مع سُويد بن غفلة في ومضاته
عَدَّهُ ” ابن الجوزي” – في صفة الصفوة- ج2/ص11 – من التابعين .
وقال عنه انه :
(رحل الى رسول الله (ص) فوصل الى المدينة المنورة بعد وفاة الرسول (ص) ) ،
وكان مع الامام علي بن ابي طالب (ع) ينهل من ينابيع عِلْمِهِ وهَدْيهِ …
قال البرقي :
” انه من أولياء امير المؤمنين عليه السلام “
وقد نقل الرواة عنه جُملةَ أحاديث ، مما يدّل على انه ممن تشرأب اليهم الأعناق ، ومن أصحاب المكانة المرموقة بين المؤمنين .
وكيف لايكون كذلك ، وهو يعيش في ظلال الوصيّ الذي قال عنه الرسول (ص)
( انا مدينة العلم وعليّ بابها )
راجع ترجمتُه في كتاب جامع الرواة / ج1/ 391
-2-
وليست هذه السطور مكرسةً لترجمة هذا ” التابعي” الجليل ، وانما هي للوقوف على شيء من خصاله وصفاته التي تصلح ان تكون مصدراً للعِبرة والإلهام …
كلُّ ذلك انطلاقا مما جاء في القرأن الكريم حيث قال جلَّ اسمه :
(لقد كان في قصصهم عِبرة لاولي الالباب )
يوسف / 111
فمسارات العلماء والصالحين في دروب الحياة ، وطرائقهم في التعاطي مع الأحداث ، من الكنوز الثمينة التي تثري المتطلعين الى التكامل الروحي والاخلاقي، بتجارب انسانية ، ذات مردودات ايجابية كبرى ، لتكون المحصلة النهائية حافلةً بالنتائج الباهرة والأبعاد الزاهرة …
-3-
جاء في ترجمته :
” كان سويد بن غفلة اذا قيل له :
أُعطيَ فلانٌ ،
وَوُليّ فلان ،
قال :
حسبي كِسْرَتي ومِلْحي “
صفة الصفوة /ج2/ص11
-4-
الذين تُداعبهم طيوف الجنّة، ويُتعبون أنفسهم من اجل الوصول اليها، لا تشغلهم وسائل الآخرين للحصول على الثروة والمال ، وما ينهمر عليهم من الأعطيات والمنح والمكافاءت .
إنَّ من ثوابت الأبرار التي لا يحيدون عنها :
انّ حُطام الدنيا زائل مهما كان حجمُه ومقدارُه …
وإنّ في (حلالها) حسابا
وانّ في (حرامها) عقابا
كما انّ في الشبهات عتابا ،
واذا كان الأمر كذلك فلماذا يسلطون عنايتهم المركزة على ماحازه أو استحوذ عليه الاخرون ؟!
-5-
وما يُقال عن موقف الأبرار في (الأموال) يُقال في (المناصب) سواء جاءت الى أصحابها بسعي منهم – كما هو الغالب –
أو تَمَّ اختيارهم لها من دون سعي منهم .
ولماذا لا يهتمون ؟
إنّهم لا يريدون علواً في الارض ولا فسادا، كما وصفهم القرآن بقوله:
{ تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين }
هذا هو معنى قول سويد بن غفلة – رضوان الله عليه –
” حسبي كسرتي ومِلْحي “
انه يروض نفسه لتقبل بالسيسر من الطعام ، وتزهد في كل ألوان الحُطام…
وهنا تكمن العظمة …
-6-
لقد رأينا كيف أصبحت (المناصب) تُشترى وتباع بالملايين من الدولارات في العراق الجديد !!
وكيف يكون الصراع عليها بين الأخوة والزملاء الذين هم في خندق سياسيّ واحد ، وكتلة سياسية واحدة .
ان منشأ الصراع حُبُّ الذات ، وحُبّ السلطة ، وقبل هذا وذلك حُبّ الدنيا..!!
والدنيا – كما جاء في الحديث الشريف – كماء البحر كلما ازداد الانسان شرباً منه ازداد عطشا ..!!
-7-
بقيت مسألة لابد من الاشادة اليها وهي ان (سويد بن غفلة) كان من المعّمَرِين فقد عاش 128 سنة وتوفي سنة 81 أو 82 هجرية إلاّ ان الملفت انه (رض) تزوّج بِكْرَاً وهو ابن 116 سنة !!
والسؤال الآن :
هل كان لذلك العمر المديد علاقة بالمحتوى الروحي والنفسي والأخلاقي الذي انطوت عليه نفسه الصافية الكبيرة ؟
اننا لا نستطيع نفي هذا الاحتمال :
انّ الحسد مَثَلاً يأكل صاحبه كما تاكل النار الحطب ..!!
وهكذا الحال في الكثير من الأمراض النفسية والاخلاقية الأخرى التي تقضي على صاحبها قبل ان تقضي على الآخرين .
-8-
نخلص من كل ذلك، الى انّ الانسان لابُدَّ ان يستثمر عمره في ميدان الطاعة وان يكثر من الزاد ليوم المعاد
وكما جاء في دعاء الامام زين العابدين (ع) :
( وعمّرني ما كان عُمُري بِذلةً في طاعتك )
فالعمر المديد مطلوب متى ما كان مبذولاً في طاعة الله وابتغاء مرضاتِهِ بعيداً عن اللعب والشَغَب …
