23 ديسمبر، 2024 10:55 م

صورة المعاق في الخطاب الثقافي المرئي والمسموع

صورة المعاق في الخطاب الثقافي المرئي والمسموع

يتمتع المعاق، ذلك المصاب في ولادته أو بعدها بوظائفه الحسية او العقلية او الحركية. يتمتع بالذكاء الحاد والحساسية المفرطة، وبقدر من المشاعر يجعل التعامل معه على وفق ما يؤكد مساهمته الجادة في بناء الحياة بمختلف ميادينها. وهذا ما لم نجد له صداه الكامل في جمهورية المعاقين (العراق) التي فاق نسبة المعاقين فيها نسبة المعاقين في اي بلد كان حين تجاوز عدد المعاقين فيها المليون، فازدهرت في العراق تجارة مستلزمات العوق بما فيها الكراسي المتحركة دون التفكير الجاد بصناعة جديدة لصورة المعاق في وسائل الثقافة والإعلام ، بما تحمل هذه الصورة من نبل وانصاف وتأثير على المتلقي على وفق اعتبار الاعاقة جزء من الحياة اليومية وعلى ان البرامج المعدة عن المعاقين لا تعدو عن كونها نمطا مألوفا لا توقع المعاق بالحيف ولا تجعل اضطهاده امتدادا لسلسلة الاضطهادات التي تعرض لها على مر الحقب العديدة من الزمن الفائت.
لقد قضت مجتمعات اوربا القديمة بإهمال المعاقين واعدام الاطفال منهم على وفق معتقدات خاطئة تشير الى تقمص الشياطين والارواح الشريرة لهم. ومن المؤسف أن يتبنى فلاسفتهم مثل تلك الخرافات فيضع ليكورجوس الاسبرطي وسولون الاثيني قوانينهما التي تسمح بالتخلص ممن لهم اعاقة تمنعه من الحرب والعمل. وجاء افلاطون بفكرة ان ذوي الاحتياجات الخاصة فئة خبيثة وتشكل عبئا على المجتمع وتضر بفكرة الجمهورية. اما هربرت سبنسر فقد طالب المجتمع بمنع شتى صور المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة زاعما ان هذه الفئة تثقل كاهل المجتمع بكثير من الاعباء دون فائدة. ودعت نظريات عنصرية فاسدة الى اهمالهم بزعم ان هؤلاء بلا فائدة اجتماعية قد ترجى منهم.
ويأتي العرب بوطاة أخف واكثر شفقة على المعاقين من كل هؤلاء ، وإن كانوا يمارسون واد البنات خشية العار وكانوا يتعففون عن مؤاكلة ذوي الاحتياجات الخاصة او الجلوس معهم على مائدة الطعام.
وفي وقت تخبط العالم بين نظريات نادت باعدام المتخلفين عقليا وأخرى نادت باستعمالهم في اعمال السخرة، اهتدى الشرق والغرب اخيرا الى فكرة الرعاية المتكاملة لهم. كما قضى الاسلام بوجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة صحيا ونفسيا والعمل على قضاء حوائجهم وسد احتياجاتهم، وخير شاهد على ذلك ما سارويه الان وبشكل مختصر عن حادثة شهيرة:
عبس النبي (صلى الله عليه وسلم) في وجه رجل اعمى حين جاءه ليسأله عن أمر شرعي. وكان (ص) يجلس الى وجهاء  من علية القوم يستميلهم الى الاسلام. ورغم ان الاعمى لم ير عبوسه ولم يفطن اليه ، فإن الله عز وجل أبى إلا أن يضع الامور في نصابها فأنزل آيات عاتبت النبي.
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى أن جاءه الاعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى.
