23 ديسمبر، 2024 1:25 ص

هل  يحتاجُ العراقيون الى تسوية .؟ التسوية مرحلةُ تسبق المصالحة ، بل إن المصالحة ليست سوى  الصيغة الاحتفالية التوقيعية ، الإشهارية لنتائج التسوية الناجحة ، التسوية التي تعني  في أول أدواتها الاستعدادَ للتنازل ، والتخلي عن المطالب، وربما تجرُّع المر ،والقناعةُ بالنصيب المشترك  بين الفرقاء ، فالتسوية تعد الخيار الصعب ، والاستعدادَ لتقبل فكرة : أن يكون عدوُك صديقك على حد وصف الزعيم الراحل نيلسون مانديلا. 
خطورةُ الإعلان عن تسوية ، أو مصالحة هي في انها اعتراف بالعداء ، يتبعه الكشفُ عن هوية الأعداء كأطراف للتسوية المفترضة ، وهذا لعّمري أسوأ مايحصلُ في العراق الآن ، لان العراقيين ( الطبيعيين) جميعهم جميعهم ضحايا عدو واحد ، عدو اخطبوطي لعين ،

أذرعه الإرهاب والطائفية والفساد والتدخل الخارجي والفتاوى والتكفير وخطاب الكراهية  والسلاح السائب خارج القانون ، والتواطؤ مع الاجنبي والالتفاف على الشراكة في صنع القرار ، وهذا ياتي مجتمعا تحت ذرائع الدين والمذهب والقومية وعناوين لاعلاقة لها بالإجرام والسرقة وسفك الدماء مهما تصلبّت مواقفها .. اذن الطرفان المتحاربان في العراق ، هما العراقيون والمجرمون .. فبين من ومن تجري التسوية او تعقد المصالحة ؟، ولمدة ثلاثة عشر عاما ، لايوجد صحفي في العراق لم يوجه  السؤال الذي لم يُجِب أحدٌ عنه ( مصالحة  بين من ومن؟)  بين  الحكومة والبعثيين ؟ ، بين داعش وعوائل ضحايا سبايكر والإيزيديين ؟  بين الشعب والفاسدين؟ هذه فقط الاطراف التي ينطبق عليها مشروع التسوية، وهذا من سابع المستحيلات ! ، اما ان يَقصِد السياسيون بالتسوية ، التسوية بين السنة والشيعة فهو أمر عجيب ، الشيعة والسنة  كمؤمنين مختلفون ، وكمواطنين متفقون ، الاختلاف بينهم كمؤمنين طبيعي استنادا الى اختلاف زاوية النظر والاجتهاد وتقييم الحوادث والنصوص، والاتفاق بينهم كمواطنين طبيعي ايضا استنادا الى انهم يخضعون لقانون واحد ويعيشون على ارض واحدة ولهم حقوق وعليهم واجبات كما تحتمه القوانين الوطنية . غير ذلك لايمكن أبدا أبدا ان ينشغل المجتمع العراقي بحل خلافات بين سياسيين متزاعلين  على انه تسوية وطنية ، التسوية الحقيقية هي في اعادة تقييم اداء المؤسسات السياسية والفنية الاخرى ،  

في قراءات جديدة جريئة للدستور وقوانين الإنتخاب وقانون الاحزاب ، التسوية في تقييم علاقة المحافظات بالمركز ، والمغالبة السياسية التي وصلت حد الافتراس على حكمها ،  التسوية الحقيقية المنتجة المطلوبة في العراق هي اعادة النظر في مناهج التعليم واخراج وزارات التربية والتعليم من المحاصصة ، وضبط ايقاع الخطب الدينية والقنوات الفضائية التي تبث سموم الكراهية الدينية ، التسوية الحقيقية في تقوية القانون واخضاع جميع العراقيين له دون تمييز او انتقائية ، التسوية الحقيقية في اعادة مجلس الخدمة وتحرير مبدأ التعيينات من المحسوبية والرشى  والابتزاز ،  التسوية الحقيقية في قطع الطريق على العائدين الى الماضي ،وفتح الطريق  للخائفين من المستقبل ، التسوية الحقيقية داخل شخصية السياسي نفسه الذي يتنازع في داخله  الدين والوطن ،محاولا ضغطهما في كبسولة واحدة دون جدوى . اما إنشاء وزارة او مؤسسة او مؤتمرات ومصاريف ووظائف وهمية ، تحت مايسمى بالتسوية ، فانما هي خدعة لكسب الوقت ، تشبه الاصلاح الذي ابتلع مطالب المتظاهرين بعد ان تقشمروا باقالة نواب الرئيس واعادتهم في عملية تدوير سياسي مناصبي طريف.