كان السبب الرئيس أو المباشر لفتح أوروبا والغرب المتمدن أبوابها أمام مئات الالاف من اللاجئين هو مشهد الطفل الغريق (الان الكردي) مرمياً عند ساحل البحر تداعب الامواج وجهه، ولقد هز المشهد وما يزال الضمائر الحية في العالم وراحت الملايين تذرف الدموع على حظ الطفل الكردي العاثر.
وللتاريخ المعاصر أمثلة على فعل الصورة والقلم الايجابي في التاثير على النفوس، فقبل اكثر من قرن اطلق الرئيس الامريكي ( أبراهام لنكولن ) حملته لتحرير العبيد في الولايات المتحدة على أثر قراءته لرواية (كوخ العم توم) للروائية (هربرت بيتشر ستاو) التي جسدت الام وعذابات السود بامريكا في روايتها.
وفي نحو اكثر من قرن ايضا لفتت رواية (الام فارتر) ل (أندريه جيد)، بقوة انتباه العالم الى ماتعانيه المرأة من اضطهاد وظلم المجتمع بحقها، ما أحدث انقلابا في التعامل معها ولصالحها، سيما في اوروبا موطن الرواية.
ومن الاحداث التي اسهمت في نصرة العالم المتحضر للفقراء والطبقات العاملة، حادثة اطلاق النار على عمال مضربين في شيكاغو بأمريكا، فعندما انتصر القضاء للعمال في ذلك الحادث في الاول من أيار، جعل من اول ايار كل عام عيداً للعمال في العالم. وفيما بعد ساهمت كتب وروايات ذات النزعة الطبقية المساندة للعمال في الاهتمام بالعمال مثل رواية (الام) ل(مكسيم غوركي) التي دفعت ب(لينين) لمطالبة (غوركي) بطبعها بعد ان كانت مخطوطة، وكانت لروايات(العقب الحديدية) ل(جاك لندن) و(عناقيد الغضب) ل( جون شتاينبك) و (ارض ثمارها من ذهب )ل: (جورج أمادو) .. الخ من القصص والروايات العالمية المساندة للكادحين تأثير في النفوس مماثل للتأثير الذي احدثنه رواية (الام).
وفي الحرب العالمية الثانية فان ابادة النازي لليهود و حرقهم (الهولوكوست) وعمل الصابون من اجساد اطفالهم إضافة الى مظالم اخرى ضد اليهود، دفعت بالغرب الى تنفيد وعد بلفور لاقامة وطن لليهود يحميهم من الفناء و المذابح المروعة.
وكان لمشهد قيام ضابط امريكي بأطلاق الرصاص على جبين شاب فيتنامي من ثوار الفيتكونك والذي صورته عدسة مصور في حروب الهند الصينية (فيتنام وكمبوديا و لاوس)، لحظة خروج الرصاص من فوهة المسدس لتصيب جبين الشاب الفيتنامي دور كبير في ادانة وحشية الحرب الامريكية واختصار المسافة نحو الهزيمة النكراء للولايات المتحدة امام الشيوعيين في الاقطار الثلاثة تلك عام 1975.
على إمتداد التاريخيين القديم والحديث، تعرض الشعب الكردي الى نكبات ومذابح كثيرة، قصف حلبجه بالغازات السامة عام 1988، والانفال السيء الصيت ودفن عشرات الالوف من الكرد رجالاً ونساء وطفالاً في المقابر الجماعية، إلا ان جميع تلك المشاهد المؤلمة لم تفلح في جلب اهتمام العالم الى مأساة الكردية، الى أن انطلق النزوح المليوني للكرد في كردستان العراق في ربيع عام 1991 باتجاه ايران وتركيا تحت وابل غزير من الامطار، ان منظر الاطفال والنسوة تحت الامطار وحفر عشرات القبور للموتى على جانبي الطرق المؤدية الى الدولتين، املئ على الدول امريكا وفرنسا وبريطانيا على تعيين خط العرض ال 36 في ذلك العام لحماية الكرد من المذابح الجماعية. نعم في ذلك العام افاق العالم للوقوف على المأساة الكردية بفضل مشاهد الهجرة المليونية تلك.
ومن الصور والمشاهد المؤلمة التي ابكت الانسانية المعذبة، صورة الصبي الافريقي الاسود في اعوام المجاعة في الصومال، وهو يحتضر من الجوع وعلى مقربة منه كان هناك نسر ينتظر بفارغ الصبر موته، ليأكله.
لما تقدم، تبين أن اوروبا وامريكا المتحضرتين جداً كانتا سباقتين وما تزال للاستجابة لمحتوى الصور والمشاهد التي اوردناها، والسبب في ذلك يعود الى التحضر والتقدم السائد مع تثبيت حكم القانون والحرية والديمقراطية فيهما الامر الذي لم نلقاه في الشرق أو العالم الثالث لذا فان تفاعلهما مع تلك والصور والمشاهدات المأساوية كان والى الان شبه معدوم، ان لم نقل معدوم بالمرة. وعندي انه بغياب التحضر لدى الامم في الماضي وانعدام وسائل التكنولوجيا بصورة عامة، فان احداثاً مأساوية رهيبة شهدتها البشرية في التأريخ القديم والى حد ما المعاصر ايضاً، تفوق في بشاعتها تلك التي اشرنا اليها مثل، صلب (7) الاف عبد من أنصار سبارتاكوس على جانبي طريق يؤدي الى روما بعد فشل ثورة العبيد، فمذابح نالت من اليهود في روسيا القيصرية واضطهادات سلطت عليهم في العراق وما ارتكبه نبوخذ نصر بحقهم عندما شردهم من فلسطين ونقل الالاف منهم الى العراق، كما ان مذبحة بني قريضة ضدهم بدورها لن تنسى، قد تكون هذه الاحداث مجتمعة اشد هولاً من جرائم النازي بحقهم، إلا ان التخلف الحضاري وتدني الثقافة حالا دون انصافهم في القرون الماضية، ومن الامثلة كذلك الابادة الجماعية للارمن في العهد العثماني والتي راح ضحيتها مليون ونصف مليون انسان ارمني، هذا اضافة الى حملات ابادة الايزيديين على مر التأريخ لعل ابشعها جريمة داعش ضدهم في سنجار عام 2014، وفي القارة السمراء نفذت حملات ابادة لن تنمحي من الذاكرة منها جرائم الجنجويد في دارفور بالسودان. عدا التخلف الحضاري المذكور فأن المصالح الدولية الظالمة ايضاً كانت وما تزال تحول دون اثارة المظالم والابادات الجماعية.