إن العصور الاسلامية تشهد للكثيرمن المآثر التي تحققت للمعاقين وليس من المناسب هنا الخوض فيها كي لا نبتعد عن موضوعنا الأساس ( صورة المعاق في الخطاب الثقافي المرئي والمسموع ) للإعلام وسائل تقع ضمن المرئي والمسموع منها الصحافة ، الإذاعة، التلفزيون ، السينما، المسرح. وهذه الوسائل تنتج أشكالا تتوزع بين الخبر ، التقرير ، الريبورتاج ، المقابلات ، الدراما (الأفلام والمسلسلات) ، وعلى وفق معادلة ذات أطراف تبدأ بـ (المرسل ، الرسالة ، وسيلة الإرسال ، المستقبل) لتؤدي بالتالي الى بلوغ الأهداف المتوخاة من الرسالة.
وإذ نلاحظ إن هناك تهميشا حقيقيا لقضايا المعاقين وعدم جدية في تناولها عبر ميادين الفنون المختلفة وبالصورة المناسبة مع غياب استراتيجية واضحة في طرحها او التعامل معها00نجد الأحداث التي تجري على الارض العراقية يمكن ان تكون السبب في هذا التهميش فانه سبب يخالف حقيقة الاحداث الجارية على هذه الارض. فمقابل كل ضحية تستشهد في العراق هناك اكثر من ضعفها يتحول الى معاق لا يهم وسائل الاعلام بشيء .
ينبغي التعامل  مع قضايا المعاقين على وفق سمات من التعاطي ترتبط بالاحداث والفعاليات العامة والنشاطات التي تحدث داخل المجتمع . على ان لا يفتقر الى المنهجية والاستمرارية ووضوح الرؤية والاهداف التي تساعد في الوصول الى نتائج محددة.
وهناك بعض وسائل الإعلام تمتنع عن التغطية الإخبارية أو المعلوماتية لقضايا الاعاقة والمعاقين ولا تسلط الضوء على ما يحتاجه المعاقون من اثارة لموضوعاتهم وقضاياهم او تمنحهم المساحة الزمانية والمكانية لإبراز قضاياهم ودورهم في خدمة بلدهم او أسرهم او انفسهم واثارة ما يعانون من مشكلات على المستوى الطبي او الاجتماعي وصولا الى دمجهم في مجتمعاتهم ورعايتهم وتأهيلهم.
كما ان الجمعيات والمؤسسات الخاصة بالمعاقين ليس لديها ذلك الحس الاعلامي الذي يمكنها من استغلال وسائل الاعلام بصورة تعود بالنفع عليهم، اذ انهم لا يمدون وسائل الاعلام بما يكفي من مواد اعلامية حول قضايا الاعاقة والمعاقين ولا يتواصلون مع وسائل الاعلام التي تهتم بأمور أخرى لا تعنيهم.
ان الاعاقة موضوع متخصص ودقيق لا يتيح لكل اعلامي المعرفة الصحيحة الكافية حول مفهومه.
ناهيك ان محطات التلفزة تعتمد في تحويل برامجها على شركات معينة او مؤسسات مجتمع مدني لا تركز في اولوياتها على موضوعة الاعاقة فتبقى هذه الموضوعة مرهونة بوجود الممولين لها. اضافة الى ان هناك فلسفة تبناها بعض المؤسسات تجاه عدم قناعتهم من جدوى تخصيص برامج لذوي الاحتياجات الخاصة اتقاء للعزلة لكون المعاق لا يحتاج الى برامج خاصة به بقدر ما يحتاج الى من يرعاه مع إن لهذه البرامج اهمية في الكشف عن قدرات المعاقين وتوجيهها نحو اثبات حضورهم بما يساهم في خدمة الوطن. فقد لا يكون المعاق مثلا بطلا في كرة اليد او الكاراتيه ولكنه يبدع في ميادين تتوافق مع اعاقته كالكتابة أو الرسم او الاخراج او العزف او الغناء …الخ.
ان التعامل مع عالم المعاق يقتضي الاحاطة بطبيعة عوقه وظروف حدوثه وعمق تأثيره في شخصية صاحبه، مما يقتضي اعداد مادة الاتصال بما تلائم الاستعدادات الذهنية للمعاق وتنشيط السلوك الخيالي لديه.
وما قصة الشاب المصري الكفيف (نزيه) الا تأكيدا على دور اعداد مادة الاتصال في تنشيط الاستعدادات الذهنية لمواجهة اعاقته البصرية بما يجعله متمكنا من تحويل مسار حياته ليحدث فيها تحولا كبيرا على اعتباره مبدعا متميزا.
تلقى نزيه من صديق له هدية على هيئة كاميرا فوتوغرافية فراح يلتقط الصور معتمدا على سماع الاصوات المنبعثة من الطبيعة. يرسم الصورة في خياله ويبدأ بتحريك العدسة طبقا لتقديره لمكان الاشياء التي يحاول تصويرها.
وكان من أجمل الاشياء التي التقط لها صورا صورة مبنى التجارة العالمي في نيويورك. لقد أكد نزيه دلالة ان المعوق بصريا يحاول ان يكوّن في خياله صورة للعالم الذي يحيط به بغض النظر عن بعد الصورة او قربها من الواقع الفعلي.
إن تسليط الضوء على المعاقين عبر وسائل الثقافة و الإعلام يساعد على تخفيف النظرة السلبية تجاههم. وان العلاقة بين صناعة الاعلام والتاهيل الشامل للمعاقين يوصل الى طرق كفيلة باحداث ترابطها وتكاملهما بما يضمن مصلحة المعاقين وحقوقهم.
ان محتوى الخطاب تجاه قضية الاعاقة يتوقف على وجهة نظر صاحبه. فالقضية طبية من وجهة نظر الاطباء وخيرية في شمولها برعاية المؤسسات وقضية حقوق حينما يتناولها المعاقون انفسهم.
اذن هناك عدد من النماذج التي ينبغي بحثها لتقديم صورة منصفة لذوي الاحتياجات الخاصة هي:
1- النموذج الطبي: ويتم فيه التركيز على الاعاقة الجسدية كمرض والاعتماد على الاختصاصيين الطبيين لمعالجة مثل هذه الاعاقة0
2- نموذج المعاق المتميز (السوبر معاق) الذي يعمل بطريقة مذهلة للتغلب على اعاقته، وكأنه لا يحمل مثل هذه الاعاقة. (نزيه ، اليابانيون)
3- النموذج الاقتصادي: ويظهر فيه المعاق على انه بحاجة الى مساعدة الدولة او المجتمع للتغلب على اعاقته (اعتماد الشفقة والتوسل برعاية المعاق في برامج عراقية).
4- نموذج الاقليات: يظهر فيه المعاق على أنه فرد ضمن الفئة الاقلية يناقش ويحاور من اجل الحصول على حقوقه والدفاع عن مصالحه
5- نموذج الثقافة المتعددة: يكون المعاق متعدد الاوجه والاهتمامات حيث لا تمثل الاعاقة الا وجها من اوجه هذا الشخص.
وتشير النماذج الثلاثة الاولى الى نظرة تقليدية نحو المعاقين بينما يشير النموذجان الاخيران إلى نظرة تقدمية ايجابية نحو ذوي الاحتياجات الخاصة.
نقلت شبكة CBS الاميركية عبر تقرير مثير حالة الاطفال المعاقين الى انظار العالم تحمل مضامين انسانية واخلاقية وسياسية منها:
تشويه صورة الحكومة العراقية برصد حالة الفساد الاداري وتوجيه اللوم الى الجهات الحكومية مقابل تلميع صورة الجندي الامريكي على اعتباره يتمتع بانسانية وينفذ رسالة بلده في نشره الديمقراطية كمحاولة لمحو جرائم موثقة في سجن ابي غريب والمحمودية وحديثة.
وقد قامت الحكومة العراقية باتخاذ اجراءات فورية للتحقيق في صحة الشريط الاخباري الذي التقط في هذه الدار (دار الحنان للاطفال شديدي العوق) التي ضمت اطفالا مصابين باختلالات عقلية وعاهات ولادية. وشكلت لجنة تحقيقة حول الموضوع. وهي احدى دور الايتام التابعة لدائرة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتقع شمال غربي بغداد.
