22 ديسمبر، 2024 11:01 م

ضرورة الأوهام الجميلة التي تنقذنا من جحيم الواقع

ضرورة الأوهام الجميلة التي تنقذنا من جحيم الواقع

أين تكمن مصلحتنا في إدراك الحقيقة ..أم الهرب منها بواسطة : الخمر والمخدرات والفن ، أو إبتكار مجموعة من الأوهام الجميلة وتمضية العمر معها ؟.. في معظم الاحوال ومحطات العمر الواقع لايطاق بل هو جحيم و من حق الأوهام علينا إنصافها في بعض الأحيان ، فهي لها وظيفة تعويضية علاجية مخدرة يحتاجها البشر .. الجدية نتاج العقل والحسابات المنطقية ، و إقصاء للخيال والمجاز ، ومنع التمرد وكسر الروتين ، صحيح ان العقل طرف في مهزلة الحياة ، لكنه الطرف الأضعف والأقل فائدة للإنسان قياسا الى ما توفره الأحلام والأوهام في جعلنا نعيش في عالم نحن نشيده بخيالاتنا التي تسعفنا بتسويات وتطمينات وبدائل تعوضنا عن قساوة الواقع .

أشتاق الى أوهامي كثيرا بعد عملية تصفية الحسابات مع الواقع بحكم تقدم العمر ، وفضيحة نسبية العقل وفشله في تحقيق العدالة على الأرض ، وإكتشاف سجون الجدية في الحياة بإعتبارها بنت العقل ، أشتاق الى :

– أشتاق الى أوهام القراءة .. يوم كانت قراءة رواية أدبية تجعلني أعيش اياما وأسابيع متماهيا مع أحداثها وأبطالها ، و منتشيا لدرجة السكر بقراءتها ، ويوم كان قراءة كتاب فكري مهما كان بسيطا يشعرني بإضافة شيئ ما ومتعة فكرية هائلة .

– أشتاق الى أوهام الكتابة .. حينما كنت أفرح بالخربشات والأسطر البسيطة التي أكتبها ، وأسرع بها الى الاصدقاء لإطلاعهم عليها وكأني أنجزت شيئا هائلا .

– أشتاق الى أوهام مشاهدة أفلام السينما والإندماج مع أبطال الأفلام ، والإعجاب بالممثلات .. أين ذهبت تلك الاجواء السحرية !

– أوهام الحياة الدينية .. يوم كان مجرد الصلاة في المسجد ، وقراءة القرآن .. يدخلني في أوهام وجود الله والقرب منه و الفوز برعايته وحمايته وبركاته ، ونيل وعد الجنة ، كان الدين يمنحني القوة المزيفة ، والأمل الكاذب ، ويسقيني خمرة الروح لتهدأت مخاوفها وتطمين إحباطاتها بالتعويض سواء في الدنيا أو الآخرة .

– أشتاق الى أوهام السفر .. ورغبة إكتشاف العالم .. والمغامرات العاطفية والتسكع في طرقات الغربة وتسجيل اليوميات والمذكرات .

أوهامنا نتاج الجهل والنقص والحرمان ، وضغط سجون جدية الجانب العقلاني في الحياة .. وأبناء لندن وباريس كذلك لديهم أوهامهم ، وفي النهاية العمر يجري ويتسرب من أيدينا ونستفيق على حقيقة ورطة الحياة ومهازلها وغياب معناها ، الواقع لايطاق حينما تفتح عينك كل يوم وتصطدم بعشوائية الوجود وعدم وجود مبرر له ، ولا أثر للإله ، وأنانية الإنسان وعدوانيته ، وانك سائر بشكل حتمي نحو الموت!