرة منها (الاستنساخ بين التقنية والتشريع) صدر له في تسعينيات القرن المنصرم حول شرعية الاستنساخ حيث خالف رأي الكثير ممن حرّموا هذا الفعل بل على العكس اعتبره فتحا علميا كبيرا يمكن ان يخدم الانسانية .
بقية الشارع الكربلائي وهو مؤيد لمرجعية السبزواري بالمطلق سوى الفصائل المرتبطة بولاية الفقيه وهذه الفصائل لا تمثل أي ثقل في الشارع الكربلائي حيث اعتاد اهل كربلاء بتقليد المدرسة الكلاسيكية في النجف الاشرف ويرفضون اية مدرسة اخرى حيث يميلون للاعتدال .
للسيد علي السبزواري مؤاخذات حول بعض اراء السيد السيستاني وفتاويه وهي لاتتعدى كونها خلاف فقهي كثير الحدوث بين الفقهاء امثالهم ولكن هناك موقف رافض لفتوى الجهاد الكفائي وقد ابلغني به شخصيا في لقاء خاص وله عدة مؤاخذات عليه ولكنه لم يعلنه للعامة فقد كان حديثا خاصا غير قابل للنشر فهو يعارض هذه الفتوى لأسباب يرى انها غير شرعية وخصوصا قضية الفتوى بالدماء وان الفتوى غير مكتملة الشرائط ويبقى هذا رأيه الخاص .
كما انه له موقف من بعض تصريحات السيد السيستاني الذي يذكر بأنه مؤيد من قبل الامام الحجة فهو لا يستسيغ هذه التصريحات جملة وتفصيلا ويسخر منها فالرجل يؤمن بالعلم والبحث العلمي اكثر من الغيبيات .
المرجعية وكربلاء
من الصعب الوقوف على كل تفاصيل ما حدث في تاريخ المرجعية من صراعات فكرية وايديولوجية وظهور التيارات التي طالبت بالتجديد والصراع الصفوي حول نقل المرجعية الى ايران حيث نجح بذلك واستمرت الحالة لمائتي عام تمكن خلالها الصفويين من اجراء تغييرات جذرية حول الفكر الشيعي واضافة معتقدات جديدة الى عقائد الشيعة الامامية لم تكن موجودة في زمن الشيخ المفيد والطوسي (*) (راجع كتاب مدارات عقائدية ساخنة)(طارق الكناني وماجد الغرباوي ) ،مما اسس لظهور حركات متطرفة هناك مثل البابية والبهائية(*) التي قادت حروب كبيرة راح ضحيتها الالاف والغريب ان كل هذه الحركات اتخذت من كربلاء مركزا لها لمعرفتهم بأن مركز ثقل المرجعية هي كربلاء(*)(كتاب تاريخ كربلاء للكيلدار ) وقد انكمشت الحركة البهائية والبابية في كربلاء بعد مقتل (قرة العين ) *( راجع كتاب علي الوردي مقتل قرة العين )،وهذا يعد انتصارا للمدرسة الكلاسيكية.
لقد اظهرت المرجعية تمسكها بمدينة كربلاء مرة اخرى في ثورة العشرين فبعد وفاة كاظم اليزدي المرجع الاعلى للشيعة حيث يذكر انه كان مؤيدا للاحتلال البريطاني للعراق وقد وردت عنه في تقرير بريطاني سري هذه العبارة (اننا نستطيع ان نعتمد على مساعدته دائما بشرط ان لانذكر اسمه رسميا))*(لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث د. علي الوردي ج5المجلد الاول ص67) .
لقد خلف كاظم اليزدي المرزا محمد تقي الشيرازي الذي كان يلي اليزدي في المكانة الدينية وكان يسكن سامراء ،غير انه انتقل الى كربلاء في 23شباط 1918 ،ويقال ان خصوم اليزدي هم الذين شجعوا الشيرازي للانتقال الى كربلاء ليجعلوه ندا لليزدي ومنافسا له .وقد كانت نيتهم في البداية ان ينتقل الشيرازي للنجف ولكنهم غيروا رأيهم في اللحظة الاخيرة وفضلوا له السكنى في كربلاء ،كان يوم وصول الشيرازي الى كربلاء يوما مشهودا.*(كربلاء في التاريخ طبعة بغداد 1935 ج3ص24) (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الجزء الخامس القسم الاول ص67).
لقد كان الشيرازي مخالف لليزدي في سياسته تجاه الانكليز وقد استدعى الشيخ مهدي الخالصي في منتصف 1919 الى كربلاء والمعروف عن الخالصي تشدده تجاه الانكليز وقد مكث الخالصي في كربلاء الى اواخر حزيران 1920 ومن ثم عاد للكاظمية مقره الاساسي.