وثمة مثال تطبيقي آخر يتعلق بقضية الطفل العراقي علي اسماعيل الذي فقد اثر سقوط صاروخ امريكي على منزله 12 فردا من عائلته وبتر طرفاه العلويان اثر ذلك القصف.
البرنامج التلفزيوني الذي قدمته احدى القنوات التلفزيونية عنه واستضافته مع عمه والمحسن الكويتي الذي بادر الى تلقف معاناته وتبرع بتحمل مصاريف اقامته وعلاجه دون اهله من العراقيين الغيارى. اثار هذا البرنامج اهتمام العالم وثمة من اتهم القائمين عليه بتسيس آلام الطفل العراقي وجراحاته خدمة للجانب الامريكي ذلك ان المحسن المذكور في تصريحاته للبرنامج كان يبعد الامريكان عن كونهم سببا في الموضوع مصرا مع بعض المتداخلين على ان الفاعل الحقيقي والمجرم الفعلي هو صدام حسين مع ان الصاروخ الذي سقط على منزل علي كان امريكيا.
ما تقدم عبر المثالين اعلاه يؤكد تدخل وسائل الاعلام الاجنبية بالشان العراقي بما يحقق اهدافها المشروعة وغير المشروعة من وجهة نظرنا.
وان مثل هذه الوسائل تسعى الى تحقيق السبق الاعلامي جاعلة من وسائل الإعلام المحلية متخلفة عنها اضافة الى عدم مواكبتها لتطورات الحدث واظهاره ممثلا لوجهة النظر الوطنية وثمة ما يمكن اعادة الاحداث على وفق ما يمكن ان تحدث لا على وفق ما حدثت بالفعل عبر اشكال من التعبير الفني تحفل بانتاجها القنوات الاعلامية التي تعنى بالدراما التلفزيونية والسينمائية والمسرحية والمؤسف ان تظهر مواضيع الدراما المعاق على انه ضعيف والمعتمد على الاخرين في اعالته، ولان المعاقين هم الاقدر على اقناعنا نحن الاصحاء بوضعهم الحقيقي صار من الضرورة بمكان تسيس مراكز لموارد بشرية من المعاقين بدء من الكتاب مرورا بالممثلين وانتهاء بحاملي الرؤى الاخراجية التي تسعى الى دمج المعاقين ولو دراميا في الحياة المتلفزة.
وثمة نماذج مضيئة في العمل التلفزيوني اعتمدت على تشخيص المعوقين عبر شخصيات تظل راسخة في تاريخ الدراما التلفزيونية العراقية كشخصية الاحدب لمقداد عبد الرضا في مسلسل الذئب وعيون المدينة وشخصية الزوجين الابكمين في تمثيلية كتبها فاروق محمد ومثل فيها يوسف العاني وعوطف نعيم وآزادوهي صاموئيل وحازت على جوائز دولية.
ان اهمية مثل هذه الشخصيات تكمن في صياغتها الدرامية وفي قوة الاداء التمثيلي الذي ظهر عليه ممثلوها العمالقة ناهيك عن أهمية الموضوعة التي تناولتها الاحداث والتي تستهدف إنصاف المعاق بعكس ما ظهرت عليه شخصية المعاق في مسلسل حب في قرية حيث ظهر مغمورا بالعته والغبار اللذين يضحكان الناس منه على اعتباره في محل سخرية.
ان هذه الصورة الذهنية لدى المتلقي عن المعاق تثير التساؤلات وغالبا ما تستخدم في الدراما التلفزيونية للاساءة اليه ووصفه بالسلبية مثل الفاظ العجزة والعميان والطرشان وغيرها من المفردات التي تستخدم العاهة عند شتم الاخرين دون الالتفات لآلاف المعاقين الجالسين امام الشاشة.  في الغالب ينظر المسرح العراقي الى الاعاقة على انها ضعف بشري يرتبط بسمات سلبية ومواقف اجتماعية خاطئة كأن يرتبط العوق بالحسد والغيرة او يرتبط بالشؤم على اعتباره مرحلة لتوقف الابداع البشري او المشاركة الانسانية في التفاعل مع المجتمع.
