22 ديسمبر، 2024 8:36 م

صور من العادات والطقوس الرمضانية في المجتمعات العربية

صور من العادات والطقوس الرمضانية في المجتمعات العربية

لم يُبالغ الرحالة الإيرلندي ريتشارد بيرتون في حديثه عن الأجواء والطقوس الرمضانية، حين زار مصر عام 1853م، واصفاً مشاعر الناس في القاهرة عند اقتراب موعد الإفطار بقوله: “الأثر الرئيسي لهذا الشهر الفضيل على المؤمنين الحقيقين هو ذلك الحزن الوقور الذي يُغلف طباعهم”.
رمضان شهر عظيم القدر بين شهور السنة، نال حفاوةً واهتماماً لا مثيل لهما في التراث الشعبي العربي الإسلامي حتى في ظل تفشي جائحة كورونا، ورغم ما تعانيه مجتمعاتنا مع محن ومآسٍ وحروب. وامتدت مظاهر الحفاوة بهذا الشهر الكريم إلى الأنماط السلوكية وشتى الألوان الثقافية والعادات والأذواق والطبائع، وربما يرجع ذلك إلى ارتباط هذا الشهر بتلك العبادة العظيمة التي تعد ركناً من أركان الإسلام، وهي الصيام الذي فرضه الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية كما فرض من قبل على غيرها من الأمم، وهذه العبادة ترتبط بشعائر روحية وبدنية؛ مثل الامتناع عن الطعام والشراب، وحفظ اللسان، وقيام الليل، وقراءة القرآن، وإطعام الطعام، وأداء العمرة، والتكافل والتآخي الاجتماعي، وفيه يُلاحظ أن أفقر الناس لا تنقص مائدته عن ثلاثة أصناف، فعند المسلمين عقيدة راسخة بأن رمضان هو شهر الخير والبركة، فلا خوف ولا عوز. ورغم ما فيه من اتفاق على الثوابت في الطقوس الروحية، وفي كثير من العادات، تختلف مظاهر استقباله وبعض عاداته من بلد عربي لآخر، وهذا الاختلاف يعود إلى التغيرات التي طرأت على عناصر المنظومة الاجتماعية أو بعضها داخل البلد الواحد، ومهما يكن فكل بلد يمارس طقوسه وعاداته الموروثة ممزوجة بالفرحة والاستبشار والمسرات.
الطقوس الرمضانية السورية
يَمدّ شهر رمضان جناحيه كل عامٍ على المناطق السورية لينقلها من حالة الحرب والحزن والمآسي إلى أجوائه العطرة ونفحاته المباركة التي تغمر كل من يتفيأ ظلال هذا الشهر الكريم، فشهر رمضان في سورية له طابعه الخاص، وله في نفوس السوريين منزلة تليق به. ويستقبل أهل سورية الشهر الفضيل بحماسة وشوق لا يوصفان من منتصف شعبان، وكانت المدن السورية على الدوام تزين شوارعها وأبوابها وحوانيتها بالآيات القرآنية والأنوار الملونة، فبعد أن يتم إثبات هلال الشهر الكريم تُنار المساجد وتضرب المدافع إيذاناً ببدء الصيام. ويقوم المسحر بإيقاظ السوريين للسحور حاملاً طبلة صغيرة تشق سكون الليل، ويردد: “يا نايم وحد الدايم يا نايم وحد الله”. وطوال شهر رمضان تدب الحركة في المساجد، كما يحيي الناس شهر رمضان بالعبادة والذكر والتلاوة والاعتكاف.
