12 أبريل، 2024 5:52 ص
Search
Close this search box.

صورتان مهمتان للتفكير الإستراتيجي الصائب

Facebook
Twitter
LinkedIn

في كل خطوة نخطوها لابد لنا من احتساب نتائجها جيداً وبالمسطرة على كَولة طيب الذكر ابو نفس الدنية الشيخ أبو لحاف، حينما كان يلقي علينا محاضرات في زمن كنا فيه عميان بامتياز! فقبل أيام قليلة زعل علينا أحد الأصدقاء لأنه كان قد أنشأ صفحة على الفيسبوك بعنوان (معا من اجل تغير الدستور لا تعديل الدستور) طالباً منا الإعجاب بها والمشاركة في رفدها بالمواضيع التي تدعم هذا الإتجاه، وعندما تمعنت بالموضوع جيدا ً وراجعت فقرات الدستور وجدت الكثير من الثغرات، ولكنني وجدته دستورا ً قوميا ً وليس طائفيا ً مع كل عيوبه، وفي حال إعادة كتابته؛ فمن المؤكد بأنه سيكتب هذه المرة بعناوين طائفية مقيته، وسنؤسس لتعميق وتجذير الخلافات السنية الشيعية في العراق، فنسبة التوافق العربي على هذا الدستور في وضعه الحالي كبيرة، ولا نحتاج لعملية غبية لضرب هذا التوافق وإعطاء الفرصة للآخر الإقليمي الذي يتحين الفرصة الكبيرة للتدخل في الشأن العراقي، ومن ثم تدمير كل منجزات الشعب النسبية التي تحققت بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق، فقبل أن نقوم بأي خطوة لابد أن تسبقها دراسة وتحليل ، ولكي نؤكد على أهمية هذا التفكير في كل قرار استراتيجي مهم ؛ أضرب مثلاً قريباً جدا ً ، وهو ما حصل من تداعيات ردا ً على الفلم المسيء لرسول الله محمد (ص) من قبل مجموعة ذكية جدا ً من المواطنين اليهود !
فحصلت الكثير من صور الرد على هذا العمل من قبل جماهير المسلمين على اختلاف مشاربهم ، وكانت الصور تختلف حسب عقلية المجموعة التي احتجت في منطقتها ، بدأت بقتل السفير الأمريكي وقيل الإعتداء الجنسي عليه ، والتمثيل بجثته ، وهؤلاء خدموا منتج الفلم حيث أكدوا صحة إدعائه بأن المسلمين هم مجرمون وطلاب قتل وحروب ،  وفي بعض المناطق اكتفت بالتظاهر السلمي الغاضب ، والمطالبة بطرد السفراء الأمريكان ، ولكن ما أثار إستغرابنا هو مطالبة الكثير ومن ضمنهم مسؤولي دولنا ومثقفيها إقرار قانون يجرم المسيئين إلى الأديان ! والحقيقة أن الجميع طبل لهذا الأمر وما علموا أن واحدة من أهداف الفلم هي استراتيجية بعيدة النظر ، ولم يقصد منتج الفلم الإساءة العابرة ،وإنما كان يستهدف ما يترتب على هذا الفلم . حيث يقول المفكر كريم محسن الخياط وأقول مفكر وليس فقط الأديب والشاعر المعروف في مقال له في صحيفة العراق اليوم : (أما الهدف الرئيس لمنتج الفلم؛ فقد حققه مثقفو المسلمين ومفكروهم  حينما أطلقوا دعوات كثيرة تطالب بسن قانون أممي! يجرم الإساءة إلى الإسلام والمسلمين والأديان بشكل عام، ويعاقب المسيئين. وإذا ما تحقق ذلك وسُن هكذا قانون؛ فإن المستفيد الأول من هذا القانون هو منتج الفلم، وأنصاره، واليهود بشكل عام، وأعداء المسلمين بشكل أعم، فأكثر الدعاوى- وفق هذا القانون المزعوم- ستُرفع من قبل اليهود، مدعين أن القرآن يسيء لليهود في كثير من آياته، فمن قوله: ( مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث) إلى قوله: ( مثل الذين حملوا التوراة ولم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)،وقوله: (… يحرّفون الكلم عن مواضعه…). وحينها سيقع المسلمون في مأزق أكبر من مأزق الإساءة العابرة، فأما أن يرفضوا الإنصياع إلى قانونٍ هم من طالب بسنه، وأما أن يكفروا بدينهم بالتخلي عن آيات من القرآن. وكحد أدنى فإن المحكمة الدولية ستمنع ذكر هذه الآيات- وهي كثيرة جداً- في المقررات الدراسية وعلى منابر المساجد، وعبر وسائل الإعلام، وسيبقى المسلم حذرا من ذكر اليهود حتى بآية قرآنية لئلا يتعرض للمساءلة القانونية، وستشكل لجنة في الموساد لمتابعة الإختراقات الكثيرة، لأن المسلمين لا يستطيعون أن يتوقفوا عن قراءة ختمات القرآن في وسائل الإعلام المسموعة، والمنظورالمسموعة، علما أن اسم الفلم: (براءة المسلمين) ربما يعبر عن هدفه: وهو أن يتبرأ المسلمون من قرآنهم الذي لم يذكر اليهود بخير في آية واحدة، كما  يتبرأ المسلمون من تاريخهم، لأن المحكمة الدولية ستفضي بحظر أو بحرق كثير من الكتب التاريخية والتفسيرية التي روت عن غباء اليهود وظلمهم وحقدهم وغشهم وخداعهم، وقالت بتحريف التوراة، فمقولة تحريف التوراة وحدها ستؤدي إلى حظر جميع كتب تفسير القرآن، وتحاكم من يكرر قولها من شيوخ المسلمين، لأنها تعد- في نظر اليهود- إساءة إلى التوراة ككتاب سماوي، فضلا عن كونها إساءة لليهود- قديما وحديثا- كونهم محرفين)، هذا فكر محسوب بدقه من قبل شخص واحد قد قال كلمة أعتقد أنها أفضل من كل ما قيل ، فالكثير كان يعتقد أن المقصود بالعنوان هو التأكيد فقط على همجية المسلمين، ولكن في الحقيقة بعد قراءة مقال المفكر كريم محسن الخياط يتبين للمطلع أن المقصود هو براءة المسلمين من بعض آيات قرآنهم التي تتحدث عن اليهود وحرق كل إرثهم التاريخي بهذا الإتجاه .
اذن علينا أن نتأنى في مواقفنا ولا نجعل عواطفنا وغرائزنا فقط هي المحرك لجثثنا بأي اتجاه ، وعلينا أن نحسبها بالمسطرة.
فيا مثقفي البلد عليكم بالتأني وحساب النتائج التي سيتمخض عنها إقدامكم على أي فعل استراتيجي، كتغيير الدستور،وليس تعديله !  فهل تريدون أن تتشكل لجنة لكتابة دستور وفق المحاصصة الطائفية والقومية معا، فاحسبوها جيدا ً وبالمسطرة ستجدون أن الدستور الحالي يحتاج فقط لتطوير بعض فقراته وتعديل البعض ، لا لكتابة دستور جديد .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب