صور من الثقافة – 2
اخلاقيات العمل
الصورة -1
ان من اهم مقومات نجاح الفرد والمؤسسات, خدمية او انتاجية ان تتوفر اخلاقيات عمل تلزم الفرد والمؤسسه الالتزام بها والمحافظة عليها, انها عملية تفاعل مشترك بين المشاركين فى هذا اوذاك العمل. ولكن هذه الاخلاق ليست من وحى تفكير مجرد بعيدا عن مفردات الواقع والحياة وانما انعكاسا للواقع وشروط عملية الانتاج والخدمات وبالتالى تحقيق افضل النتائج للمشاركين والمجتمع.
عندما بدأ الانتاج الصناعى فى المعامل واخدذت نظام السوق فى التوسع اخذت الحاجة الى الايدى العاملة فى تصاعد, كانت الايدى العاملة فى الزراعة خزين كبيرفى اساليب عمل لا زالت متخلفة وتعانى من وضع اقتصادى صعب, وتم الاستفادة منها فى العمل فى المصانع. كان هذا العمل غريب عليهم, خاصة باوقاته المحددة, اجوائه وادواته ومكائنه وبشكل خاص ونظام دفع الاجور الذى لم يكن قد اعتادوا علية, بل لم يعرفوه اصلا. رجع الفلاحون/العمال الى قراهم وصرفوا الاجور التى حصلوا عليها فى الحانات والتسلية. كانت هذة الحالة كارثية بالنسبة لاصحاب العمل, انهم لا يستطيعوا الاستمرار فى العمل فى غياب نصف عدد العاملين, وكان لابد من اتخاذ اجراء ا فاعلا: بدات عملية تاهيل وتطويع الفلاحين ليتحولوا الى عمال. قام اصحاب العمل بالتعاون مع الشرطة المحلية, بالسفر الى القرى التى يعيش فيها الفلاحين/ العمال ووجدوهم فى حالة سكر وعربدة. لقد اخذوهم بالقوة الى المعامل واجبروهم على العمل وفى نهاية الاسبوع صرفوا لهم الاجور ورجعوا الى قراهم, ولكن الذين رجعوا الى المعامل طوعا كان عددهم نصف عدد الذين لم يحضروا فى المرة الاولى. لقد اكتشف الفلاحين/ العمال ان الدجور التى يحصلون عليها من العمل فى المعمل تساعدهم على تلبية متطلبات الحياة بشكل افضل, وبدات نظرتهم تتغير تدريجيا نحو هذا النوع من العمل واخذوا يتاقلمون معه, كما ان اصحاب العمل اخذ اسلوب تعملهم مع الفلاحين/ العمال تتغير ايضا واخذوا يعاملوهم باسلوب عملى مقنن يشعرهم بالاحترام والحاجة الماسة اليهم وبنفس الوقت اقر اصحاب العمل انهم لا يستطيعوا الاستمرار فى اوضاعهم المرفهة بدون هؤلاء العمال. مع تطور التكنولوجيا واساليب الانتاج افرزت الحاجة الى ايدى عاملة ماهرة مدربه والذى فرض التفكير ايضا بأساليب ووسائل تشجع العمال على تعليم المهنه والتطور من خلالها, كما ادى الى خلق حوافز وخدمات للعمال من اجل الاستمرار فى عملهم, وبلورة حالة من الوعى والانتماء للعمل والمصنع. كان الصناعيون الرواد, فى المقدمة الامريكى هنرى فورد الذى فتح سوبرماركات للتسوق, سينما وحدائق للترفيه وبناء المساكن. ان هذه الخدمات قد خلقت شعورا ايجابيا لدى العمال: الوضع المادى مستقر, توفر الخدمات ومسكن بايجار مقبول, انها متطلبات طالما حلموا بها وقد اخذت تنعكس على عملهم من ناحية الالتزام بشروط عمل المصنع وارتفاع انتاجيته (الانتاج/الساعة) وخلق حالة من الانتماء للمصنع, المؤسسه التى يعمل بها, هذا يعنى ان العامل اخذ يعمل عن وعى وبدون مراقبة ومع ذلك فقد قامت دراسات حول القدرة الانتاجية للعمال فى مختلف مواقع العمل والتى اخذت تستخدم كوحدات قياس للانتاجية الفعلية للعمال. كان هنرى فورد ثانية الرائد فى تقديم خدمات وافكار تعمل على زيادة الطلب على السيارات التى تنتجها مصانعه, كان يبحث عن اسواق جديدة واعدة تستوعب السيارات التى اخذ يتصاعد انتاجها باستخدام ” نظام القايش الدوار”, اخذ هنرى فورد يبع سياراته للعمال بالاقساط المريحه, ان العامل اصبح له مسكن ودخل مستمر الى حدما واصبح يقود سيارة ايضا, انها حالة جديدة جديرة بالدراسة العلمية: ان هذه العملية كانت ضربة حاسمة لريادة الصراع الطبقى لطبقة البروليتاريا.وجعل منها شريحة/ طبقة تتطلع نحو الاستهلاك والاستقرار!!
