قد يظن البعض ان الاعلام ضخم صورة مانديلا وقد يقول البعض ان سجن مانديلا لمدة ثلاثين عاما هو الذي اعطاه هذا الحيز الكبير من الاهتمام وقد يقول الاخرون ان مشروع مانديلا اكتمل وأثمر لبعد المستعر الابيض الذ ي يقبع في شمال الارض عن مستعمراته التي تقع في جنوب الارض . لكن كل ذلك لا ينكر ولا يدحض ان هذا الرجل الافريقي استطاع ان يتغلب على اعتى نظام تمييز عنصري في العالم ويحقق مشروع المساواة والعدالة في دولة يعيش فيها الابيض والأسود جنبا الى جنب .
ما الذي يمنع الامة العربية والإسلامية المعاصرة من ان يكون لها شخصية تقودها وتحقق لها ما حققه مانديلا وغاندي لبلدانهم وشعوبهم . على مدى القرن الماضي ظهرت شخصيات كبيرة في الوطن العربي والشرق الاوسط لكنها لم تستطيع ان تكمل الطريق وتنقذ الامة من هيمنة الاستعمار والفقر والجهل والتخلف بكل انواعه .انهم يظهرون بقوة وينتهون بهزيمة شنيعة او ينتهون بأنصاف الحلول . لذلك لم تكن لهم تلك الكاريزما الكبيرة والشعبية الواسعة التي تخلدهم وتجعل منهم نيلسون مانديلا او غاندي, انهم قادة مرحلين يتمتعون باهتمام مرحلي ما ان تنتهي مرحلتهم ينسون .
ومع بداية القرن الماضي ظهرت شخصيات اسلامية وعربية ذاع صيتها على المستوى المحلي والدولي , نستطيع ان نسمي هؤلاء بالقادة المرحليين مثل سعد زغلول في مصر الذي قاد الشعب المصري للمطالبة باستقلاله من الاحتلال الانكليزي لكن ما فتئا ان تلاشى دوره عندما نفي من قبل الانكليز الى جزيرة نائية , وظهرت شخصية عمر المختار في ليبيا لكنها انتهت بإعدامه من قبل الايطاليين لتنتهي الثورة الليبية دون ان تحقق اهدافها , ومن ثم ظهر قادة الانقلابات العسكرية مثل عبد الناصر الذي انتهى به المطاف بخسارة قناة السويس وسيناء امام اسرائيل عام 1967 ورحل دون ان يرى سيناء والقناة محررة , وجاءت الثورة الجزائرية بتضحياتها وقوتها واستمراريتها ضد المحتل الفرنسي ونجاحها بتحقيق الانتصار والتحرر من الاحتلال الفرنسي لكنها عجزت ان تنتج لنا زعيماُ يتمتع ولو بنصف كاريزمية نيلسون مانديلا وغاندي . ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية رغم نضاله الطويل هو ورفاقه ضد الصهيونية واعتلائه المنصات الدوليه للمطالبة باسترجاع الاراضي الفلسطينية المحتلة لكنه مات مسموما دون ان يرى ولو شبه دولة فلسطينية على الارض , و جاء صدام حسين رغم كل التحفظات الكبيرة عليه إلا انه لو احسن التصرف لكان قائدا من نوع خاص يقود ويحمي الامة العربية من اشرس هجمة عرفها التاريخ لكن بدخوله الكويت فتح الباب واسعا لانهياره وانهيار العديد من الانظمة بعده .وأخيرا لا يفوتنا ان نشير الى الخميني قائد الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 الذي ظهر بقوة وتوقع العالم ان يكون قائد عضيماً لكنه انتهى وكأنه يتجرع كاس من السم امام جيش صدام حسين في حربه مع العراق التي استمرت ثمان سنوات .
كل القادة الذين اشرنا اليهم لم يتمكنوا من ان يقتربوا او يقلدوا قادة كبار مثل مانديلا او غاندي على الرغم من وجود الظروف المواتية(الاحتلال , الجهل و الفرقة و التخلف ) في بلدانهم التي تساعد على ظهور مثل هذا النوع من القادة . قرن مضى ولم ترى الامة قائدا يستحق ان يكونوا بمستوى القادة الكبار على الرغم من ان الحضارة الاسلامية العربية وعلى مدى القرون الاربعة عشر الماضية انتجت قادة كبار حققوا للبلدان الاسلامية ما لم يستطيع غيرهم ان يحقق ولو جزء يسير منه . نتمنى ان يكون القرن الحادي والعشرين عكس القرن الفائت و نتمنى ان يظهر من الاجيال القادمة قادة بمستوى يفوق مانديلا وغاندي .