18 ديسمبر، 2024 10:15 م

ضوءعلى طبيعة الخطّ السياسيّ لمرجعية النّجف بعد عام 2003

ضوءعلى طبيعة الخطّ السياسيّ لمرجعية النّجف بعد عام 2003

مع أنّ المرجعية في النّجف الأشرف لها خطّها الفكري ونوعية التّعامل مع الواقع السياسيّ والاجتماعي ، إلّا أنّ هذا لم يمنع المرجعية أن تنهض بدورها في ترصين العملية السّياسيّة بناءً وتأسيساً وديمومةً من خلال الاشتراك والتّوجيه العام في الأمور العامّة والجوهريـّة ، فإنّ المرجعية أعطت المساحات الواسعة للسياسيّين ليمارسوا دورهم في التّفاصيل، إلّا أنها بقيت متمسكة بأصل الثّوابت المؤدّية إلى الحفاظ على العملية السّياسيّة كحقوق الشّيعة، والحفاظ على الدّستور، وحث الأمّة على التّمسك بقوّة بعمليتهم السياسية، بما يؤدّي الى تأسيس ديمومة جديدة لها وبنائها والحفاظ عليها.

إن المرجعية في النّجف بعد 2003م مع أنّ أبرز رجالاتها يؤمنون بالخطّ التقليديّ ـ كما يبدو ـ إلّا أن القدر المتيقن من سلوكهم وخصوصا السّيد السّيستاني كشف أنّ ثمة ميلاً كبيراً نحو خط سياسيّ جديد لم تعهده الحوزة في النّجف الأشرف من قبل، ويمكن أن يقال عنه بأنه يجمع بين الطّريقة القديمة في التّعامل مع الأمور السياسية وأمور الدولة وبين الإقتراب من الخط السياسيّ الميداني، ومن هنا لوحظ ما يلي:

1. إنّ خطّ المرجعية في النّجف دخل بثقل كامل في تأييد العملية السّياسيّة تاسيسا وتأييداً وحثاً وتنظيراً ولقاءات وارشاداً وتوجيهاً.
2. إنّ هذا الخطّ أراد أن يعمل جاهدا على تأسيس دستور يقرّ ويحفظ للشّيعة مصالحهم وحقوقهم السّياسيّة.

3. استحضر تحرّك المرجعية السياسيّ في ذاكرته السياسية حقيقة التنوع الدّيني والإثني في العراق، من هنا أدرك أهمّية سنّ تشريعات دستورية هي أقرب بجوهرها إلى تشكيل حكومة سياسيّة (مدنية) تقوم على مبدأ التّعايش، وبعبارةٍ أدقّ كانت موضوعة الدّولة الدّينية أو الإسلامية في الدّستور غير مأخوذة بنظر الاعتبار، والذّي يدقق في الدّستور وخصوصا المادّة (2) يجد بوضوح علوية التّشريعات الدّيمقراطية على أيّ تشريع سواه، ولا يمكن حال التّعارض بينه وبين أي تشريع أن يرجح ذلك عليه , (هذا مفاد النصّ فليطلب من مضانه).
4.أيضاً يلاحظ في خط المرجعية السياسيّ في النّجف لهذه الفترة محاولة استحضارها المعاناة التّاريخية الّتي عاناها شيعة العراق أثر خروجهم أو اخراجهم عن الاشتراك في الحكومة وبناء الدّولة ، ممّا جعل الآخرين يتمكّنون من تهميش دورهم وجعلهم معارضة مقموعة عبر التّاريخ، لذا نجد أنَّ المرجعية مصرّة بوضوح على إشراك القدر الكبير من السياسيّين الشّيعة، ومن مختلف الشّخصيات في أخذ الدّور الحكومي الشّيعيّ الذّي يستحقّونه دون تجاهل حقّ الآخرين ، ففي الوقت الذّي تحثّ المرجعية القوى السّياسيّة الشّيعيّة على التّوحّد ورصّ الصّف وأخذ الدّور الفاعل بنفس الوقت نجد المرجعية تدعو بقوّة وإصرار إلى إشراك الآخرين في صياغة الدّستور والاشتراك في العملية السّياسيّة وبناء دورها الصّحيح كي لا تهمش، وكي يكون بناء دولة العراق بمشاركة الجميع.
5. من المؤكّد أنّ المرجعية أشرفت بنوع تفصيليّ على بناء العملية السّياسيّة في مراحلها الأولى ، اذ تولت أمر تشكيل تحالف شيعيّ يدخل الانتخابات ، ويكون نواة لبناء الدّولة العراقية في مراحلها المختلفة اللاحقة.
6. المرجعية في النّجف توسّعت في الدّخول في تفاصيل العملية السّياسيّة وخاطبت المكوّنات والإقليم العربي والإسلامي والدّولي ووجهت العديد من البيانات للقوى والدّول المحتلة للعراق ، والذّي يراجع ما جمعه الاخ الخفاف يجد تفاصيل خطابات الإمام السّيستانيّ في هذا الصّدد.