ان اعجابنا وانبهارنا بالتزام العاملين فى اوربا الغربية وامريكا وفى دول اخرى, فى القطاع الانتاجى والخدمى, بالعمل, ودقة العمل, والانتاجية بدون رقابة, علينا ان ندرك ان هذه الحالة كانت نتاج عملية طويلة الامد اخذت مراحل مختلفة من التطويع والتأهيل والتربية والحوافز والخدمات ولم تكن القوة لوحدها عاملا مؤثرا, انها لم تقتصر على المصانع وانما على تشكيل الراى العام وتوجيهه نحو الولاء للدولة والمجتمع.
الصورة -2
ان اخلاقيات العمل تنمو وتتطور مع مع قوة ومسؤلية الدولة فى النهوض وتمنية المجتمع اقتصاديا/ اجتماعيا ودستوريا ووضع تصورعام حول الاجور/الانتاجية للعاملين فى مختلف الحقول. ان تاريخنا الحديث والمعاصر لم يحضى بحكومه/دولة قد ادركت قيمة واهمية العمل واخلاقيات العمل, ولذلك فان انتاجية العاملين فى دوائرالدولة, خاصة منذ 2003 لايتجاوز 30- 50 دقيقة فى اليوم,دون ذكر البطالة المقنعه واعداد الفضائيين, وبذلك فان مراجعات المواطنين لدوائر الدولة تستغرق اشهر اذا لم يتم تزيتها بالبخشيش والرشوة( الاجباريه) ,ومع كل هذا الفساد المستشرى, عدم الانضباط واللامبالاة تمالشروع بتقيلص ايام العمل منذ 2003 الى خمسة ايام دون ان يوجد اى مبرر اقتصادى اوعلمى او تغيير فى منهجية ادارات دوائر الدولة. هذا التغيير الكبير فى عدد ايام العمل كان سابقا لاوانه بعدة عقود ويمكن ان يحسب على منهجية فشل الحكومة وعدم ادراكها للوضع الاقتصادى الصعب الذى يعيشه المواطينون واحادية النشاط الاقتصادى فى العراق. بهذا التغيير فى نظام الع خلقت حالة من اليأس والتناقض بين المواطن ودوائر الدولة بهدف تسليك التناقضات الرئيسية مع حكومة المحاصصه الى تناقضات فرعية عديدة, وربما ايضا تكريما وتتويجا لحالة الكسل واللامبالاة التى يتمتع بها اكثرية العاملين من النساء والرجال وربما ايضا تشجيعهم على تظخيم كروشهم وزيادة اوزانهم المثيرة.
