اعتدنا أن نستخدم بعض الكلمات دون معرفة المعنى اللغوي الدقيق لها ، فنحن لانفرق بين كلمتي (الصوم ) و(الصيام) ونستخدمهمها معا للدلالة على صيام شهر رمضان بينما يقول علماء اللغة ان كلمة (الصيام ) فقط هي التي تعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب وباقي المفطرات ، أما كلمة (الصوم) فتعني الامتناع عما يبطل الصيام من سوء الكلام والفعل ..
ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك ، سيتبارى المسؤولون حتما لتبييض وجوههم أمام الشعب بادعاء الورع والتقوى والالتزام بفرائض الشهر الفضيل ..سيصوم العديد منهم عن الطعام والشراب ، ولكن هل هناك من سيصوم عما يبطل الصوم ؟…عن الكلام المنمق والتصريحات المحرضة على الكراهية والوعود الكاذبة ؟..هل هناك من سيكشف المستور من صفقات الفساد ويسمي الفاسدين بأسمائهم حتى لو كان الثمن تخليه عن المنفعة الشخصية أم ان حلاوة الكسب اللامشروع تغري الجيوب بالمزيد والمزيد ؟…هل هناك من سيؤشر مكامن الخطأ في مواقع السلطة ويطالب بتغييرها واصلاح مايمكن اصلاحه وهل سنجد مؤسسة حكومية تنتفض على نفسها ويسعى مسؤولوها الى نبذ المحاصصة والطائفية واعادة هيكلتها على أسس صحيحة ؟..من الواضح لنا جميعا ان هذا لن يحدث فمنذ ان اعتلى عشرات المسؤولون مقاعد السلطة وهم يصومون شهر رمضان صياما ولايصومونه صوما فهم يواصلون ادعاء الصدق والشرف بينما تفضح افعالهم نواياهم الخفية وتكشف زيفهم لدرجة ان اقنعتهم تواصل التساقط يوميا مع كل حدث سياسي جديد ..انهم ينطلقون كالمسعورين خلف كل مايضمن لهم البقاء في السلطة ويسلكون كل السبل التي تسهل لهم ذلك ولن يهمهم أن يدوسوا في طريقهم على أحلام وآمال المواطن العادي فهم موقنون من حقيقة واحدة وهي ان المواطن اعتاد على القبول بأي شيء واحتمال كل الظروف حتى لو جرى قطع راتب الموظف مع قدوم الشهر الفضيل وعجز المواطن عن شراء المستلزمات الضرورية له من المواد الغذائية ولم يجد حاجاته الاساسية منها في مواد الحصة التموينية التي لم يتم توزيعها بعد …
في أيام رمضان ، كان الناس يتسابقون لفعل الخير ومساعدة المحتاج وتبادل الاطباق قبل الافطار والتزاور ، واليوم يغرقون في عرقهم وهم يجلسون لساعات طويلة في مركبات النقل الخاص التي تحولت الى اقفاص بشرية في انتظار الخلاص من الازدحامات والحواجز الكونكريتية ، ويواظب اصحاب الدخل المحدود على شراء مايذكرهم بطعم اللحم من (افخاذ دجاج ) مجمدة وقد يستبدلونه بالعدس فقط حين يقترب الشهر من نهايته ويصبح الانفاق على منوعات الافطار مرهقا للجيب العادي ..وهناك ايضا القابعين تحت خط الفقر وهؤلاء يكفيهم مايتصدق عليهم به أهل الخير ويمكن أن يملأ معدتهم طبق واحد فقط لأن عيونهم اعتادت أن تشتهي كل معروضات السوق المغرية دون أمل بشرائها ..انهم يصومون عن الأكل والشرب والطمع بما لايمكنهم اقتنائه بينما لايتقن المسؤول بكل مايمتلكه من مقدرة مالية (الصوم) عن الجشع والفساد ويجرؤ على الظهور في برامج رمضانية حوارية لينتقد الفساد ويهاجم المفسدين ويعد بالخير المقبل على يديه ..
رمضاننا بات فرصة لاستعراض عضلات ( مدعي الخير ) والناقمين على الوضع المائل ومخربي الطقوس البريئة ..اما المواطن البسيط – الصائم او العاجزعن الصيام لعمله تحت سياط الحر اللاذعة فهو اول من يحرم من الامان والطقوس الجميلة وآخر من يتلقى الخير في شهر البركات ..