18 ديسمبر، 2024 7:10 م

ضرورة إعادة كتابة التاريخ

ضرورة إعادة كتابة التاريخ

عندما نقرأ تاريخنا في الوقت الحاضر ،وندرسه جيداً ونتعمق في تحليله ، فإننا نتصور أن هناك مشكلة كبيرة في هذا التاريخ،لأنه لم يكتب بطريقة علمية موضوعية تراعي موازين الصحة والخطأ والصواب في هذا الأتجاه ، فنحن نلاحظ أن هناك نوعاً من أنواع الخلل الواضح في هذا التاريخ ..بحيث أننا عندما ندرس تاريخ أهل البيت [عليهم السلام] فإننا نجد أن الذين كتبوه كانوا يتحدثون عن المواقع الغيبية في شخصية الأئمة عليهم السلام في ماهي المعجزات ولكرامات التي ينقلونها ،أكثر من الخصائص الذاتية لهم ،وأكثر من الجوانب العملية والواقعية التي تحكم مسيرتهم وعلاقتهم بالأحداث والأوضاع ، أو الذين كانوا يعيشون في ساحات الأئمة عليهم السلام قريباً منهم، ومثال على ذلك :
عندما ندرس تاريخ السيدة فاطمة الزهراء (ع) فإننا نجد مجلداً كاملاً في بحار الأنوار يفرد لموضوع زفافها وزواجها في السماء قبل زواجها في الأرض حجما كبيراً من الصفحات فيها من الروايات والأخبار التي لايستسيغها العقل ولايمكن أن تستقيم مع أنسانية وبشرية السيدةالزهراء (ع) التي خطبها الإمام علي (ع) وهي شابة من رسول الله (ص) فوافق النبي على ذلك وأمهرها علي ثم قام ببناء بيت بسيط من الطين والقصب والجريد وفيه فراش من الليف وبضع أواني من الخزف ..وليس هناك تيجان وذهب وملائكة حضرت الزفاف وبُدر من الياقوت والألماس نُثرت من السماء كما يروي المجلسي وغيره فزواجها (ع) كان عادياً في وقته وهو تقليد عربي درج عليه الأوائل بكل بساطة، وليس كما يقول القاريء حميد المهاجر بأن الزهراء أهدت ليلة زفافها ثلاث أثواب أهديت إليها من الجنة إلى بعض البنات الفقيرات ووزعت ذهب وياقوت وزمرد على النساء الحاظرات  !!
إننا عندما ننطلق إلى حياة الزهراء ،مثلاً كيف كانت مع النبي في المدينة أو مكة ،وكيف كان نشاطها وعملها ؟فإننا لانجد إلا أحاديثاً صغيرة وصغيرة جداً !! وهكذا عندما نواجه أحاديثاًكثيرة عن الأئمة عليهم السلام وتاريخهم الشخصي وفي تاريخهم الواقعي والعملي ،وهذا مانلاحظه في محاولتنا لدراسة حياة الأئمة المتأخرين ،كالأمام الجواد والأمام الهادي والأمام العسكري ،فإننا نجد نقصاًفوق العادة في المعطيات ،بحيث أننا لانستطيع أن نتمثل الصورة التفصيلية لشخصياتهم من خلال مايكتب في التاريخ ،مما يجعلنا نشعر بفراغ كبير في هذا المجال ..
وعندما ندرس أيضاً هذا التاريخ فإننا نجد فيه ركاماً هائلاً لايميز بين القضايا التي تمثل الصورة المضيئة المشرقة للأئمة عليهم السلام ،في ماهي خصائصهم الحقيقية وبين الصورة الأخرى التي تسيء إلى شخصياتهم مثل الكرامات والغيبيات وشدة الخوف من العدو!!فنحن عندما ندرس مثلاً بعض مواقف الأئمة مع بعض الخلفاء – لاسيما العباسيين – في ماتمثله سيرة الأمام الصادق أو الكاظم عليهما السلام  فإننا نجد هناك أحاديثاً لاتتناسب مع مقام الأئمة ولاتتناسب حتى مع أسلوب التقية التي عملوا بها وأوصوا شيعتهم بها ، لأن للتقية كما علمنا أهل البيت مواقع معينة ، وقد نلاحظ بأن ماتنقله الأحاديث التي هي غير موثقة غالباً ،تبتعد عن هذا المقياس إبتعاداً ملفتاً ، بل تمثل حالة من الضعف ، لايستطيع الإنسان أن يواجهها بطريقة محترمة !!
