23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

تجولت اليوم بين طلبتي في الصف الأول متوسط وكوني مديراً للثانوية قام الجميع بعد دخولي إلى الصف حتى الأستاذ قطع الدرس وأعطى لهم الأمر بالنهوض احتراماً كما جرت العادة في كل المدارس في العراق  ، بدا للوهلة الأولى إنهم صغارٌ بعمر 13 سنة بعيون زرقاء وعسلية وشعرِ أشقر مخلوط بحمرة ، وبشرة ترفه لم تعتد على شمس الجنوب كانوا صغاراً وهم يجلسون على مقعد الدراسة وما أن قاموا حتى أصبحوا عمالقة وكنت الأقصر بينهم كلهم مثقلون بالهموم وأفكارهم حبلى بالروايات والقصص التي لن تفارقهم حتى الساعات الأخيرة من العمر
صف صغير حوى مئات القصص من مختلف المناطق المجروحة ، روايات من برطلَّة وأخرى من تلعفر تواسيها حكايات ديالى وتلكيف وشيرخان صغار رأوا الموت مراتٍ عديدة فمرةً قالوا مرَّ من هُنا وآخر قال صحبته على طول الطريق وآخر قال الموت ودّعنا عند باب البيت المهدم وآخر قال لقد تركته عند أخي المُسجّى على قارعة الطريق يواسي أخي المغدور فجراً
وآخر قال كان الموت يلعب معنا لعبة الغميّضة فنختبئ في أماكن شتى ويبحث عنّا مبتسماً فإذا وجد أحدنا أخذه إلى نهاية المطاف لا يحب الموت اللعب مع الخاسرين فكل مرة كان يلعب مع أطفالٌ جدد
 
لم نعد نخشى منه فالموت أصبح كأحدِنا وقد ذهب معه الكثير من أصدقاءنا ومن سيموت لن يشعر بالغربة وسيجد الكثير من الأصدقاء هناك أنا لا أخاف منه فأصدقائي سيعلّموه اللعب وسيغلبوه .
 
تذكَّر أحدِهم أرجوحته التي صنعها جده بين الأشجار وروى كيف أن العصافير كانت تنتظر ذهابه لتلعب بها لقد نسي ضحكاته هناك تساقطت عند الأرجوحة وربما قد حملها النهر وألقاها في شط العرب .
 
احدهم رفع يده للكلام وحينما اضطر للانتظار لأن زميله سبقه بالحديث رأيته يتأمل ويتألم حينما يجر عربة الذكريات بدواليبها المربعة وحينما جاء دوره للحديث اعتذر وقال لا اعرف من أين ابدأ .
لكن عيناه روت وجنتيه الورديتان بالدموع قبل أن يروي الحكاية
صغارٌ بهموم كبيرة وجراح عميقة ليست ككل الجراح التي تبدأ من الجلد نزولاً بل كل الجراح كان مصدرها الداخل تُستَشعَر بالروح المجردة
كأنهم قد سمعوا كل الحكايات فكل واحد منهم رأى وسمع وشعر بكل ما قد يقال
أحسست أنني امشي بين ذكرياتٍ مفخخة ستُفجِّر أحدهم بالبكاء في أي لحضة فأجلت الحديث لأسمع من كل واحد منهم على حدة فالكثرة تغلب الشجاعة
 
 

[email protected]