22 ديسمبر، 2024 10:27 م
يُروى عن الكاتب الإيرلندي الساخر جورج برناردشو(١٨٥٦م ـ١٩٥٠م) أنَّه جاءته ممثلةٌ ناشئةٌ وسألته أن يبدي رأيه في قدرتها على التمثيل، وأدت أمامه عدة أدوار، أخذ برناردشو في الضحك على أدائها غير المقنع، ثمَّ قال لها : إذهبي يا بنيتي وتزوجي، وليكن لك طفل أو ثلاثة، وتمرسي قليلاً بحقيقة الحياة، وعندئذ تصبحين قادرةً على أن تمثلي. فذهبت، وطبقت ما قاله، وبعد خمس سنوات عادت الى المسرح فصارت ممثلةً مسرحيةً شهيرةً تُدعى( آغنيس سيبيل ثورنديكي) (١٨٨٢م ـ ١٩٧٦م)التي اشتهرت بتقديم مسرحيات شكسبير، وقد كتب لها برناردشو خصيصاً مسرحية (القديسة جوان) التي نجحت فيها نجاحاً كبيراً، وقد مُنحت جائزة رفيعة هي مرتبة الإمبراطورية البريطانية سنة ١٩٣١م !!
تذكرتُ هذه الحكاية بعد تداول متصفحي منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو صُور بكاميرا مراقبة يُظهر نسوةً غاضباتٍ يرشقن بالحجارة والطابوق داراً تردد أنَّ صاحبها تزوج امرأةً ثانيةً!
ثمَّ تبين لاحقاً أنَّ المقطع يصور هجوم الزوجة الثانية وقريباتها على بيت طليقها وزوجته الأولى بعد فشل زواجها منه !
تابعتُ المقطع المذكور في عدة مواقع لعلي أصل إلى تحديد هوية المنطقة التي جرت فيها حادثة الاعتداء الغاشم فوجدتُ ما يشير الى مدينةٍ في بغداد من دون تحديد هويتها، ومن تدقيق الزقاق الذي شهد الواقعة يتضح أنه في منطقة شعبية، وأنَّ هؤلاء النسوة البائسات أتين تضامناً مع الزوجة الثانية التي كانت تقودهن !
لم يصدر بيان من وزارة الداخلية أو من مصدرٍ يهتم بهذه الحوادث- على كثرة ما تُسمى بمنظمات المجتمع المدني- يوضح أو يستنكر هذا الفعل، أو يشير الى القبض على الجانيات.
ربما لم يتقدم المعتدى عليه بشكوى رسمية بهذا الإطار حفاظاً على عائلته، أو ما تبقى من سمعة زوجته الثانية ، ولكن هذا لا يعفي المجتمع من متابعة هذه الحوادث قضائياً لكي لا تمر مرور الكرام، ولا يُكتفى بنشر المقطع على مواقع التواصل من دون ردع قانوني محدد.
قد يقول قائل : وما أدرانا أنَّ  هذه الغضبة أو الفزعة، أو الدگة النسوية قد يكون سببها عنف الرجل لا تنمر المرأة؟
والجواب أنَّه مهما كان السبب فللمرء أن يتساءل:كيف أقتنعت هؤلاء النسوة بأنَّ هذه الصولة النسوية هي الرد المناسب على رجلٍ لم يوفق بإدارة أُسرتين، خاصةً، وأنَّ هناك ما يشير الى نوع من الالتزام الديني في مظهرهن !
إنَّ هجوماً بمثل هذا الأُسلوب يختزل  كمية العنف الكامن في أعماق النسوة  ويشير الى غياب العقل والتصرف المناسب .
إنَّ مثل هذه الأعمال العنفية الوحشية تعطي دلالةً واضحةً على أنَّ كل ماكتب، وقيل عن حملات مكافحة العنف ضد النساء أو ضد الرجال تظل غير ذات جدوى إنْ لم ترافقها برامج تأهيل طويلة المدى تبدأ ببناء حقيقي للفرد العراقي ابتداءً من الأسرة الى المجتمع.
وبحسب مركز الرشيد للدراسات كما نشر ذلك يوم السادس من شهر أيلول الجاري فإنَّ
العنف ضد الرجال على أيدي النساء، يحصل بزيادة غير اعتيادية في العراق.
وقال المركز في بيان:  إنَّ العراق شهد منذ مطلع العام الجاري، نحو ٣٥ حالة عنف، ارتكبتها زوجات ضد أزواجهن.
ولقي ستة رجال حتفهم، بسبب أنواع عنف متفرقة؛ بينها الحرق والنحر والطعن بسكين.
وأكّد المركز أنَّ أرقام العنف ضد الرجال ترتبط بمراكز المدن، وهناك حالات تحدث بمناطق نائية بعموم محافظات البلاد، وفي القرى والأرياف.
وأشار المركز الذي يقوده مجموعة من الباحثين والصحفيين والناشطين الحقوقيين إلى أنَّ تلك الحالات عادةً ما تنتهي بالتراضي العشائري والأسري.
وأردف المركز أنَّه قد تبدو الأرقام قليلة بالنسبة للعراقيين، إلا أنَّ ما تسجله السلطات الأمنية والصحية كبيرة، وبالغة الخطورة.
ووصف المركز هذا النوع من العنف بأنه: يمثل حالةً حديثةً من حالات الانفلات من جهة، وعدم الإيمان بالقانون والقضاء من جهة ثانية.
كما أكّد المركز على أنَّ إهمال هذه الأشكال المتطورة من العنف ستؤدي إلى ولادة جيل يؤمن بالعنف، ولا يخضع للقانون.
تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها : إنَّ ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف، فكم يا ترى تبلغ نسبة الرجال المُعَنَفين؟