ورغم الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة في جميع المناطق السورية يتكاثر الناس، قبيل غروب شمس كل يوم صيام، في أسواق المدن والقرى لشراء حاجاتهم من الأطعمة والسلع المتوفرة بالأسواق. ويبلغ الاحتفاء بشهر رمضان ذروته في سورية بإحياء ليلة السابع والعشرين منه. ويطول الحديث عن موائد الإفطار السورية؛ إذ يتحلق الناس حول موائد الإفطار التي تحتوي العديد من الأطعمة؛ مثل الحساء (الشوربا)، والفتوش، وفتة الحمص (التسقية)، والبابا غنوج، ومختلف أنواع الكبب والملوخية والمحاشي، وبعض الحلويات كالمعمول والوربات والكعك والمهلبية والكنافة، والمشروبات مثل قمر الدين والتمر الهندي وعرق السوس. وفي الأوقات الطبيعية يرتاد الشباب والفتيات المقاهي والحدائق العامة، ولا يزال الحكواتي في بعض المقاهي الشعبية يقص القصص الشعبية (عنترة والظاهر بيبرس…) في الليل، وأيضاً يجتمع الشباب والعائلات في سهرات جماعية، ويتبادلون الأحاديث عن أجواء الشهر والأحداث السياسية، وتمتلئ الدنيا حبوراً ونشوة. كما تلتف العائلة لمشاهدة البرامج الدينية والمسلسلات الدرامية الاجتماعية والتاريخية على التلفاز أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
التقاليد الرمضانية الفلسطينية
يجهز أهل فلسطين قبل شهر رمضان بأيام قليلة جرات الفخار، ويصنعون الجبنة والشعيرية بأيديهم، ويقدمون للفقراء ما يحتاجون من طحين وعدس وفواكه وخضار، ويتناولون الإفطار والسحور مع بعضهم البعض، وتمتد الأيادي الرحيمة لمساعدة المرضى وزيارة أسر الشهداء والأسرى، ومسح دموع الأيتام، وتجتمع الأسرة على مائدة الإفطار التي تتزين بالمأكولات الفلسطينية، وخاصة المنسف (الأرز واللحم المطبوخ).
وفي رمضان هذا العام لم تبدُ القدس على حالها وحلتها وهي تستقبل الشهر الفضيل، فالحواجز العسكرية وانتشار الجنود على الطرقات وإغلاق الطرق الفرعية وتربص اليهود بسكان المدينة وزوارها العرب والمسلمين جعل المدينة المقدسة معزولة عن العالم. وتعمر الموائد في مدينة الخليل (جنوبي مدينة القدس) ويلج إليها كل محتاج وزائر، وتكايا سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حول الحرم الإبراهيمي الشريف ما فتئت عامرة طوال الشهر الكريم، حيث تقدم وجبات الإفطار لآلاف العائلات الفقيرة والمحتاجة في هذه المدينة والمناطق المجاورة لها. فشهر رمضان في فلسطين هو معركة لإثبات القدرة على الصمود من خلال المحافظة على العادات والطقوس الرمضانية الاعتيادية. ولا يختلف المطبخ الرمضاني الفلسطيني عن نظيره السوري واللبناني إلا بنكهات بسيطة صنعتها الخصوصية الفلسطينية في ظل الاحتلال.
التقاليد الرمضانية في لبنان
تستقبل المدن والقرى اللبنانية شهر رمضان بتزيين المساجد والشوارع بالأنوار والشرائط الملونة. ويُقبل الناس في أول أيام رمضان عل تحضير طعام يحتوي على اللبن، أملاً أن تكون أيامهم بيضاء كبياضه، أما الأطعمة الأخرى الأساسية في وجبة الإفطار التقليدية فمثل المائدة السورية؛ من المحشيات بالأرز واللحم مثل ورق العنب وشيخ المحشي والشيش برك (لبن أمه) والكبب واللحم بعجين، وأيضاً دخلت أكلات غربية على المأكولات التقليدية مثل الهمبرغر والبيتزا. وفي محلات بيع الحلوى المشهورة بالأسواق اللبنانية لا يستطيع أحد الحصول على كمية من الحلوى بالقشطة إلا بناء على طلب مسبق مقدم قبل يوم أو أكثر.
وأما تمضية الوقت خلال النهار، فبعد انتهاء العمل بين الظهر والعصر بالنسبة لغالبية الناس يستمع العديد من الناس إلى الدروس الدينية عن فضائل رمضان في الجوامع بعد صلاة العصر، والقسم الآخر يذهب إلى السوق لشراء الحاجيات من مأكل أو أشربة جاهزة. وفي المقاهي أو المجالس اللبنانية لا بد من سماع قرقعة النرجيلة في سهرات مفعمة بالألفة والانسجام، وهناك قسم آخر يمضون الهزيع الأول أو الآخر من الليل في صلاة التراويح، ثم يعودون لمنازلهم لمتابعة السهرة أو النوم استعداداً للنهوض وقت السحور أو استعداداً للعمل في الصباح.