في شهر حزيران 1919 ذهب ويلسون بنفسه الى كربلاء لزيارة الشيرازي في بيته وكان يتقن الفارسية وقد تحدث اليه بها بخصوص منصب كيلدارية سامراء .وطلب منه ترشيح رجل شيعي بدلا من الكيلدار السني ويريد بذلك استرضاء الشيرازي ولكن الشيرازي صده وقال له انه رجل طيب ولانعزله ففوت الفرصة علي ويلسون. وحاول ويلسون جر الشيرازي للحديث عن معاهدة كوكس ولكن الشيرازي صده وقال له نحن في العراق وفي ايران شعب يعرف مصلحته ويقرر مصيره .
من الواضح ان السلوك البريطاني تجاه مرجعية الشيرازي كان محاولات استرضاءه بشكل او اخر ولكنهم ايقنوا بأن الرجل غير سلفه وهو لا يقبل المهادنة وان السيد قد استمد قوته من المحيط الذي يعيش فيه وهي مدينة كربلاء التي احتفت بمقدم الميرزا. وقد توالت الاحداث في تلك الفترة وكانت كربلاء عاصمة الثورة .لقد ابغض الانكليز الشيرازي وذموه ذما قبيحا فقد شبهه ويلسون بأنه مثل البابا ليو التاسع ويصفه برسالته بانه عجوز خرف واقع تحت تأثير ابنه الاكبر محمد رضا وكذلك وصفته مس بيل .
في 17 اب 1920 توفي الشيرازي عن عمر ناهز 85 عام وتولى المرجعية فتح الله الاصفهاني وقد امضى فتوى الشيرازي بالاستمرار بالثورة وكان كبير السن واعطى راية الثورة للسيد ابو الحسن الاصفهاني وانابه ليشارك الثوار.
لقد بلغت مرجعيات الشيعة ذروتها في تلك الفترة واسقطت مراهنات الانكليز الذين اعتمدوا على اليزدي كثيرا في تمرير مشاريعهم .
لقد تلت هذه الاحداث احداث كثيرة اثبتت محافظة كربلاء انها الثقل الاكبر للمرجعية ومصدر قوتها فالقاعدة الشعبية في كربلاء تؤيد وبشكل مطلق مرجعية النجف وقد تجلى هذا واضحا في مرجعية السيد محسن الحكيم عندما تعرض لهجوم الشيوعيين بالنجف في فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم فقد انتقل الى كربلاء التي وفرت له الملاذ الآمن والحماية الكاملة .
وقد تكرر الموقف وبدا واضحا و جليا في فترة الاحتلال الامريكي حيث طلب السيد السيستاني الحماية من كربلاء فقط حتى استقرت الامور واتخذ من كربلاء قاعدة لمرجعيته ومن خلال وكلاءه في كربلاء تصدر خطبة الجمعة وموقف المرجعية لكل العالم الاسلامي .
قد يبدو هذا غريبا للمتابع حيث ترك فقهاء الحوزة العلمية في النجف المجتمع النجفي واتجهوا للمجتمع الكربلائي في تحشيد التأييد والحماية وذلك لأسباب كثيرة منها ان المجتمع النجفي مجتمع تجارة لا يلتفت لأمور المرجعيات وهو ناقم بشكل كبير على تواجدهم هناك حيث الطلبة الغرباء واقصد بهم الاجانب والعراقيين يملؤون شوارعها ويستنزفون مواردها المالية فأموال الخمس والزكاة التي ترد للنجف توزع على هؤلاء الطلبة دون ابناء النجف .
لقد كان الصراع في اشده في فترة التسعينات على المرجعية في النجف وكان هناك تحريض واضح من قبل المعارضة العراقية في ايران وكان من نتائج هذا الصراع والتحريض على مرجعيات النجف اغتيال الشيخ مرتضى البروجردي والشيخ علي الغروي في كربلاء اثناء عودته الى النجف صباح يوم الجمعة مما اثارت تظاهرات كبيرة في كربلاء اعقبتها عمليات قمع واعتقالات شارك فيها الجهاز الحزبي ومن ثم تمت تصفية نجل السيد الخوئي واخيرا تمت تصفية السيد محمد صادق الصدر ونجليه مصطفى ومؤمل.
لقد اكتشف هذه الحقيقة السيد جعفر الصدر نجل السيد محمد باقر الصدر عند هروبه الى ايران وموقف الايرانيين منه وكانت ردود افعاله ان وجه اللوم لوالده لموقفه من نظام الحكم في العراق حيث تمت احالته للمحاكم *(دكتور عبد الحميد عبد الله )ورفضهم فتح مكتب للسيد محمد صادق الصدر هناك وكان التحريض واضحا من قبل الحائري والقبانجي وغيرهم .
واذا اردت المزيد من الصراع حول المرجعيات كتب عادل رؤوف وكتب حسن الكشميري تنفع للاطلاع على الفضائح والصراعات المرجعية اكتب في كوكل تظهر كتبهم.