وفي ما كان يسمى بالمسرح التجاري في العراق ارتبط العوق بالسخرية. وصحيح ان المعاق العادي هو ليس المستهدف في هذا الخطاب الا ان المتلقي سوف يستوعب ان العوق هو مادة للسخرية او حافزا للاضحاك الذي لا يعتبره المتلقي الساذج مجرد ضحك على الذقون.
ان وسيلة الاضحاك في هذا المسرح تستهدف الاطاحة بشخص الممثل حين يتحول الى هزءة عندما يمثل دور القروي على سبيل المثال فيحيله الى معتوه غارق في بحر الغباء من اجل صناعة قفشة تتوسل اضحاك المتلقي عبر اختلاق عوق ذهني او جسدي يثير الضحك عليه لا على الموقف الكوميدي الذي وضع نفسه فيه ناهيك عن استخدام الاقزام كممثلين في المسرحيات التجارية لتحقيق ما سمي بالقفشة التي استهدفت السخرية من قوامهم.
ان توقف نشاط هذا المسرح سيء الصيت في الظرف الراهن سيكون بالتأكيد مدعاة للقائمين عليه في ان يعيدوا حساباتهم ويبحثوا عن طرق مجدية لصناعة الكوميديا على وفق مستوى عال من الرقي ومساحة من الانسانية تنصف المعاق وتدعم حقوقه.
اما على مستوى المسرح العراقي الجاد فمن المؤكد انه اكثر انسانية من ذلك المسرح الرديء ، ومن المؤكد ايضا ان الشخوص المعاقة فيه محل احترام وتقدير 0 ويشرفني ان تكون لي مساهمة متواضعة في كتابة نص مونودرامي أعطيته عنوان (مصباح النوم ) يدور موضوعه حول معاق بسبب تعرض منزله إلى قذيفة دبابة  اودت بحياة زوجته وبترت ذراعه 0
انه ينهي الحدث المسرحي بقوله 00

هذا مثوى لكل أشيائي الجميلة 0 ما الذي تبقى من كائنين خرافيين خاضا هنا في بحر الشهد  وتمددا على سرير قابل لأن يورق ؟00
حين انقلب الشهد وحلا  خاض نصف كائن فيه 0 نصف كائن يتنفس في الوحل ،  سيمد يده الوحيدة إلى المحسنين طالبا ترقيعه  كي يطيل من زمن الوحل إلى حين
الذي حدث بالضبط 00ضربة , ضربة ألمت ّ  بصرحي المقدس هذا  ، على وفق شريعة جديدة للغاب  تكون الغلبة فيها للسرفات 0
الضاربون هنا هم الجناة والمضروبون ضحايا 0
يؤسفني أن تأتي الضربات قاصمة ، وان لا تأتي على قدر الذنوب التي نقترفها 0 ذنوبنا لا تتعدى حدود البراءة 0 أما العقاب فهذا الوحل الذي أتمرغ فيه
( يسمع عن بعد صوت سرفات تقترب ) إكراما لمن جاؤا على متونها سأنصب من بقايا جسدي عبوة ، ازرعها تحت سرفات الموت  حتى لا تزحف على ما تبقى من ارض خضراء 0  
( يهم بمغادرة المكان )  ثمة خضرة تحيط بهذا الحطام  وبقايا أحياء لازالوا يحلمون بملاذ آمن ( يخرج )
( ينطلق صوت انفجار هائل على إثره يمتلئ فضاء المسرح بالدخان الذي ينقشع فيما بعد مفسحا المجال لضوء ساطع يعم خشبة المسرح وصالتها على السواء )
المتتبع لحركة السينما العالمية يستطيع اطلاق تسمية (حقبة ذوي الاحتياجات الخاصة) على تسعينات جائزة الاوسكار العالمية بعد ان عرفت هذه الجائزة سنوات اكثر تقديرا وحفاوة بدراما المعاقين وحصدت فيها عدة افلام تناولت حياة المعاقين عددا هائلا من جوائز الاوسكار.