التقاليد الرمضانية العراقية
شهر رمضان له رمزية خاصة لدى أهل العراق، وهم يحترمونه ويتهيؤون لمقدمه قبل مدة طويلة، إذ تتأكد ربة المنزل من توفر المواد الغذائية الخاصة به، مثل الرز والسمن والشاي والقهوة ونوم البصرة والقيسي والتين اليابس واللوم وماء الورد والهيل والعطورات الأخرى، فضلاً عما هو متوفر لديها من المؤونة السنوية من البرغل والعدس والطحين، وهناك حلو التمر والزبيب وشراب التمر الهندي. وللترحاب بشهر رمضان عند قدومه يجتمعون في المساجد وصحونها بعد صلاة المغرب، ويردد الجميع:
مرحبا مرحبا يا رمضان يا شهر التراويح وعليك السلام
مرحبا مرحبا يا رمضان يا شهر الغفران وعليك السلام.
ومن الشائع في رمضان رؤية التجار في متاجرهم يتلون القرآن ويوزعون الخيرات على الفقراء. أما عن الحمامات فإنها تعمل بنشاط ليل نهار لخدمة الصائمين، ويلاحظ أن الأسواق التجارية الموصلية، قبل نكبتها الأخيرة وتدمير نصف المدينة، تعمل ليلاً حتى الفجر في الأسبوع الأخير من رمضان، وخاصة مهن الخياطين والحلاقين وصانعي الأحذية، ولا تنتهي تلك الحركة حتى حلول عيد الفطر المبارك.
وتحفل موائد الإفطار العراقية بأكلات عديدة فيها الكثير من الأناقة والدسم، بعضها موسمي لا يطبخ إلا في رمضان، وبعضها تقليدي، ويُعتنى بالطبخ والرصف على الموائد، وفي الموصل نجد من الأكلات الشعبية المشهورة: السماق، واللبنية والكشك والحميس، ومن الأكلات الحديثة: البرغل والكبة وعروق التنور وشيخ المحشي والعدس والدولمة.
موسم حافل بالنشاطات الممتعة، ففيه تشيع مختلف مظاهر التسلية واللهو البريء، وتتبادل الزيارات وتتم اللقاءات وتقدم التهاني والهدايا، ومن أول ليلة من شهر رمضان تبقى المقاهي مفتوحة الأبواب تضج بالرواد حتى وقت الإمساك، بعض هذه المقاهي يقتصر على السمر والقصص واللطائف الدينية والاجتماعية والقصص أو الألعاب الشعبية، ففي بعض المقاهي تمارس لعبة الفرْ، وهي من التقاليد التي لا يحاد عنها، وهذا النوع من الألعاب ينتج علاقات مشتركة تجعل الفرد يعيش شعور الآخرين.
الطقوس الرمضانية السعودية (مكة والمدينة)
تتعدد صور الحفاوة برمضان في المناطق السعودية، وخاصة في مكة والمدينة، إذ تقوم الجهات الرسمية بتوزيع وجبات الإفطار داخل الحرمين التي تحتوي على التمر والحليب والعصائر والوجبات المغلفة على الصائمين، إلى جانب موائد الرحمن. ففي مكة المكرمة قلب العالم الإسلام وقبلته، والتي تهفو قلوب ملايين المسلمين إلى زيارتها والطواف بكعبتها الغراء، يقدم لنا ابن جبير الأندلسي صورة تراثية خاصة للحفاوة بشهر رمضان في هذا البلد الحرام، وذلك عندما عاش أيامه ولياليه الرمضانية بالمدينة المقدسة عام 579 ه، وسجل ذلك في رحلته المشهورة التي جاءت تحت عنوان: “اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك”. كما درج أهل المدينة المنورة على استقبال شهر رمضان منذ منتصف شعبان بعادات سائدة منذ القدم، فأصبحت شيئاً مألوفاً ومأنوساً لهم، ومن ذلك ليلة منتصف شعبان.
ويتم الاهتمام بتطييب نواحي المسجد الحرام والمسجد النبوي بالعود والعنبر منذ القرن الأول الهجري في كل ليلة ويوم جمعة، وفي أيام شهر رمضان. وتبدأ الطقوس التعبدية في المسجد الحرام والمسجد النبوي طوال العشر الأواخر من شهر رمضان؛ من ليلة 21 حتى ليلة 30 رمضان، قياماً وذكراً وعبادة وطاعة.
