28 ديسمبر، 2024 12:43 م

صورة الحياة في الموصل تحت حكم داعش عبارة عن مشهد من الخوف الدائم

صورة الحياة في الموصل تحت حكم داعش عبارة عن مشهد من الخوف الدائم

بقلم كيران نازيش “جريدة يواس اي توداي”
في الموصل الان، يتم ضرب واعدام الصحفيين بتهمة التجسس. اما الاطفال، فأنهم يشهدون الاعدامات بشكل معتاد وروتيني حيث لم يعد هنالك من مدارس يذهبون اليها. كما ان نسبة معتبرة من مرتبات الموظفين الحكوميين تصادر لصالح التنظيم المتطرف. غير ان كل تلك لا تمثل سوى جزء من صورة الحياة تحت حكم داعش المتشدد في الموصل منذ ان سقطت بيده بداية صيف العام الماضي حسب ما وصف سكان محليون محظوظون تمكنوا من الفرار نحو الاقليم الكردي الشمالي الذي لا يبعد سوى بضع عشرات من الكيلومترات وحسب.

يقول يوسف صباح، وهو صحفي سابق يبلغ من العمر 41 عاما وسبق له العمل في وكالة سما الموصل الاخبارية، يقول انه فر خوفا على حياته بعد ان عمد التنظيم خلال الاسابيع الماضية الى مطاردة الصحفيين والتنكيل بهم على خلفية اتهامهم بتسريب معلومات سلبية حول التنظيم في مناطقهم.

واضاف صباح “لقد تم اعتقال جميع من يملك عضوية في اتحاد الصحفيين بالموصل.” واضاف “لقد تم اتهامهم بالتجسس وهددوا بتصفية عوائلهم، فيما تم اعتقال بعض اصدقائي وتعذيبهم وضربهم برغم انه لا يوجد ادلة تدينهم في شيء”.

بداية شهر ايلول الماضي، قام التنظيم بإعدام 15 صحفيا امام انظار حشد كبير من الناس في مركز مدينة الموصل واجبر الاطفال على مشاهدة الاعدام بالقوة، حيث كان صباح من بين هؤلاء المشاهدين.

وبعد اسبوعين من فراره من المدينة، عمد التنظيم الى قتل شقيقه الذي كان يحاول الهروب من بين آخرين. واضاف صباح قائلا “اذا ما هرب اناس كثر، فان التنظيم سيفقد مصداقيته امام العالم”.

يقول محمد بكور، وهو مدرس يبلغ الـ32 من العمر وتمكن من الهرب شهر ايلول الماضي، يقول ان افراد التنظيم عمدوا بداية الى اغلاق كافة المدارس. غير ان هؤلاء عادوا وفتحوا المدراس بعد تعديلها وفقا لرؤيتهم الراديكالية المتشددة للإسلام. ويضيف قائلا “لقد تم منع الكتب العلمية والمنهجية التي تتحدث عن نظرية النشوء والكثير من العلوم الاخرى. كما ان العديد من المختبرات العلمية المدرسية تعرضت للحرق”. ويضيف بكور “ان فلسفتهم تقول ان الله وحده خلق العالم وليس هنالك من حاجة لتجربة علمية للبرهنة على وجود العالم الموجود اصلا”.

ويؤكد بكور ان العديد من الاطفال باتوا يعانون الصدمة نتيجة لوحشية نظام حكم داعش.

ويضيف قائلا “حينما يقطعون رقبة انسان امام الاطفال، فأن بعض هؤلاء الاطفال يتأثرون نفسيا فيما لا يتأثر الاخرون بذلك ويتقبلونه بشكل طبيعي. وفي غضون عام من الزمن، خلق تنظيم داعش مجتمعا اعتاد فيه الاطفال رؤية الكبار وهم يذبحون ويقتلون امامهم”. وحسب بكور، فان معظم الاطفال لا يذهبون الى المدارس، وان الحال يمكن ان ينتهي بهم في صفوف الارهابيين. اما عمالة الاطفال، فقد باتت امرا شائعا حيث يبيع الكثير من الاطفال قناني المياه والمأكولات في الشوارع بحثا عن لقمة العيش حيث قد لا يجني هؤلاء اكثر من 5 دولارات يوميا لأعالتهم وعوائلهم. لكن بكور يستدرك قائلا “اما اذا انخرط هؤلاء في صفوف التنظيم، فان بمقدورهم ان يجنوا اكثر لتلبية احتياجات عوائلهم”.

