22 ديسمبر، 2024 10:28 م

صورة الرئيس الأمريكي في جيب المسؤول العراقي

صورة الرئيس الأمريكي في جيب المسؤول العراقي

تشكل الصورة رمزية فائقة في التعبير باتجاه التفسير لكونها تخلق ذهنية تذكرية تسمى الإدراك. هذا الافتراض يملأ الفكر بمصغرات عقلية ليست سوى نسخ عن أشياء موضوعية. هكذا يتم التقليد في زاوية ضيقة داخل عتبة الإحساس يسمى صورة متبقية أو تعاقبية.

الصورة الذهنية لم تتحرر من دور التابع، لأن الخيال يتحول الى ذاكرة، الى عداد للوجود تفسده لا مبالاة الحلم وينظمه اهتمام الإدراك بالحياة.

هنا نود التساؤل: إذا كانت الذاكرة تلون الخيال ببعض الرواسب المتبقية، فمن الصحيح أيضا ان هنلك جوهرا للخيال يميز تفكير الشاعر عن تفكير المحلل أو المؤرخ، وتفكير المغني عن الواعظ، وتفكير الصيدلاني الذي يضع أفعى محنطة وتفكير السيكوباثي والمازوشي الذي يوشم ذراعه بأفعى وعقرب وتفكير هؤلاء عن السياسي. ان الصورة هي حاملة لمعنى لا يمكن التفتيش عنه خارج المفهوم الخيالي، لكون المعنى المجازي هو وحده المعبر.

الرئيس الأمريكي لنكولن، لم يكن لديه لحية، بعد سنوات من حكمه أطلق لحيته المشهورة والمحدودة الحجم والشكل. لقد كان لنكولن بدون لحية، ذا وجه ضعيف هزيل جدا ومملوء بالتجاعيد، خدوده مقعرة باتجاه الفم مما يجعل الوجه أكثر ضعفا كأنه فقير معدم وبائس، لكنه فيما بعد أطلق لحيته. السؤال الطريف: لماذا أطلق لنكولن لحيته؟.

كان لنكولن يتجول في أماكن كثيرة لمتابعة عمله كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. مرة زار مدرسة ابتدائية كان فيها معرض لرسوم الأطفال. لا حظ ضمن الرسومات المعروضة صورة مرسومة من قبل طالبة صغيرة ولكن الصورة له وهو ملتحي، أثارته. سأل عن الطالبة التي رسمت اللوحة.

الطالبة: أنا.

الرئيس: هل تعرفين صاحب الصورة ؟.

الطالبة: نعم أنت رئيسنا لنكولن.

الرئيس: ولماذا بلحية وأنا حليق دائما؟.

الطالبة: وجهك بشع وباللحية يبدو أجمل.

من ذلك التاريخ ولنكولن لم يحلق لحيته، تأمل الاستجابة.

تيودور روزفلت الرئيس الأمريكي الذي جاء بعد لنكولن بسنوات، كان إذا واجهته مشكلة محيرة ومقلقة وأراد الإصلاح، يسند ظهره الى مقعده، يتأمل لوحة كبيرة للنكولن معلقة فوق رأسه في مكتبه بالبيت الأبيض ويسأل نفسه:

يا ترى، ماذا كان لنكولن يفعل لو أنه كان في مكاني؟.

الكثير من الرؤساء يضعون خلفهم صور ولوحات، قسم يضع مكتبة عامرة بالكتب والمعاجم، يضع أنواط وأوسمة وخرائط، البعض الآخر صور حيوانات أو قطعة من السجاد أو سورة من القرآن الكريم أو مقطع من الإنجيل وكلها مرموزات.

لكن، لو وضعنا إطار أو برواز فارغ فوق رأس مسؤول عراقي، يا ترى أية صورة من البوم عراقي يختار ليستوحي منها الإصلاحات؟.

تبدو الإجابة محيرة، ماذا تتوقعون، أية صورة ؟. سوف نرشح له حزمة اختيارات:

صورة(عمامة، عقال، سدارة، بيريه، كوفية كردية) تعود لشخصية وطنية عراقية رمزا،أو حقيقة،

أو صورة:

رياضي كسرت ساقه في الميدان مهمل،

معلم يضربه تلميذه وولي أمر التلميذ،

أرملة فقيرة يحيط بها أطفالها الأيتام مهجرون وبدون هويات رعاية وبطاقة تموينية،

مريض يتلوى في ممر مستشفى خربة، بدون أدوية الى جانبه عامل غير عراقي،

متسول ملابسه فيها من الثقوب أكثر من الجيوب،

طفل يجمع من الأزبال علب المشروبات الغازية ليعيل أسرته المنكوبة،

عائلة غرقت أثناء الهجرة،

استنساخ معاملة خريج أو خريجة عاطلة،

شبح بيوت في العشوائيات انهارت على رؤوس سكانها وتطلق عليهم الحكومة متجاوزين،

متظاهر مدني رشته خراطيم المياه وداسته أحذية رجال حفظ الأمن، بيديه لافتة( باسم الدين باگونه الحرانية)،

الموصل وأخواتها،

رتبة كبيرة لضابط دمج خلعها وهرب من ساحة المعركة،

جندي يقبل بسطال جندية أمريكية،

مدرسة طينية بدون صفوف وسياج ويفترش الطلبة الأرض الرطبة تصلح زريبة للحيوانات،

كنيسة تهشمت رسمة العذراء والصليب،

تفجير قبة الإمامين العسكريين،

واقعة جسر الأئمة،

امرأة ايزيدية مغتصبة،

إعلامي أو إعلامية مغدورة في حقيبتها كاميرا،

طبيب أخصائي مثقوب الرأس بالدريل الى جواره سماعة القلب تنبض لوحدها،

أستاذ جامعي مذبوح ومفصول الرأس عن الجسد فوقه مؤلفاته التي تدرس في الجامعات الأجنبية،

شرطي مرور قتل برصاص سائق طائش،

قارورة مجاري آسنة تزكم انغلقت البلاعة من أول زخة مطر،

أرض سبخة، يشطرها نهر عطشان، الشجر والنخيل والطيور ميتة،

بطاقة تموينية فارغة،

شهادات وفاة بسبب الاحتلال،

مسدس اخرس ينطق بلغة الإشارة على النخب،

حبل مشنقة،

أو صورة (سمچه خايسه من راسه).

السؤال: ماذا سيضع المسؤول، أية صورة قبل سورة الفاتحة على روح الحكومة؟.

الجواب: المسؤول العراقي، قبلا اختار صورة لنكولن، لكن، ليست تلك التي وضعها روزفلت فوق رأسه في البيت الأبيض، بل وضع في جيبه صورة لنكولن، الموجدة في الدولار الأمريكي.