في عالمٍ يسعى إلى العدالة والمساواة، يظل الأشخاص ذوو الإعاقات الذهنية على هامش الحماية القانونية، لا سيما عندما يكونون ضحايا للجرائم. فهم غالبًا ما يفتقرون إلى القدرة على التعبير عن أنفسهم والفهم القانوني لما يُرتكب ضدهم، مما يجعلهم فريسة سهلة للجناة، ويخلق تحدياتٍ كبيرةً لأنظمة العدالة من حيث التكيف والإثبات والحماية.
أولاً: تعريف الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية ووضعهم في نظام العدالة الجنائية
الأشخاص ذوو الإعاقات الذهنية هم أولئك الذين يعانون من قيودٍ عقلية وإدراكية واجتماعية تؤثر على قدرتهم على فهم الأحداث والتعبير عن أنفسهم واتخاذ قراراتٍ مستقلة. في نظام العدالة الجنائية، يتعامل القانون معهم من موقعين: كضحايا أو كجناة. تنشأ مسائل قانونية في كلتا الحالتين، لكن هذه المقالة تُركز على وضعهم كضحايا لجرائم يُخشى ألا تُكتشف أو تُوثق.
ثانياً: جوانب الجرائم المرتكبة ضدهم
تشمل الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية عدة أنواع:
• الاعتداء الجسدي والجنسي: بسبب ضعف قدرتهم على المقاومة أو الإبلاغ.
• الاستغلال الاقتصادي: من خلال السيطرة على ممتلكاتهم أو أجورهم.
• الإهمال المتعمد أو إساءة المعاملة من قِبل مقدمي الرعاية.
غالباً ما تمر هذه الجرائم دون عقاب بسبب غياب الشكوى أو ضعف الأدلة.
ثالثاً: التحديات القانونية في التوصيف والإثبات
1. غياب الشكوى: يفتقر العديد من الضحايا إلى القدرة على التعبير عن الضرر أو حتى استيعابه.
2. ضعف الشهادة: إذا أدلى الضحية بشهادته، فقد تشكك المحكمة في قدرته العقلية على استيعاب ما حدث.
3. إهمال المحققين: تفتقر بعض جهات التحقيق إلى الأدوات اللازمة للتعامل مع هذه الفئة بشكل صحيح.
4. ثغرات في النصوص القانونية: قليل من القوانين تتناول خصوصية هؤلاء الضحايا أو تُرسي افتراضات حماية لصالحهم.
رابعاً: الحماية القانونية الدولية والوطنية
• على المستوى الدولي: تنص اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على ضرورة حماية هؤلاء الضحايا من الاستغلال والعنف، مع التركيز على حقهم في الوصول إلى العدالة. • على المستوى الوطني: غالبًا ما تعاني القوانين العراقية والعربية من عمومية ونقص في التحديد، مما يحول دون تطبيق حماية هذه الفئة بشكل كافٍ.
خامساً: مقترحات لتعزيز الحماية
1. إنشاء وحدات خاصة للتحقيق مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، تضم خبراء نفسيين واجتماعيين.
2. اعتبار أقوالهم أمام المختصين دليلًا قانونيًا إذا وُثِّقت بشكل صحيح.
3. تعديل النصوص القانونية لإضافة ظروف مشددة إذا كان الضحية من ذوي الإعاقة الذهنية.
4. توعية القضاة والمحققين بحقوق هذه الفئة وكيفية التعامل معها.
5. دعم منظمات المجتمع المدني لرصد الجرائم وتقديم الدعم القانوني والنفسي.
الخلاصة
العدالة لا تعني فقط معاقبة الجاني؛ وهذا يعني أيضًا إنصاف الضحايا، خاصةً إذا كانوا يفتقرون إلى القدرة على الصراخ. إن حماية الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية من الجرائم ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي ضرورة قانونية وأخلاقية تُعلي من شأن الدولة ومؤسساتها. ولا تُسمع أصواتهم في المحاكم إلا إذا تكلم القانون نيابةً عنهم.