قبل بضعة سنوات وقف مسؤول عربي رفيع المستوى أمام حشد من الناس وهو يشيد بالديمقراطية قائلاً: “ان بلده الآن يتمتع بالديمقراطية بدليل ان مجلس الوزراء يتألف من أعضاء ينتمون إلى إحزاب مختلفة وان كل وزير يطبّق داخل وزارته مبادئ وأفكار الحزب الذي ينتمي اليه”. وان دّل هذا القول على شئ فانه يدل على عدم درايته بما قاله لمبدأ مفهوم الوزارة وأساس آلية عملها وكيفية إتخاذ القرارات في مجلس الوزارء وما يجب ان يلتزم به أعضاء الوزارة كفريق عمل واحد متجانس. ان جميع الطلاب الذين يدرسون العلوم السياسية في البلاد العربية تُفرض عليهم أولاً دراسة مادة مبادئ العلوم (ولو بتسميات مختلفة) حيث يتعلمون فيها ان قرارات مجلس الوزراء عقب مناقشتها في ذلك المجلس تكون مُلزمة لجميع الوزراء حتى من قبل الوزراء غير الموافقين عليها. فالوزراة يجب ان تعمل كفريق واحد وقراراتها تكون مُلزمة لكافة أعضاء الوزارة وان من لا يوافق عليها سواء واحد من الوزراء أو اكثر يمكنهم الاستقالة وترك الوزارة في حالة عدم رغبتهم الالتزام بها
في هذا الوقت بالذات، تمر البلاد العربية بتغييرات هامة في نظم تلك الحكومات أو دساتيرها أو الاحزاب السياسية الموجودة فيها أو حتى توجهات الرأي العام فيها وغير ذلك من الامور السياسية المهمة التي يجب ان يدرسها الطلاب في مادة العلوم السياسية.
ان الطالب المتخرج من المدارس الثانوية العامة في البلاد العربية، يكون قد حصل على بعض المعلومات في الجغرافيا والتاريخ واللغة والكيمياء والفيزياء والرياضيات، الخ، غير ان الطالب يبقى جاهلاً بمعنى الدستور ومن يقوم بوضعه وآلية تعديله أو تغييره، وهو يجهل أيضاً مفهوم أنظمة الحكم والعلاقة بين السلطات الثلاث في الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وكيفية إقامة ضوابط تضمن الحفاظ على هذا التوازن لكي لا تستبد سلطة واحدة بإتخاذ القرارات والقوانين وتنفيذها على حساب السلطات الأخرى، وما سيؤول اليه حتماً من فشل في حالة عدم الالتزام بذلك التوازن بين السلطات ويقود إلى ظهور الديكتاتورية وإنفراد شخص أو حزب واحد بالحكم على حساب بقية الأحزاب والمجتمع.
اني اقترح هنا إدخال مادة مبادئ العلوم السياسية في جميع المدارس الثانوية في البلاد العربية لكي يدرس الطلاب مبادئ تطور الفكر السياسي العالمي والعربي، علاوة عن دراسة معنى الاحزاب وكيفية عملها، كما يدّرس أيضاً مفهوم الدولة واركانها وأنواع الدول وأنواع الإتحادات التي تقوم بين الدول خصوصاً وان نقاشات هامة تدور الآن في البلاد العربية حول الفدرالية ومعانيها وكيفية الوصول إلى تبني الوسائل التي تحقق نجاح الدول القائمة على أساس الإتحاد المركزي (الفدرالي) والاتحاد التعاهدي (الكونفدرالي). وفي مبادئ العلوم السياسية يدّرس الطالب أيضاً أنواع الدول كالدول القائمة على أساس النظام الملكي وكيفية تحويل هذه الأنظمة الملكية من أنظمة ملكية فردية إلى أنظمة ملكية مقيّدة ودستورية، بالاضافة إلى دراسة الطالب للافكار السياسية المختلفة كالديمقراطية والشيوعية والاشتراكية والنازية والفاشستية والفوضوية وغيرها والاستفادة من هذه التجارب الانسانية والتاريخية. حيث ان تدريس العلوم السياسية في المدارس الثانوية يعطي الفرصة للشباب والمطالبين بالاصلاح في البلدان العربية ان يتبنوا في مطالبهم مواقف فكرية وسياسية تدل على علم ومعرفة بالامور التي يمكن تحقيقها في إصلاح الانظمة السياسية في الدول التي يعيشون فيها وأفضل السبل للوصول إليها.
[email protected]
أستاذ العلوم السياسية