ذكرَ المرافق الخاص للرئيس عبد الكريم قاسم , الرائد الركن ” قاسم الجنابي ” اثناء معالجته من عدة رصاصات اصابته اثناء محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في عام 1959 قائلاً : < قلنا للزعيم قاسم لا تعدم الضباط , ولم يكترث > , وهذه نقطة لها دلالاتها في النهاية التراجيدية للحكم القاسمي .
وصف عالم الإجتماع الراحل البروفسور علي الوردي لعبد الكريم قاسم , بأنّه كانَ يحكم العراق بعقلية آمر لواء .!
ذكرَ رئيس اركان الجيش والحاكم العسكري العام في زمن قاسم , اللواء ركن ” احمد صالح العبدي ” , بأنه كان جالساً مع الزعيم ” العميد ” في نهار يوم محاولة الإغتيال التي جرت مساء ذلك اليوم , وطلب منه تخصيص سيارة مدنية لرجال الحماية لتتبع سيارته , لكنّ قاسم رفض ذلك وانه يؤمن بقدر الله تعالى , وتحدّث قاسم بأنّه على دراية مما يحاك ضده من مؤامرات لتصفيته .!
رئيس الجمهورية ” عبد السلام عارف ” الذي اعقب قاسم , واثناء محاكمته من قبل محكمة ” المهداوي ” آنذاك , رفضَ الإجابة على سؤالٍ لرئيس المحكمة قائلاً : < إنّ للثورة اسرار لا يعرفها إلاّ الله تعالى > , ولم يكشف عارف تلك الأسرار حتى بعدما اصبح رئيساً للدولة , وكان قد قام بترقية رتبته العسكرية من عقيد الى مشير .!
آثرنا اختيار هذه الأمثلة الأربعة في اعلاه دون غيرها من العشرات من ملابسات ومداخلات ثورة تموز منذ بدئها وحتى نهايتها , وكتمهيدٍ للدخول في قلب الموضوع وبإيجازٍ محدد .
البعض يسمّوها بثورة , وآخرون يسموها بإنقلاب , وفي حقيقة الأمر كانت في البدءِ انقلابٌ عسكري وثمّ تحولت الى ثورة غيّرت واقع ووضع العراق السياسي والإقتصادي وحتى الإجتماعي , وبذلك دخلت الإشتراكية لأول مرّة الى العراق واستمرّت الى غاية الغزو الأمريكي .
على الرغم من عشرات الكتب والمؤلفات ومع مئات البحوث والمقالات ” او اكثر ” التي تناولت ثورة تموز ومن زواياً مختلفة , لكنّ دخول الأنترنيت الى العراق ومعه السوشيال ميديا قدّ جرَّ نحو معاودة الإسراف في الكتابةِ عنها في كلّ مناسبةٍ او ذكرى سنويّة , وبلغت اعداد هذه الكتابات بما يصعب احصاؤها , وساهمنا في ذلك لعدة سنواتٍ ولربما لأسبابٍ سوسيولوجية – سيكولوجية , وحتى اكثر من ذلك مما لانعرفه .!
من بعض الملابسات المبهمة الأخرى في ثورة تموز تلك , والتي ما برحت قائمة الى غاية الآن .! فإنّ الولايات المتحدة التي ترفع السريّة ” وفق القانون الأمريكي ” عن الوثائق السياسية بعد مرور 25 عاماً عليها , فقد امتنعت مؤخراً عن كشف وثائق تتعلق بثورة 14 تموز تلك رغم مرور اكثر من 60 سنةٍ عليها .! ورُبَّ ذلك له علاقةً ما بحديث عارف في تلك المحاكمة او المحكمة او حتى ابعد من ذلك بكثير .! , وهذا يرتبط بشكلٍ او بآخرٍ في الدَور غير المفهوم لبريطانيا وامريكا في سقوط العهد الملكي , ودونما دليلٍ ملموسٍ وقاطع لحدّ الآن , رغم ما يحيط ذلك من اسلاكٍ شائكةٍ من علائم الإبهام والإستفهام .!
في سياق كلّ ذلك وسواه ايضاً , فالرئيس الراحل عبد الكريم قاسم الذي كان بمنصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة , ووزير الدفاع بالوكالة , مع تهميشٍ مضغوط لرئيس مجلس السيادة ” الفريق نجيب الربيعي ” الذي كان بمثابة رئيس الجمهورية < كما وضعُ رؤساء الجمهورية بعد الإحتلال الأمريكي والى الآن – مجرّدين من الصلاحيات والأجنحة للتحليق حتى على الأرض ! > , فلَمْ تتطرّق البحوث والمؤلفات لماذا لم يمنح قاسم لنفسه منصب رئيس الجمهورية , ولماذا ايضا لم يجرِ منح الفريق نجيب الربيعي صفة رئيس الجمهورية بدلاً من ” رئيس مجلس السيادة ” .! , كما ايضا , كيف تقبّل الربيعي لنفسه هذا الموقع المتدنّي .!؟ .. والى ذلك فتقديراتنا الأوليّة غير الدقيقة حول ذلك , فإنّها تتعلّق وترتبط ” بالحالة السلطوية – السيكولوجية , او امراض السلطة .! ” , ولابدّ أنّ للمسألة بعض الأبعاد الأخرياتٍ ممّا
قد لايمكن إيلاجها في رقميّة حسابات الكومبيوتر و غوغل , وحتى التحديثات اللائي تجري عليه ببطءٍ ملحوظ وكأنّه مدروس .!
ممّا لم يجرِ تسليط الأضواء عليه بشكلٍ كافٍ وشافٍ أنّ جنرالات الجيش العراقي وعِبر مختلف انظمة الحكم التي مرت ّعلى العراق ’ وبمختلف انتماءاتهم السياسية والمستقلّة , فإنّهم يُحمّلون الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم مسؤولية الحرب التي انهكت الجيش العراقي واستنزفته في حرب الشمال الطويلة الأمد , منذ اصدار قاسم العفو عن ” الملاّ مصطفى البرزاني ” وعودته او إعادته من المنفى الى العراق ومنحه امتيازات مالية لم يحظون بها الوزراء في عهده , حتى انقلب البرزاني على قاسم وشرعَ بمقاتلة الجيش العراقي لعقودٍ من الزمن , رغم ايضاً أنّ عبد الكريم قاسن منحَ ” المُلاّ ” 700 بندقية في البدء بذريعة حماية مواقعه في شمال العراق .! , حتى تولّت اسرائيل وايران بضخّ الأسلحة والصواريخ له لإستنزاف القوات العراقية الى حدٍّ حادّ , والقى بظلاله المضيئة على الوضع العراقي الراهن او المرتهن .!