وتتنوع الأطعمة الرمضانية لدى أهل المدينة المنورة، وتتسم باشتراك الأسر بكثير من الأصناف، فكل المنازل السعودية فيها الجريش والقرصان والشوربا والفول والمقليات مثل السمبوسك والبريك (رقائق العجبين المحشو باللحم المفروم مع البيض والبقدونس) والزلابية (العجين المخمر المقلي بالزيت على شكل كرات)، وهناك السوبيا (من المشروبات الشعبية الحجازية المشهورة في رمضان، وهي من الشعير أو الخبز الناشف أو الزبيب). وهناك المهلبية والتطلي (كلمة تركية وتعد من الحليب ومادة مصنوعة من النشا وقطر الموز). وفي الشارع السعودي نجد البليلة (حمص الشام) والذي يلقى إقبالاً كبيراً من السعوديين.
ومن العادات الحجازية التي يتمسك بها عدد من أهل المدينة أنهم يتوجهون إلى المسجد النبوي قبل المغرب بنحو ساعة ويجلسون حول الحجرة النبوية. وتعد موائد الإفطار في المسجد النبوي الكبرى على مستوى العالم، ويتسابق المحسنون في تحضيرها منذ رجب وشعبان عبر شراء التمور وتخزينها وإنشاء الخيام الرمضانية، فضلاً عن التعاقد مع بعض المطاعم لطبخ وإحضار وجبات يومية جاهزة لصحن المسجد، وكذلك في مساجد الأحياء المختلفة في المدينة المنورة.
الطقوس الرمضانية المصرية
عدا الطقوس الروحية والاجتماعية في أم الدنيا، والتكافل اللافت بين المصريين، والسهرات في المقاهي، وفتح المساجد للعبادة طوال الشهر الفضيل، والحديث عن تقليد مدفع القاهرة، وفانوس رمضان، والطبلة المتجولة عند السحر، فقد برز تراث مميز للأغاني الشعبية والتواشيح التي ارتبطت بأول شهر رمضان في مصر، وكأن الصيام لا تكتمل روعته وصفاؤه إلا معها. واشتهرت في مصر من الأغاني الشعبية أغنية محمد عبد المطلب الشهيرة: “رمضان جانا وفرحنا به أهلاً رمضان”، وهي أغنية ظهرت في خمسينات القرن الماضي، وهناك ابتهالات سيد النقشبندي، وتفسير الشيخ الشعراوي للقرآن الكريم.
أجواء رمضانية خليجية (الكويت وقطر والبحرين والإمارات)
تتشابه الأنماط الثقافية في الكويت والبحرين وقطر وكذلك الإمارات، وتعمر المائدة الخليجية بالعديد من الأطباق الشعبية، ويعد الهريس الطبق الرئيسي (يصنع من القمح المهروس مع اللحم والسمن البلدي) والمحمر والجريش والثريد، وتأثرت المائدة بالثقافة الغذائية الآسيوية واليمنية والشامية. وفي الكويت اشتهرت الفتة الكويتية، ومن الحلويات لقمة القاضي والعصيدة والكيك والتمر بأنواعه والقهوة العربية والشاي. وغالباً ما يبدأ الصائم الخليجي طعامه بالماء والتمر واللبن الرائب، أما الموروث التقليدي الذي لم يندثر في الخليج فهو احتفال الأطفال بليلة الخامس عشر من رمضان، وهو يوم “القرقيعان”، فلا يقتصر الاحتفال على الأطفال، بل كان قبل وباء كورونا ترعاه الدولة والمؤسسات الخاصة بتقديم الهدايا والحلويات، حيث يرتدي الأطفال الأزياء الشعبية، ويطوفون على المنازل القريبة وهم يغنون، بغية ملء أكياسهم بأنواع الحلوى والمكسرات التي يجهزها الأهالي لهذه المناسبة خصوصاً، وبسبب صعوبة تنقل الأطفال اقتصرت جولاتهم على الحي وبعض بيوت الأقارب، واقتصرت صلاة التراويح في مجالس الرجال، واللقاءات العائلية وسهرات النساء على نطاقات ضيقة في الوقت الحالي.