اظهرت السينما الغربية المعاقين على هيئة اشخاص خطرين واشرار – عدائيين غاضبين – لوحات خلفية تكميلية في الاحداث – منحرفين شاذين – عاجزين وغير مهرة – مهرجين ومضحكين – سيئين حتى مع انفسهم – عالة على الاخرين.
وقد تصدت السينما العربية للمعاقين مركزة على تقليد الغرب بشكل مشوه وان كانت بعض الافلام قد حاولت التصدي لهذا التيار وتقديم صورة ايجابية للمعاق على اعتباره مكافحا يحاول الاجتهاد لتقديم افضل ما يمكن دون النظر الى اعاقته كحائل دون طموحاته.
نماذج لافلام عربية
* فلم رد قلبي: بطولة حسين رياض الذي لعب دور الاخرس الذي تعرض للشلل نتيجة صدمة أثناء ذهابه لخطبة ابنة البرنس لابنه حيث يتعرض هناك للمهانة ويتهم بالجنون فتؤدي الصدمة الى شلله.
* فلم الاسطة حسن: يمثل فيه حسين رياض دور الرجل المشلول الذي يتعاطف معه المشاهد لانه تعرض لخيانة زوجته. وهذا التعاطف يبدو مؤثرا رغم قيامه بقتل زوجته في النهاية حيث تستطيع ان تلمس وتتفهم كمشاهد شعوره بالقهر.
* فلم الخرساء: مثلته سميرة احمد حيث نلاحظ استجداء العاطفة تجاه تلك المرأة المعاقة التي يتم اغتصابها بعد ان لم تستطع الدفاع عن نفسها او الافصاح عن شخصية الجاني.
قدمت السينما المصرية عبر هذه الافلام وغيرها صورة نمطية للمعاق تستدعي الشفقة لضعفها وانهزامها امام أحداث الواقع المعاش وعلى الضد من ذلك نشير الى فلم “ظلام ” الذي عرض في الرياض من قبل النادي الادبي للصم والبكم. وكان يتحدث عن فتاة ولدت فاقدة السمع والبصر وتعلمت القراءة والكتابة على يد معلم متطوع لتتخرج في الجامعة مع بلوغها سن الثماني عشر عاما.
وقد وصفه المعاقون بعد مشاهدته بانه فلم انساني يحث على الصبر ومجاهدة العنف وتحقيق النجاح بمساعدة من يحتاجون ، وقد تم طلب اعادته لمزيد من المشاهدة وان يرافق عرضه مترجم الاشارة.
وختاما يتطلع المعاقون الى التغطية الإعلامية  والصورة الفنية التي تتسم بالتقدير والاحترام لهم والاخذ بنظر الاحترام تجنب الصورة السلبية التي تشير الى عجزهم عن تحقيق الحياة المنشودة لهم والخالية من المنغصات ، وخير طريقة للوصول الى هذا الهدف هو اتاحة الفرصة للمعاق في ان يتحدث عن نفسه بنفسه ويعبر عن آرائه على وفق ما يشتهي وان يدحض الصورة النمطية المأخوذة عنه والتي يشاع فيها اليأس من الحياة.
ان الدراما المسموعة والمرئية باشكالها التلفزيونية والسينمائية والمسرحية التي يمكن انتاجها اعتمادا على قدرات المعاقين من شأنها ان تعبر عن همومهم الحقيقية وأن تصبو الى تحقيق تطلعاتهم في العيش على وفق حياة انسانية لا مجال فيها للشفقة والعطف عليهم بقدر ما توحي لهم بالتبجيل.