9 أبريل، 2024 2:29 ص
Search
Close this search box.

صور من التعايش الاسلامي المسيحي

Facebook
Twitter
LinkedIn

نينوى أنموذجا
عمر ابراهيم النعمة
من الممكن أن نقدم أو نؤخر في المصطلحين (المسيحي، الاسلامي) لان المنبع واحد والدين لله اولا وآخرا، وفلسفة الاحترام والحب تتجاوز احيانا مفهوم المتغير، الذي يبحث عن مواطن المشتركات لينميها، ويحجم ابواب الخلاف ويئدها.
بالفعل نصل مرحلة الانبهار وما بعده، حين نسمع قصصا للتعايش أرست مفاهيم جديدة لكنها قديمة، ففي موصل العراق صور مختلفة نقف امامها، ولأول وهلة نتصور الامر ضربا من خيال، لكن الواقع يصدق.
التآخي والعلاقات الوطيدة المؤسسة على أساس قوي لا يمكن هدمها في يوم وليلة، لأن اصحابها لا يتخيلون مجرد خيال ان يعيشوا وبعضهم مفقود، وهذه سياسة الجسد الواحد التي عرفتها نينوى قديما وهي تعيشها كذلك الآن.
في بداية عام ستين وتسعمائة والف من القرن الماضي، تعرض الاب (القس) ميخائيل عزيزة وهو شخصية موصلية معروفة، خلال دخوله الى (محلة الساعة) ايمن الموصل، تعرض لاعتداء من احد العبثيين المغرضين، الذي رمى عليه قشر رقي وهو ما يسميه الموصليون ( شمزي) فاصابته في كتفه، لكنه لم يحرك ساكنا، ولم ينبس ببنت شفه، حينها سارع للدخول الى منزل أحد اقربائه دون ان يتكلم بشيء. وصعد الى غرفة علوية يصلي لله القادر على كل شيء.
وعلى ما يبدو شاهد احد ابناء المحلة العملية من شباك منزله، وهو بدوره اوصلها الى الشيخ بشير الصقال، عالم الموصل المشهود له بعمله وتأثيره في مجتمعه.
وفي خطبة الجمعة التي تلت الحادثة ومن على المنبر الذي يخطب فيه الشيخ الصقال وصوته يصل الى المنطقة ما حولها قال الشيخ الصقال رحمه الله: بالامس قام احد الذين لا يمتون للاسلام بصلة بفعلة شنيعة آلمتنا جميعا نحن اهل الموصل، حيث فعل كذا وكذا بالاب الفاضل والكاهن الوقور القس ميخائيل عزيزة، ونحن هنا ومن على هذا المنبر نعتذر لاخينا وابينا العالم الكبير، ونقول للفاعل: انك قد رميتنا شخصيا بما رميت به الاب عزيزة.. وعليك اينما كنت الآن ان تاتي معنا لزيارة بيت الاب ميخائيل عزيزة للاعتذار منه.
وبعد ساعة كان الشيخ الصقال ومجموعة من المصلين يقفون على باب بيت اخي الاب ميخائيل ويعتذرون منه جميعا.. وعلى عادته (رحمه الله) اعتذر هو من الشيخ الصقال على ما حصل وازعجه، ودخلوا المنزل وجلسوا في غرفة الضيوف، وأدى اهل الدار ضيافة وافديهم على أتم وجه، وكان الشيخ الصقال يجلس مع القس ميخائيل في صدر الغرفة يتحادثان كاخوة واهل..
وفي يوم الاحد الذي تلا الحادثة والزيارة، كان القس ميخائيل عزيزة يقف على منبر الوعظ في كنيسة مار كوركيس الكلدانية في شارع نينوى مقابل محلة خزرج وهو يقول: صلوا معي ايها المؤمنون ليعطي الله القدير الصحة والقوة لاخينا الشيخ بشير الصقال لانه منارة من منارات الموصل.
هذه القصة الواقعية كانت وليدة بيئة ما عرفت الحقد والضغائن، ومثلها كثير وعاها الزمان على تشابهها واختلاف سنواتها قديما وحديثا.
لعل التخالط والتداخل بين الأسر المسيحية والمسلمة في نينوى كان مميزا ومتميزا لان الجميع يوقن ان مفهوم الدين المعتدل الوسطي يجعل الانسانية فوق كل الاعتبارات، وكل جهة تعبد ربها وفق ما تشاء.
شخصيا لا أزال اذكر اصدقائي المسيحيين في مدرسة الحضارة الابتدائية في حي المحاربين سلوان وبهنام، وفي المتوسطة نشوان، وجيراننا بيت ابي حاتم الذين كانوا يشاركوننا مناسباتنا الدينية كعيد المولد النبوي وعيد الاضحى.
ولست وحيدا اعيش القصص السابقة فمثلي كثير، وخصوصا اولئك الذين ربوا في مناطق الجانب الايمن القديمة وكانت اواصر المحبة تحكم علاقاتهم.
الإنسانية التي جمعتنا لم تكن حكرا على دين دون آخر، فقد نادى بها سيدي عيسى عليه السلام كما نادى بها محمد عليه السلام.
(المجد لله في العُلا، وعلى الأرض السلام)، أحفظها كما أحفظ: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
مساجد مدينتي لم تكن بعيدة عن كنائسها، ومسجد هنا في ايمن الموصل شاهد، إذ لا يفصل بينه وبين الكنيسة سوى جدار متهالك.
ولطالما تعانقت تكبيرات المساجد بأجراس الكنائس، لترسم لنا التعايش في أبهى صورة وأجمل حلة، مؤذنة بحال واحد موحَد وموحد.
محاولات خبيثة مأجورة حاول اصحابها مؤخرا قطع الوشائج والروابط التي تجمع لا تفرق، داعش باجرامه كان ممثلها حيث وزع ظلمه وطغيانه واجرامه على المسلمين والمسيحيين بعد 2014.
العجيب ولنقل لا عجب انقلب السحر على الساحر، وسجلت المدينة نماذج تكتب مواقفها بأحرف من نور لعدد من المسلمين الذين استطاعوا ان يستقبلوا عددا من اهلهم المسيحيين، وحين كان داعش المجرم يفتش المنزل يقول لهم صاحب المنزل وهو يشير الى امرأة طاعنة بالسن: هذه جدتي.
ابطال هذه القصص رضي بعضهم أن يسجلها وآخرون أدخروا ما عملوا وجعلوا ذلك في طي الذاكرة الطيبة التي يعرفها رب السماء.
ولعل مساهمة المسلمين باعادة اعمار الكنائس المهدمة في نينوى يقابلها العون في اعمار المساجد المدمرة شاهد ايجابي فالحال واحد.
تبقى نينوى الاصيلة بكل دياناتها ومذاهبها ركنا اصيلا يجتمع فيه الجميع وتتكسر على أبوابها مؤامرات المفرقين الذين لفظهم التأريخ الى غير رجعة.
وكل عام واهلنا المسيحيون بألف خير..
وأتمنى لهم عيد ميلاد مجيد سعيد تحقق فيه كل الاحلام، وعلى رأسها حلم العودة إلى نينوى التعايش.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب