الصورة – 1 الانسان الواعى
عندما ننظر الى اوربا ,الولايات المتحدة ودول اخرى تجاوزت التخلف واسبابه نجد التطور الهائل فى مختلف مجالات الحياة, والذى ينعكس ايضا فى انظمتها السياسية والاجتماعية واقتصادها القائم على الانجاز والعمل. هذا التطور لايقتصر على التطور التكنولوجى المستمر والذى يضيف نظاما جديدا فى الفكر والعمل يطبع مفردات الحياة وسلوك الانسان بخصوصياته التى نختصرها لضيق المجال بتكنولوجيا “الهاى تيك”, الكومبيوتر, الانترنت, الهاتف النقال,.العولمة….الخ وما يرتبط بها من ابتكار وتجديدات مستمرة., وكما يبدو فان مسيرة الاختراع والابداع مستمرة ونشهد يوميات, تباعا اشياء جديدة تضاف الى مفردات حياتنا وتفكيرنا وعملنا. ان السؤال الذى يفرض نفسه كيف وصل هذا العالم الى ما وصل اليه ؟ ماهى المقدمات الموضوعية والذاتية التى شكلت الارضية الفكرية للانطلاق فى هذا العالم الواسع الرحب؟!!
كانت اوليات هذا التطور التاريخى الكبير مع عصر التنوير الاوروبى التى تعرف كمرحلة تاريخية ثقافية اوربية شامله قد انطلقت فى ايطاليا فى القرن الـ (15ـ 16) و كما يعرف عصر النهضة ايضا بـ ” عصر الانسانية – Humanismus”الذى اخذ فيه ينظر الى الانسان قيمة عليا ونقطة تتمركزحولها الاهتمامات. عندما علق مارتين لوتر فرضياته الـ95 على كنيسة (غوتنبرغ) وانطلاق حركة الاصلاح الدينى التى قامت على فصل الدين عن السياسية. كانت عملية التجديد فى حقول الحياة العديده متقدمة جدا, وخاصة فى حقل الفنون والعلوم, وكان الاهتمام كبيرا فى دراسة اعمال العالم القديم التى اصبحت قيد النسيان, الفلسفة اليونانية, افلاطون الشعراء هومير والتاريخ تاكيتوس, بالاضافة الى مكتبة قرطبة واعمال العلماء العرب. لقد اصبحت هذه النتاجات فى متناول اليد خاصة عن طريق الطباعة من قبل الالمانى يوهانس غوتنبرغ 1430, هذا بالاضافة الى اكتشاف امريكا وتطور المعرفة العلمية, نظرية كوبرنيكوس ومركزية الشمس.. كان تاثير هذه الحركة على ( برجوازية دول المدن )الايطالية الذين اخذو الخطوات الاولى لتحررهم الفكرى من السلطة الدينية. كانت المدن الايطالية فى القرن الخامس عشر متحضرة وغنية وفى نظام سياسى اوليغارشى يسمح ببعض الحرية السياسية بالاضافة الى الاهتمام بالعلوم والفنون, وكانت بحكم نشاطها التجارى ووقوعها على البحر قد عقدت علاقات وتعرفت على اساليب حياة مع شعوب الاخرى, كما ان الدولة قد كلفت بعض الفنانين والمعماريين وكذلك الكثير من الاغنياء لانجاز مختلف الاعمال المهمة. ان انتشار وباء الطاعون فى اوربا عمل على تغيير النظرة الى العالم وادى نحو التمركز على الحياة والواقع بدلا من التأكيد والانصراف الى الروحانيات والغيبيات وجنة الله. ان احياء التراث قاد الى اكتشاف جديد فى العمارة والنحت والتماثيل بالاضافة الى الفكر الفلسفى وبناء الدولة( ماكيفلى- الامير) ان هذا التطور وجد تعبيره بشكل خاص فى الفنون وقواعدها المتقدمة. ان لغة التعبير الغامضة والصوفية فى القرون الوسطى قد ازيحت من قبل لغة الرياضيات والعلوم, واصبحت الاسلوب والوسيلة فى النظر الى العالم, كما ان لغة التناسب التى ابتكرها ( ليوناردو دافنشى) والتى فيها اصبح الانسان فى تكوينه الجسمى فى المركز واصبحت وحدة القياس والقياس بشكل عام الى بنية النظام. لم يعد الفنانون حرفيين مجهولين وانما تمتعوا بالثقة والوعى كاساتذه وعلماء واصبحت اعمالهم ابداعات شخصية على درجة عالية من الرقى. لقد تطورت التكنولوجيا واساليب الانتاج وقد ارتبط تطورها بحياة السكان وحاجاتهم, وكانت ايضا عملية مستمرة من اضافات وتطوير وتجديد: التوسع فى استخدام الدواليب المائية1100, اختراع حامض الكبريتيك 1200, النضارة الطبية 1280 , اختراع قلم الفضة 1200, وتطوير قلم الرصاص 1500 , الطباعة 1450, دواليب النسيج والحياكة1452-1519 استخدام خطوط السكك الحديد فى المناجم1519, طرح مجمع علمى حول المناجم والتعدين 1519, اختراع ساعة الجيب 1510, المكروسكوب 1590-1600 …الخ. هذه التطورات قد فتحت مجالات كبيرة للمعرفة والعمل وتشغيل السكان, كما ظهرت شرائح اجتماعية قد جنت ارباحا هائلة من التجارة مثل عائلة المديشى فى ايطاليا وعائلة المانية فى اوغسبورغ فى المانيا الذين توسعت اعملهم وقاموا بفتح البنوك., كما ظهر اغنياء جدد من خلال التوسع فى العمل الانتاجى وظهور الورشات الكبيرة( المنفكتورا) التى افرزت مع تطور التكنولوجيا الى ظهور نظام المصنع الحديث . ان هذه العملية كانت فى غاية الاهمية فى بلورة طبقة غنية جدا قد استطاعت ان تأخذ مكانتها المهمة فى السلطة والنفوذ وتحمل فكرا متقدما عما كان مسيطرا انذاك من قبل الكنيسة, الامراء, الاقطاعيين وضباط الجيش والبداية لتحول النظام المجتمعى الى نظام جديد : النظام الراسمالى.
كان ادم سميث-Adam Smith -1730 -1790الذى وضع المبادىء الاولية لانطلاق النظام الراسمالى, فى كتابه ” رفاهية الشعوب”. ينطلق سميث من ان الانسان يرغب ويسعى لتحسين ظروفه الحياتية ومن خلال محاولات الافراد تحسين اوضاعهم الحياتيه يتكون الرفاه والثروه, انه العمل, عمل الانسان هوالذى يكون الثروه , ان الثرة ليست المواد الاولية المخزونه فى الارض. يؤكد ادم سميث على تقسيم العمل وفاعليته فى تكوين الثروه ويؤكد على ” السوق الحرة”التى تنظم بـ ” اليد السحرية”, هذا يعنى تقليص فعالية الدوله فى النشاط الاقتصادى, كما ان يؤكد على الملكية الخاصة. هذه الطروحات المبدئية وجدت فيها برجوازية المدن والاغنياء من اسطوات المانيفكتورا ضالتهم فى السلطة والقرار, انهم غالبا لم يشتركوا فى بنية الحكومة كوزراء او مدراء وانما تركوها الى الاحزاب السياسية التى سوف تدير الدولة عمليا وتشريعيا بما لا يتعارض مع مصالح واهذاف اصحاب الاموال والرساميل وكبار المنتجين, من ناحية تربية الجيل وتشكيل الرأى العام وضمان استمراريه العلاقات القائمة فى اطار التمثيل الديمقراطى, وتنشأة الفرد على حب العمل ويحسن المطاولة والصبر و تحسين وضعه المعيشى ودفعة نحو التعلم واكتساب المهارات, ان يكون واعيا بذاته وبالحياة وعلية ان يعيشها بعمق لانها قصيرة جدا ولا تقبل التاجيل. انها القوانين الوضعية التى شرعتها حكومات الاحزاب الديمقراطية وبذلك كان تنظيم المجتمع وقوانينه, بشكل غير مباشر انما هى قوانين اصحاب العمل والراسماليين.