ويضيف كذلك “لن يكون لهم مستقبل ببناء المجتمع المدني وانما سيكون هنالك فوضى وحسب”.

من جانب آخر، بات الكثير من سكان الموصل محاصرين ويريدون الفرار منها بعد قرار الحكومة المركزية قطع المرتبات الحكومية عن الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش الذي كان يستقطع نسبة معتبرة من تلك المرتبات بغية تمويل نظام حكمه.

يقول اوس، وهو شاب يبلغ من العمر الـ22 من العمر وتمكن من الفرار مؤخرا، يقول ان التنظيم المتطرف استولى على معدات واجهزة بقيمة 4 ملايين دولار من معمل عائلته المتخصص بتعبئة الاغذية. وقد طلب اوس عدم الكشف عن اسم عائلته كونها لا تزال محاصرة في الموصل حيث يخشى على حياتهم هناك من بطش المتطرفين.

كما قال اوس ان التنظيم المتطرف اجبره وشقيقه على نقل رسائل شفهية وتنفيذ مهام معينة لصالح مقاتليه. لكن آخرين غير اوس يتطوعون للقيام بذلك بسبب ان الاعمال وموارد الرزق باتت شحيحة جدا هناك. وبرغم ان عددا قليلا من الناس بات يتبضع من الاسواق، الا ان تنظيم داعش لا يزال يجبي الضرائب من المحال واصحاب الاعمال بصرف النظر شحة العمل.

يقول اوس ان تنظيم داعش بات فعالا بيروقراطيا بحكم وحشيته قسوته على مدار العام الماضي. كما ان الموظفين الحكوميين الذين قطعت الحكومة المركزية مرتباتهم باتوا يائسين ويرغبون بالعمل لصالح التنظيم حتى في مقابل شيء قليل من المال.

ولا يشعر الجميع بوطأة الارهاب في الموصل، حيث ان هنالك من ابناء الطائفة السنية ممن يعربون عن رضاهم ازاء تنظيم داعش ونظام حكمه السني المتطرف، وهذا ضمن بلد تنحدر فيه الاغلبية السكانية بما فيها اغلبية كبار الموظفين الحكوميين من الطائفة الشيعية بالمقابل.

في هذا السياق، يقول عبد الله رحمن، وهو سني يبلغ من العمر 66 عاما، يقول معلقا “ان كل شيء افضل في ضل حكم داعش”. ان ابناء رحمن الثلاثة يعملون في ادارة المدينة المسؤولة عن الخدمات الاساسية مثل تنظيف الشوارع والصرف الصحي وجمع النفايات والكهرباء. ويضيف قائلا “ان هنالك الان نظام حكم صحيح، كما ان الحياة باتت ابسط وافضل”.

يمثل رحمن واحدا من 600 فرد من كبار السن الذين سمح لهم تنظيم داعش بالذهاب الى الحج. لكن رحمن والعديد مثله باتوا عالقين الان في مدينة كركوك شمالي العراق، حيث منعت السلطات المحلية عودتهم الى الموصل لأسباب تتعلق بأمنهم الشخصي وسلامتهم حسب ما اكد مدير شرطة كركوك العقيد سرحد عبد القادر.

ويقول عبد القادر معلقا “ليس بوسعنا تحمل مسؤولية هؤلاء الناس”.

غير ان رحمن لا يزال تواقا للعودة الى الموصل الخاضعة لحكم المتطرفين. ويقول رحمن “ليس هنالك من فساد في المجتمع، واذا ما قام احد ما بعمل مفسد، فانه يتعرض للعقاب.” ويضيف كذلك “اذا ما سرق احدهم، فأن يعاقب بقطع يده، فيما اذا تجسس احد ما، فأنه يعتبر عدوا ويتم قتله”.

وختم رحمن دفاعه عن نظام حكم المتطرفين يقول “ان هذا النظام يسمح بتحول الناس نحو الخير، وهوما يريده ويعض به الاسلام بحق!”.