للهيمنة دلالات ومفاهيم كثيرة لا نريد أن نتطرق إليها, ولكن ما يهمنا في المصطلح الاستعماري للهيمنة, فهو يعني سيطرة دولة على دولة أخرى، وتوجيه قراراتها السياسية والاقتصادية في اتجاه المصالح والمكاسب والمنافع الشخصية والسلطوية للدولة المهيمنة، وتكون أداة ضغطها على شعب الدولة المهيمن عليها هي شخصيات وقيادات ورموز دينية وسياسية واجتماعية، أو تأخذ شكل أخر يتجلى بالتهديد والسطوة العسكرية.
ففي العراق بعد أن تقوقعت أو تراجعت الهيمنة العسكرية الأمريكية – لكن ليس بشكل كامل – بدأت هيمنة الدولة الجارة – إيران – الأخرى صاحبة الأطماع التوسعية والسلطوية التي ترمي إلى توسيع إمبراطوريتها الفارسية وتعيد أمجادها التي قضى عليها الإسلام, فبعد إن زرعت داخل العراق – شعبا وأرضا – من الرموز والشخصيات والقيادات الدينية والسياسية والاجتماعية, واستغلت تقهقر الهيمنة الأمريكية, بدأت بتطبيق هيمنتها على العراق وبسط نفوذها فيه, من أجل بلوغ أهدافها التوسعية السلطوية.
وقد تجسدت هيمنة إيران على العراق بالعديد من الأشكال والصور منها :
المرجعيات والشخصيات السياسية : هذه القيادات والشخصيات جاءت منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام السابق, ودخلت العراق بعنوان الجهاد والكفاح ضد النظام السابق بشكل اثر في الشارع العراقي بسبب الفوران العاطفي لدى العراقيين ورغبتهم في استلام السلطة كشيعة بما إن الذين كانوا في إيران من المجاهدين فتعتبرهم إيران ويعتبرون أنفسهم أحق من غيرهم في قيادة العمل السياسي في العراق, وقد أوجدت إيران هذه الشخصيات بشكل يتناغم مع رغبة الشارع العراقي وبهذا ضمنت وصول هؤلاء لمناصب مهمة في الدولة وبشكل يخدم مصالحها.
المليشيات والفصائل المسلحة : استطاعت إيران من إيجاد منظمات وفصائل و شخصيات داخل المجتمع العراقي وصورت منهم أبطالا ورموزا وقيادات تحمل الطابع الديني – الشيعي – ودعمتهم إعلاميا وماديا بشكل اثر في الشارع العراقي وبالتالي التحق العديد من الشباب العراقي بهذه القيادات وانخرطوا في تنظيماتهم المليشياوية لكي يخدموا من أوجدهم, وقد قامت إيران بزرع أكثر من شخصية وبشكل يتناغم مع توجهات وميول الشارع العراقي لكي تضمن استقطاب اكبر عدد ممكن من العراقيين لخدمتها.
شراء بعض من القادة والرموز السنية السياسية والدينية : تمكنت إيران من أن تصل إلى مجموعة من قادة ورموز السنة من القيادات الدينية والسياسية وخصوصا في السنوات الأخيرة واستغلت فيهم الرغبة للحصول على المنافع والمكاسب الشخصية والسعي خلف الأموال, وبهذا ضمنت ركونهم لسياستها وبشكل يخدم مصلحتها وأهدافها في العراق.
المرجعيات الدينية : المرجعيات الدينية من الوسائل الأكثر تأثيرا في الشارع العراقي, وهي أيضا مؤثرة وبشكل كبير في قرارات الحكومات والساسة حتى غير الموالين لإيران, فمن خلال هذه المرجعيات استطاعت إيران أن تؤثر في القرار السياسي والرأي العام العراقي, وكما يقول المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني في الحوار الصحفي الذي أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 18 / 4 / 2015م …
{…إيران نجحت وبأساليب مختلفة في السيطرة الكلية على الرموز الدينية والمرجعيات الفارغة الطائفية الانتهازية الأعجمية وغيرها فصارت تحركها كيفما تشاء ومتى تشاء ومن خلالهم تمت السيطرة على عموم الشارع العراقي الشيعي والسني… وهذا الأسلوب ممكن أن يتكرر مع باقي المجتمعات الشيعية في باقي البلدان فتحصل السيطرة الكلية والتحريك الجمعي بنفس المنهج والسلوك في العراق فيسير الجميع جاهلاً غافلاً نائماً مخدَّراً نحو تحقيق المشروع الإمبراطوري المزعوم …}.
أما الشكل الأخير من أشكال الهيمنة الإيرانية على العراق, هي الهيمنة العسكرية المباشرة والتي تتجلى بالتواجد العسكري والاستخباراتي الواضح والجلي من خلال وجود القيادات الإيرانية العسكرية كقاسم سليماني وغيره والتواجد الكبير لعناصر فليق القدس وعناصر الحرس الثوري الإيراني خصوصا في السنوات الأخيرة.
فمن خلال هذه الوسائل استطاعت إيران أن تهيمن على العراق أرضا وشعبا وقادة ورموز وخيرات وثروات ومقدرات, بحيث أصبح العراق باحة أمامية لإيران وهذا ما صرح به الساسة الإيرانيون حيث قالوا ” أن العراق أصبح عاصمة لإمبراطوريتهم” وهذا بفضل من سخرتهم لخدمتها وخدمة مصالحها وخصوصا من حمل عنوان المرجعية الدينية لأنه الأكثر تأثيرا في كل الوسائل الأخرى.