قبل أداء إمتحانات الخامس الإعدادي، بفرعيه العلمي والأدبي، وبنوعيه الإحيائي والتطبيقي، إستنفرت الأسر كل طاقاتها لتسجيل أولادها من الذكور والإناث، لدى مدرسين خصوصيين ذاع صيتهم في تحقيق نتائج نجاح كبيرة ومعدلات عالية في إمتحانات البكلوريا للصف السادس الإعدادي، ويأتي الفعل الإستباقي منسجماً مع توسع ظاهرة الدروس الخصوصية التي أخذت شكل المدارس من حيث الهيكلية والحجم الإستيعابي لعدد الطلبة من الجنسين، ويبدو أن فرص الإختيار محدودة لدى الطلاب، ما يدفع بأولياء أمورهم الى حجز مقاعد مبكرة لهم، حتى قبل حسم نتائج الإنتقال الى المرحلة النهائية من الدراسة الإعدادية.قناعات أصبحت راسخة عند الطالب وأسرته من أن نجاحه عموماً مرهون بالدروس الخصوصية التي لاتقف عند مادة واحدة يشعر فيها بالضعف ويحتاج الى دروس تقوية، وإنما جميع المواد، بما فيها المواد ” الدرخية”، لذا ليس عجباً أن تجد بين الدروس الخصوصية التأريخ والجغرافية، وإزاء إستشراء هذه الظاهرة لم يعد للمدرسة الدور الذي يعول عليه في تحقيق نتائج النجاح،
بما في ذلك المدارس الأنموذجية ذات المستوى التعليمي المتميز، ومن هنا تسمع في حوارات الطلبة في ما بينهم عن مستوى المدرس الخصوصي “سين” أو ” صاد” وعن ملخصاته “ملزمته”، فيما لاتجد ذكراً لأساتذة مدرسته، ولا الرهان عليهم في النجاح، برغم أن بعض هؤلاء الأساتذة هم من المدرسين الخصوصيين الذين يزدحم عليهم الطلبة، خارج أسوار المدرسة.وفي ظل هذا الواقع، أخذت أجور الدروس الخصوصية بالتصاعد، فيما تنصاع الأسر للأرقام الفلكية التي يفرضها المدرس الخصوصي، حرصاً على مستقبل الأولاد الذي سيتحدد مصيرهم في سنتهم الدراسية الحاسمة، فيما تفرض خيارات صعبة أمام الأسر لتوفير أقساط الأجور الخصوصية.معدلات الأجور تتراوح بين المليون والمليون ونصف، وبينهما أرقام أخرى متفاوتة، لكن هذه المبالغ الكبيرة بمجموعها، لاتخضع لرسوم ضريبية، ولا لإستقطاعات كالتي تفرض على الموظفين والمتقاعدين على حد سواء، فيما تخلق حالة الدروس هذه تمايزاً طبقياً يؤثرفي مستوى التعليم في العراق، ولاسيما أن مستوى الطالب العلمي لايتحدد بقدراته الذهنية وإستيعابه للمنهج، وإنما بقدرة المدرس الخصوصي في تلقين الطالب لأداء الإمتحان، من دون إرتقاء بمستواه العلمي.مشكلة التعليم في العراق ذات بعد إقتصادي وإجتماعي أيضاً، برغم أن التعليم لم يزل مجانياً، لكن هناك إلتفاف واضح عليه من خلال الدروس الخصوصية.