وجدير بالذّكر أنَّ حوزة النّجف الأشرف بعد عام 2003م ومن خلال ملاحظاتنا ـ للواقع العملي ـ لاشتراكها الميدانيّ النّوعيّ سياسيّا نجزم أنّ لديها تحوّلاتٍ في العقل السياسيّ وقد قيل أن لهذا التحوّل أسباب كثيرة وهي .

(أ). إنَّ الحوزة في النّجف الأشرف أثر للضّغوط التّاريخية منذ تأسيس الدّولة القومية ، ومنذ نفي المراجع العظام على يد الحكومة السّعدونية مطلع القون العشرين ، ورجوعهم بعد الاشتراط عليهم أن لا يتدخّلوا في العمل السّياسيّ ، وبعد تحرّك الدّولة القومية قرناً من الزّمن لاستيعاب الجماهير العراقية لحاضنتها ، بعيداً عن حاضنة المرجعية هذه الحقيقة تركت بصماتها على الحوزة في النّجف بتحرّك سياسيّ خاصٍّ أي جعلت المرجعية الرّاهنة في النّجف تأخذ بنظر الاعتبار علاج الخلل التّاريخي الذّي ضرر مصالح الشّيعة في العراق بنوع من الإشتراك, ومازالت تدفع الى الاشتراك في الانتخابات استحضارا للدماء والتاريخ المرير.

(ب). إنّ نهضة الإمام السيّد محسن الحكيم( ره) ومن بعده التحرّك الرّسالي للشّهيدين الصّدرين وتحرّك الإمام الخميني في النّجف الأشرف وطرحه في الستّينيات من القرن الماضي موضوع ولاية الفقيه ، جدد الفكر الرّسالي للحوزة العلمية في النّجف وألقى هذا التحرّك أثره وظلاله على حوزة النّجف الأشرف ، لذا لا مندوحة للقول: إنَّ الفكر السياسيّ للحوزة النّجفية وجدناه متأثّرا بالفكر السياسيّ الثّوري للإمام الخميني ، ومستلهماً للتّجارب التّاريخية الاخرى ، وأكثر قرباً من الواقع.

(ج). إنَّ حوزة النّجف الأشرف بعد عام 2003م وجدت نفسها ليس وحدها في إدارة ملفّات التّشيع في العراق الدّينية والسّياسيّة ، بل هناك خطوط من المراجع أصحاب توجّهات فكريّة ومناهج ثوريّة وتجديدية لهم وجودهم في السّاحة الشّعبية الشّيعيّة في العراق كلها تقف رصيد متحد الموقف في انقاذ الحق السياسي الشيعي ورسم مصيره وتحديد مستقبله وهذه الحقيقة هي التي تبقى حاضرة في سلوك المرجعية من العملية السياسية واليتها اليها هي الامة .

الذي دعاني الى كتابة هذه السطور هو ما سمعته من خطيب الجمعة لهذا اليوم الموافق 27/4/ 2018م السيد احمد الصّافي وهو يدعو الى التمسّك بخطّ المرجعية ويشير نوعا ما الى عتب المرجعية وتذكيرها الأمّة بخطورة مخالفتها فقد شدد ممثل المرجعية الدينية العليا ، السيد أحمد الصافي على ضرورة الالتزام بخطّ المرجعية الدينية.وترك الأفكار المشوهة وترك الشبهات. وقال: إنّ المراجع الدينية هم وكلاء الأمام محمّد بن الحسن المهدي (ع) حتى يوم ظهوره عليه السلام ، وأشار السيد الصافي إلى أنّ المجتمعات في كثير من الحالات لا تحب الناصح الذي لا غرض له إلا الهداية والمأمون في النصيحة لا يعرف الغشّ حتى لو اتهم جزافاً.

فالمرجعية هي من أسست لشيعة العراق ، بل ولكلّ الشعب العراقي دستوراً وعملية سياسية مبنية على التعايش ، وهي من جعلت الشعب مصدر السلطات ، ولنا كلّ الأمل أنها تبقى راعية العملية ، وسوف تسير بها إلى برّ الامان {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور : 54] .