الأجواء الرمضانية اليمنية
يعيش ظروفاً أمنية وأوضاعاً معيشية صعبة، ولكن يبقى لرمضان حضوره لدى اليمنيين، حيث تختلف مظاهر الاحتفال من مدينة لأخرى؛ ففي صنعاء تقوم بعض المساجد بأنشطة منها تلاوة سور محددة من القرآن الكريم منذ اليوم الأول حتى آخر ليلة في رمضان، ويتجه الوعاظ وطلبة العلم للمساجد، ويركزون الأحاديث على الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وتدور بينهم بعد الصلاة أحاديث حول السياسة والدين والثقافة الاجتماعية. أما حضرموت فتتبع تقليداً خاصاً، حيث تبدأ بعد الظهر بتعليم الصلوات عن طريق محاضرين في المساجد، حيث يجلسون في جماعات دائرية حتى صلاة المغرب وقت الإفطار، واشتهر من الأكلات اليمنية: المندي والفحسة والسلتة والسمبوسك، وشرابهم عرق السوس والتمر الهندي.
دول المغرب وتونس والجزائر وليبيا
الحياة الرمضانية بالمغرب وصفها رحالة أجنبي بقوله: “إن رمضان لم يكن في فاس وفي غيرها من أجزاء المغرب العربي حدثاً دينياً جليلاً فحسب، بل كان حدثاً اجتماعياً، فقد كانت المدينة تغير نمط الحياة فيها مدة شهر كامل من السنة.
وفي تونس يستقبل أهل تونس شهر رمضان قبل قدومه بأيام عديدة، وتنتشر موائد الرحمن، ويتبارى الجميع في تقديم المساعدات إلى الأسر الفقيرة، وفي تنظيم قوافل خيرية وهدايا في الشوارع والأحياء، وتشهد المساجد العريقة مثل جامع عقبة بن نافع في القيروان وجامع الزيتونة الصلوات والاحتفالات الدينية.
وفي الجزائر فرض التنوع الاجتماعي نمطاً احتفالياً في الشهر الكريم، حيث تعمد الأسر إلى طلاء منازلها، وتتسابق المرأة الجزائرية في تحضير المؤن من التوابل واللحوم، وتشهد حمامات المدن الجزائرية إقبالاً في أواخر شهر شعبان. وبالنسبة للمائدة الجزائرية تلتف العائلات حول مائدة الإفطار والسحور، وتتفنن ربات البيوت في إعداد المأكولات التي تتنزين بها مائدة الإفطار، وأكثرها أكلات متشابهة بين بلدان المغرب، مثل طبق البربوشة (الكسكسي بدون المرق)، والخشخوشة (الثريد المخلوط مع المرق واللحم)، والرشتة (الخبز المخبوز في البيوت ثم يقطع قطعاً رقيقة ومعه المرق)، والطاجين (مكون من البرقوق المجفف أو الزبيب مع اللوز ولحم الغنم أو الدجاج ويضاف له قليل من السكر). وتتبادل العائلات المأكولات في ظاهرة اجتماعية تعبر عن الترابط الاجتماعي والتآزر. ومن الحلويات الجزائرية قلب اللوز والزلابية والقطائف والمحنشة.
أما ليبيا فتعيش مناطقها أجواءً رمضانيةً هادئة في ظل التهدئة السياسية الحالية، واعتاد الليبيون على الخروج إلى الميادين العامة والجلسات المسائية في المقاهي للاستمتاع بأوقاتهم، ولا تزال الحركة التجارية تعاني الكساد في غالب المدن الليبية، وبالنسبة للموائد الليبية فهي على النمط المغاربي عموماً، مع تداخل جزئي بالمطبخ العربي المشرقي.
الأجواء الرمضانية السودانية
يستقبل السودانيون الشهر الفضيل بالتسامح والصفح، وتمتلئ المحال والطرقات بالشراب السوداني حلوه ومره (خليط عشبي تمزج مع دقيق الذرة).
إذن تتشابه عادات وطقوس الحفاوة والترحيب والتوديع لشهر رمضان المبارك في كل البلدان العربية، ورغم الأزمات وضيق الأوضاع المعيشية، والتباعد الاجتماعي الذي فرضته جائحة كورونا، فإن شهر رمضان فرض نفسه استثناءً في قلب الخريطة الذهنية والاجتماعية، ليضفي طابعاً روحياً وأخلاقياً وإنسانياً وثقافياً متميزاً لا مثيل له كل عام.