انتشرت هذه الايام بين الناس من عراقيين وغيرهم -عبر منصات التواصل-الشائعات حول تهديد معاكس من الكويت ضد العراق وكذلك ردود عشائرية وفوضوية او مليشيوية غير رسمية تتوعد، وأخرى تتحسر على الزمن الذي وصل بالعراق الى هذا الحد من الهوان ليتجرأ عليه اصغر الجيران. و الغريب ان المواطنين العرب ملاوا المواقع بارائهم ضد الكويت من موضوع العراق وتمنوا لو عاد الزمان الى ايام كان العراق يغزوها (بمنشآت) باصات مدنية ويحتلها كما فعل في 24 ساعة ويمسي امراؤها لاجئين .
كذلك في قنوات الإعلام على مستوى شبه رسمي ومنذ حين ضغوط على الجانب العراقي والذي انهى تسديده لتعويضات مالية بالمليارات كسرت ظهر العراق طوال سنين لتكون عبئا مضافا على الخزينة التي ارهقها في الأصل الإنفاق-طوعا وكرها- على بعض الدول العربية وإيران. يضغط الإعلام وبعض القنوات التفاوضية او الدبلوماسية في قضية ترسيم الحدود لإقتطاع مساحات اكبر من العراق والحاقها “بإمارة” الكويت وكذلك موضوع توسيع ميناء مبارك على حساب ميناء الفاو الكبير او ربما على أنقاضه وتحطيم حلم الطريق والحزام الصيني الذي يفترض ان يكون مركزه في الشرق هو “العراق”.
وقبل حين خرج الفنانون الكويتيون بقضية التراث الكويتي لينسبوا كثيرا من فلوكلوريات العراق وآثاره الفنية الشهيرة وحتى شخصياته الأسطورية “لماضي” إمارتهم كما يقولون ، كما خرج بعض المؤرخين منهم ليشيعوا وفي كتب ومقالات ان الكويت قد غزت في العصر الفائت ايران وجزءا من مناطق الخليج الاخرى وفتحتها في معارك كبرى وهددت استقلال العراق لفترة طويلة وكادت تؤسس امبراطورية في الشرق لولا بروز بعض الظروف التي منعت ذلك.!
ولايخفى ايضا المشاغبات والتجاوزات التي ينتهجها قسم لاباس به من شعب هذه الإمارة ضد ضيوفه او العاملين الاجانب على اراضيه أو من اخوتهم المصريين الذين دأب الكويتيون على محاولات الانتقاص منهم او ظلمهم او التنكيل بهم رغم مالهم من دور عظيم في بناء مدنهم وادامة مواردهم ، وما لمصر نفسها من عظيم المكانة في نفوس العرب اجمعين، الا ان ذلك لايمنع الكويتيين من السخرية منها ومن اغلب الشعوب المجاورة وقيمهم ،
ورغم ان آخر فديو ظهر وحقق انتشارا كبيرا و أثرا سيئا كان لشخص يتهجم على العراق ويتوعده وهو ذو مكانة اجتماعية وقد جر ذلك مهاترات من الجانبين ولكن هو رأي شخصي لايجوز محاسبة بلد كامل عليه ، ولكن يذكرنا كل هذا -سواء ان قبلنا او اعترضنا- بأصل المشكلة وتداعياتها وحلها الابدي .
الكويتيون هم عراقيون طيبون وشعب اصيل لايقل عن بقية العراقيين نخوة و خلقا ولكن ضياع الهوية وبقاء هؤلاء الناس في موقع بين الموقعين سبب عقدة نفسية جمعية لهم ، هم ليسوا مسؤولين عنها شبيهة بعقد من يكبر يتيما ويلاقي ظروفا في طفولته او عقدة من يتعرض للتغييب او غسيل الدماغ التدريجي بوضعه في بيئة غير بيئته فيكون من نتيجة ذلك التمرد او المشاكسة ومحاولات التعويض ،
فالذي جرى من اقتطاع شعب اصيل من جذوره و عاداته وتقاليده ، ليصنعوا من فئات منهم اناسا غير اسوياء يسخرون من اخوانهم العرب ويتعدون عليهم او يتكبرون كالولد المدلل واساليبهم التعاملية الخارجة عن الأصول هذا ليس من صالحهم عموما، المرة السابقة واجهوا شخصا قويا مثل صدام استفزوه بافعالهم واخلاقهم فاقتحمهم عنوة و خرب كثيرا من رغد عيشهم ولكن كان في الأقل رجلا يظهر القومية والاسلام وماشابه من قيم منعته ان يفعل بهم مايفعله الطغاة بالمتمردين ، ولكن قد ياتي يوم يواجهون شخصا بمثل قوته ولكن ليس كمثل قيمه فيفتك بهم ويفعل بهم مايفعله الملوك اذا دخلوا قرية،
قضية الكويت ليست كقضية اوكرانيا ولا كقضية الاسكا ولا مثل قضية الكرد في شمال العراق او غربي تركيا ، ولا كأي قضية ديموغرافية سياسية أخرى ،فهي جزء مقتطع من بلد ويشاكسه كثيرا ويزعج آخرين من حوله، فهذه العقدة التاريخية والمعضلة الايديولوجية يجب ان تنتهي وتحل بالتراضي والتفاهم ويعاد ضم هذه المساحة المصطنعة لدولتها الأم ، فانا شخصيا مع ضم الكويت، واكرام شعبها واعادته الى حضن اهله في العراق بطرق سلمية محترمة وانهاء عقده السايكولوجية والانتمائية، ورغم ان الامر يبدو الآن غريبا او مستحيلا لمن يقرأ او يتابع العالم ،ويجب ان نعترف ان صدّام كاد يحقق ذلك لو عضد فعلته العسكرية بتفاوضات وتنازلات معينة وقدرة تفاوضية ولكنه اخفق، ولكني على شبه يقين ان هذا سيكون ممكنا يوما مع وجود حكام حقيقيين في العراق و توافر تغييرات دولية معينة ستلوح يوما اماراتها في الأفق.