لهذا فأنه من الواجب الأخلاقي علينا أن ندعوا إلى تنقية تاريخ الأئمة عليهم السلام الذي يمثل عمق التاريخ الشيعي ، بأعتبار أنه يمثل أساس الفكرة الشيعية التي أفسحت المجال  للعلماء والفقهاء وكتّاب السيرة الذين تحركوا في دائرة الواقع الشيعي ، وعلى هدى واقع أهل البيت عليهم السلام ..
فعلينا المباشرة بذلك فوراً وإلا إذا تركنا الأمر على حاله فإن الخرافيين من القراء والملالي سيملئون هذا التاريخ بخرافاتهم ورواياتهم المقززة التي تُروى  من على المنابر وفي الحسينيات والمساجد كل يوم حتى ملئوابها عقول أبنائنا وأهلنا البسطاء فتصبح عندهم هي التاريخ الذي يتناقلونه بينهم فيصعب حينئذ تغييره وقلعه من أذهانهم  !
فيجب علينا أن ننقي هذا التاريخ ، بالطريقة التي يختفي فيها التنافر بين مايحمله الشيعة عن الأئمة عليهم السلام من عقائد وأفكار وبين مايتمثل في حياتهم من قضايا وأوضاع ،ثم نحاول أن نلاحق القضايا التفصيلية في حياتهم التي تعطينا صورة حقيقية عما هي شخصية الأمام عليه السلام في ذاته بعيداً عن الجانب الغيبي ، لأن الجانب الغيبي ليس الجانب الأساس في هذه الشخصيات ، ولذلك نجد أن القرآن الكريم لم يتحدث عن شخصيات الأنبياء عليهم السلام من الناحية الغيبية، بل تحدث عن شخصياتهم من الناحية العملية الواقعية ، في ماكانوا يفكرون به وماكانوا يتحركون فيه وماكانوا ينطلقون فيه من خلال الدعوة إلى الله ،وعندما قرأنا ودرسنا القرآن كله الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعتبار أنه يمثل الرسول الذي أقام دعائم الأيمان بالرسالة  على عناصر شخصيته من خلال علاقته بالله ،فأننا لانجد أي شيء غيبي في هذا المجال ،ونحن لانريد أن نهمل جانب الغيب فنحن أمة تؤمن بالغيب ولكننا نعتبر أن الله أعطى الغيب هامشاً صغيراً، حتى في حياة الأنبياء والرسل وليس الهامش الشامل المستغرق في ذلك كله !!
ونحن عندما نريد أن ندرس تاريخنا الأسلامي عموماً وتاريخنا [ الشيعي ] خصوصاً نستطيع أن نأخذ منه ذلك الأنطباع  الذي يقودنا تلقائياً على أن هناك نوعاً من الأنفعال الذي كان يسيطر على الراوي أو المؤرخ في تلك الفترة المتقدمة من التاريخ ، ولعل المشكلة هي أن التجارب التي إنطلقت لكتابة التاريخ كانت تجارب فردية ،وقد لانجدفي هذه التجارب شيئاً من الأبداع ،فالكثير منها كان يتحرك وينطلق على أساس محاولة تغيير بعض أساليب التاريخ الماضي ، ولكن المشكلة الأهم أن أتباع أهل البيت لم يتحولوا حتى الآن إلى مؤسسة تؤكد الجانب التاريخي والثقافي والسياسي بطريقة منهجية وعلى أساس التخطيط بطريقة علمية موضوعية تراعي موازين الصحة والخطأ والصواب في هذا الأتجاه..