ان معاناة العراقيين فى مسلسل بناء او ترميم بيت اواى عملية اصلاح ( الصحيات) او ترميم تعد فصول من الدراما المحزنه المعذبة : عدم الالتزام بالمواعيد, عدم توفر قوة عاملة مدربة, اجور العمال الفنيين عالية جدا, اجور “الخلفة” بين 70-100 دولار, هذا ويحتاج الى 4 عمال مساعدين تتراح اجور كل منهم 15-25 دينار. ان العامل الفنى (الخلفة) يحضر متأخرا وقبل ان يبدأ العمل يجب تناول قدح الشاى, وينتظر ان يهيأ المساعدين الاسمنت والطابوق , يتفرج عليهم ويجب ان يقدم له المساعدون مواد العمل وكانه فى خيمة فاتحة, يبدأ العمل واذا يبدأ الهاتف النقال بالرنين, يسترسل فى الحديث وتحصل احيانا مشادات قد تطول, ويعود الى العمل. وفى الساعة 9 صباحا يجب ان يحضر الفطور ويجب ان يحتوى على الاجبان والقيمر والخبز او الصمون الحار. بعد ذلك يدخن سيكارة او اثنين, وبعد فترة قصيرة يحل وقت الغذاء ويستريح الجميع لمدة ساعة يعقبها شرب الشاى اوالمشروبات الغازية الباردة. ان وتيرة العمل بعد الظهر لا تختلف كثيراعن وتيرة الصباح, لاشى يستحق الذكر وما تم انجازه كميا ونوعيا لا يساوى تكاليف اجور فريق العمل. ان قطاع البناء والانشاءات يشكو من نقص حاد فى الايدى العاملة المدربه, ناهيك عن الاخلاق والانتاجية. ان “الخلفة” ومساعديه يبدعون بشكل مذهل فى الهروب من العمل بمختلف الصيغ, مثل اوقات الصلاة او البحث عن المرحاض وتدخين السكائر. ان بعض الناس يفضلون تكليف مجموعه او مقاول على البناء بشكل مقاولة عمل تفاديا للمشاكل الجانبية, الا ان هذه الطريقة هى الاخرى تحمل وجوه كثيرة من عدم الالتزام بمفردات المقاولة, فترة الانجاز ونوعيته مما يخلق مشاكل كثيرة ويسبب توقف العمل وكل ذلك يصب فى مصلحة المقاول او الجماعة التى تعهدت بالعمل. ليس قطاع البناء والانشاءات المثقل بعجز كبير فى الايدى العاملة المدربه وانما ايضا القطاعات الخدمية والانتاجية الاخرى, النجارة, الحدادة , ميكانيك وسمكرة السيارات., الخياطة ….الخ .ان مشاكل العمل لا تقتصر على الانخفاض الكبير للانتاجية وعدم انضباط العاملين وانما فقدان اصحاب العمل من التاثير فى العاملين الذين اخذوا, لاى سبب كان يهددوا الاسطوات بالفصل العشائرى والذى له نتائج وعواقب وخيمة, هذا يعنى ان النظام والعمل قد فقد مقوماته الاساسية وتسوده حالة من الفوضى التى منطقيا ومنهجيا لا تختلف كثيرا عن حالة فوضى العمل فى دوائر ومؤسسات الدولة وكذلك تعتبر انعكاسا عنها.
ان انجازات الايدى العاملة فى مختلف الحقول مازالت قائمة فى مختلف النتاج الحضارى , خاصة فى المرحله الحكم الملكى ومرحلة 1958 وبعدها ببضعة سنوات, حيت استمرت دينامكية الاخلاق والالتزام والانضباط دورها فى الفعل والتأثير وكانت فترة التعليم لا تقتصر على تعليم المهنه وفق نظام التعليم المهنى التقليدى وانما ايضا تربية سوية وتنشئه اجتماعية تمهد وتعد مواطنا صالحا له حقوق ولكن له وعليه واجبابات ايضا.
لم يحضىى المواطن العراقى منذ سنين طويلة بتربية وتوجيه عملى يعتمد على منهج علمى من قبل الدولة, المرجعيات الدينية والاحزاب السياسية لاسيما كان الخطاب, اذا قد حصل اصلا كان خطابا قد اقتصر على خطاب اخلاقى من فوق المنابر مثل بقية المواعظ الدينية المشحونه بهالة من المشاعر الجياشة والكلمات الرنانة التى ينتهى اثرها مع نهاية فترة الوعظ والارشاد. ان تصل الى العمال والعاملين وتطلب منهم التزام, انتاجية واخلاقيات يجب قبل كل شىء توفير لهم عمل مستمر اولا ورفع مستواهم المعيشى وقدراتهم الفنية والعلمية, وهذا لايمكن ان يتحقق اذا لم تتجاوز الحالة العراقية “هلامية الدولة” وانحلال الاقتصاد واعتماده الرئيسى على ريع النفط. ان تطورا فى هذا الاتجاه, كما تشير مجمل المؤشرات السياسية /الاقتصادية/ الامنية عدم توفر اوليات التخطيط والتنفيذ بالاضافة الى عدم وجود النوايا والشعور بالمسؤلية تجاة الاقتصاد ومستقبل العراق وشعبه, ان هذه الحالة سوف تؤدى الى تدهور مستمر فى الاخلاق والاعراف وعدم المسؤلية والانضباط, ويمكن ان تقود الى انهيار الامن الاجتماعى /الاقتصادى.