19 ديسمبر، 2024 3:02 ص

ضرعُ اُمّ العِراق حاضِرة بصرَة الخير الطَّيِّبة الخربة

ضرعُ اُمّ العِراق حاضِرة بصرَة الخير الطَّيِّبة الخربة

ضرعُ اُمّ العِراق حاضِرة بصرَة الخير الطَّيِّبة الخربة، البقرة الحلوب «البصرة العُظمى»، قبل ريع النِّفط النّاضب مع إرهاصات عصر الطّاقة البديلة، آنَ كانت أكبر غابة نخيل في الدُّنيا (أبو الخصيب قبل الخراب الأخير)على ضفاف شطء العرب في بُندقيَّة العرب ثغر العِراق الباسم بصرة ثمرة تمرة الفقير؛ الحلوى والدَّواء والغذاء.

احتلَّت «بريطانيا العُظمى» المركز الأوَّل في استهلاك خامات العِراق، ثمَّ أميركا ففرنسا وتركيا والهند وألمانيا والنمسا وموانيء البحر الأحمر والشَّرق الأدنى، والحُبوب تُصدَّر إلى بريطانيا وموانيء البحر الأحمر والهند والشَّرق الأدنى وألمانيا، والسّمسم يُصدَّر إلى فرنسا، والجُّلود المُدبغة تستهلكها روسيا (فراء الحمل)، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا، والصُّوف يُباع في بريطانيا والخيول تُرسل إلى الهند وعِرق السُّوس إلى اميركا وبعضه إلى فرنسا، والصُّمغ إلى بريطانيا وبدرجة أقل إلى اميريكا وفرنسا وألمانيا والعفص يُصدر إلى بريطانيا وفرنسا وأميركا. كانت الهند وموانيء خليج البصرة والبحر الأحمر قبل افتتاح قناة السّويس تستهلك كميّات كبيرة من تمور البصرة تنقله السُّفن الشّراعيَّة في أربعينات القرن 19م على مايذكر V. Fontanier; OP. Cit T. l, 250، نحو ما 9 آلاف طن مِن التمور المُعبأة في چراديغ في ظِلّ النَّخل في سِلال أو في أكياس مِن خوص النَّخيل. وكما تُصدِّر نيوكاسل Newcastle الْحَدِيدَ “فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ” صدَّرت بصرةُ الأمس 300 طُنّ مِن التمورَ إلى أسواق العاصمة البريطانيَّة لندن لأوَّل مرَّة عام 1870م ليضطرد بيع التمرّ في لندن وأصبح يُرسل حتى إلى أميركا مِن لندن مركز تجارته الرَّئيس

، وحتى نُقلَت فسائِل نخل البصرة إلى محميّات خليجها ثمّ إلى حتى ولاية كاليفورنيا الأميركيَّة إلى حيثُ هاجرَ مَن نشأ يتجشأ الخواء والهواء في ظِلّ نخل بصرة الخير والخراب والجُّوع، في مُفارَقة تناساها سُفراء مُهاجر الأمس القريب «الاشيقر الجَّعفريّ».

ونتيجة لتنامي تصدير التمور اتسعت المساحة التي تشغلها بساتين النخيل في العِراق حتى تضاعفت خلَـل العَقد (بين عامي 1886- 1896م) لما يربو على 5 أضعاف. وارتفع منسوب مياه شطء العرب عام 1896م أكثر مِن المُعتاد فأدّى إلى موت أكثر مِن مليون نخلة، الأمر الذي اعاق استمرار تطور إنتاجه حتى عام 1899م. تشير حسابات التجارة التقريبيَّة إلى ان ثلث محصول تمر ولاية البصرة تحمله البواخر إلى اُورُبا واميركا، وثلث تنقله سفن شراعيَّة إلى موانيء الهند وخليج البصرة والبحر الأحمر، والثلث الأخير للاستهلاك المحلي. عام 1896م شهد أوَّل باخرة ذهبت مِن البصرة إلى العالَم الجَّديد أميركا على متنها (53 ألف) صندوق مِن التمر. ثمَّ اصبح نقل التمر إلى السُّوق الاميركيَّة مُباشرة بواسطة باخرة ثم باخرتين وابتداءً مِن عام 1906م اصبح عدد البواخر ثلاثاً اضافت إليها الشِّركة الآلمانيَّة (Hamburg Amerika) عام 1910م باخرة رابعة. ولم تلبث دُول اُخرى ان حذت حذو اميركا في نقل التمر مُباشرة مِن بصرة الخير، فنقلت شِركة Load النمساوية عام 1900م مثلاً (60 ألف) صندوق إلى النمسا و (25 ألف) صندوق إلى ألمانيا. التمور المصدرة إلى اُورُبا واميركا ثلاثة انواع: «الحلاوي» و«الخضراوي» و«السّاير» التي لا ينافسها بشكل جدّي في السُّوق الغربيَّة سوى تين أزمير، إذ لوحظ بأن سوء الموسم يؤدّي إلى زيادة الطّلب على التمر وبخلافه ينخفض تصدير التمور في حالة وفرة محصول التمر المُنافس. و«الحلاوي» و«الخضراوي» النوعين الاكثر رواجاً مُتوسط انتاجهما السَّنوي غير كافٍ لتغطية الطلب عليهما في اُورُبا وأميركا، وأيّ قلّة في محصولها كما بعد شتائي 1905- 1906و 1907م شديدا البرودة، ما أدّى إلى ارتفاع اسعارهما المحلية ارتفاعاً شديداً. وتستخدم في عقد صفقات تجارة التمور عملة خاصّة ليس لها وجود في الوقت الحاضر هي «الشّامي» تعادل كُل 15,5 مِنه ليرة عُثمانيَّة واحدة. وقد عانت الاسعار تذبذباً حاداً، كان سِعر «الكارة» الواحدة وهي وحدة للكيل تعادل 150 بوداً مِن «الحلاوي» 300 شامي عام 1900 و 500 شامي عام 1907 و 330 شاميّاً عام 1910م. و«الكارة» الواحدة من الخضراوي، فكان سِعرها في الأعوام المذكورة 260 و 360 و 250 شاميّاً على التوالي في حين كانت «الكارة» الواحدة مِن السّاير تُباع في الأعوام المذكورة أيضاً بـ 160 و 250 و 230 شاميّاً على التوالي. ان تذبذب الاسعار على هذا النحو مُرتبط بسوء المحصول أو جودته في مَوسم عام ما وبيع الكثير مِن مُصدري التمور بضاعتهم في سوق لندن قبل ان ينضج التمر بفترة طويلة فيقعون بذلك تحت رحمة مُنتجي التمر الذين يرفعون الاسعار واثقين مِن ان عملاءهم الذين صرفوا أموالاً على شِراء الصَّناديق وأجَّروا البواخر سيوافقون على جميع شروطهم. والي جانب ذلك فأن المُنافسة المُتزايدة في سوق البصرة ادت إلى ان يصبح مالكو بساتين النخيل سادة الوضع الآن بعد ان كانوا في الأعوام السّالفة يجهدون للحصول على مُشترين وذلك لان المُشترين انفسهم يسلفونهم النقود على الحاصل قبل 8- 9 شهور من الموسم، لكي يؤمنوا لأنفسهم الحصول على الكمية المطلوبة من التمور الامر الذي يمكن مُنتجي التمور من تحديد السّعر الذي يرغبون. ولم تؤد الجهود التي بذلها كبار تجّار التمور في البصرة للقضاء على هذا التذبذب الحاد في الاسعار إلى اية نتائج ايجابيَّة حتى الان. فالاجتماعات التقليدية التي يعقدها جميع ذوي العلاقة في كُلّ عام بعد انتهاء جمع محصول التمور لتسعيرها بالاستناد إلى اسعارها في اسواق لندن واميركا ، فقدت أي معنى لها ، كما فشلت ايضاً محاولات تجار الجملة لانشاء جمعية خاصة بهم. وتقوم الشركات التجارية الاوربية التي تغلغلت في العراق بالاضافة إلى مشاركتها في تجارة التمور مباشرة ، بالمشاركة في هذه التجارة بشكل غير مباشر ايضاً. ويتمثل ذلك بتوفيرها البواخر اللازمة لهذه التجارة ذلك ان كُل شِركة مِن هذه الشِّركات تمثل إحدى شِركات الملاحة. وفي السابق عندما كانت صادرات التمور تتجه كلياً إلى لندن وتنقل على بواخر بريطانية فقط كانت الشركات الانجليزية ذات تأثير حاسم فيما يتعلق بتعيين اوقات نقل التمر وفي تحديد اجور الشحن على السّواء. وعلى هذا الاساس كانت الدفعة الاُولى من التمر تنقل عادة في اواسط أيلول في الوقت الذي يحصل فيه اوَّل ارتفاع لمناسيب المياه فوق الحاجز القائم في مصب شطء العرب لتمكين البواخر من اجتياز هذا الحاجز مُحملة بالبضاعة. وتكون الدفعة الثانية تبعاً لذلك في 1 تشرين الاوَّل عادة والثالثة في مُنتصفه، وايّ مِن تُجّار التمور لم يستطع ان يرسل بضاعته قبل هذه المواعيد، الامر الذي يؤدي إلى ان يستفيد الجَّميع بشَكلٍ مُتساوٍ مِن طرح حاصل المَوسم الجَّديد لاوَّل مرَّة. الشِّركات البريطانيَّة تقرر اُجور الشَّحن تبعاً للدّفعات المذكورة واعلى الاُجور تقع في الدفعة الاُولى ثم تنخفض بالتدريج إلى الدّفعة الرّابعة نهاية تشرين الاوَّل. ومع عدم المُنافسة الاجنبيَّة اُجور الشَّحن عالية جدّاً إذ تصل إلى 30 شلناً عن كُلّ طُن ينقل إلى لندن و37 شلناً ونصف الشّلن عن كُلّ طُن ينقل إلى اميركا و 40 شلناً عن كُلّ طُن ينقل إلى اسطنبول. ادّت المُنافسة الجّادّة مِن قِبَل اميركا في استهلاك تمور البصرة إلى التعجيل في فترات النقل، لان السُّوق الاميركيَّة كانت
تُطالب بالحصول على التمر بشكل مبكر دون ان يأخذ بنظر الاعتبار حلول موسم التمر بل وحتى قبل ان ينضج التمر. دخول بواخر شِركة Load النمساويَّة والشِّركة الرُّوسية للملاحة البُخاريَّة والتجارة والشِّركات الالمانيَّة «Hamburg Amerika Linie» إلى ميناء البصرة في موسم جني التمور، كان يؤدّي إلى هبوط حاد في اُجور الشَّحن فتحتم على 3 شِركات بريطانيَّة عام 1906م تخفيض اسعار نقل التمور إلى 10 شلن للطُّن الواحد لتعيق تأجير السُّفن الاجنبيَّة. تصدير تمر البصرة العُظمى غيَّر جذريّاً وهزَّ النفوذ الاستثنائي الذي كانت تتمتع به بريطانيا العُظمى.
https://kitabat.com/2018/04/25/مقهى-الدكة-في-البصرة/

أحدث المقالات

أحدث المقالات