23 ديسمبر، 2024 1:34 ص

صورة آغا بطرس في وثيقة بريطانية سرية

صورة آغا بطرس في وثيقة بريطانية سرية

الكتابة عن الخبث البريطاني أشبه بالكتابة عن الشيطان بحد ذاته. وهذه وثيقة بريطانية سرية قدمت الى لجنة الموصل التابعة لعصبة الامم المشكلة في 30 أيلول/سبتمبر عام 1923، ومحفوظة في أرشيف الامم المتحدة ، والتي قدمت رداً على سؤال وجهته اللجنة المذكورة ضمن عدة أسئلة للحكومة البريطانية عن شخص مثير للجدل يدعى (بطرس آغا) لارتباط إسمه بالقضية الآشورية. تحمل هذه الوثيقة الصادرة عن حكومة جلالة ملك بريطانيا الرقم 2559-3 [12422] ويرجع تاريخها الى 3 كانون الاول/ديسمبر عام 1924 ومسجلة في ارشيف الامم المتحدة بالرقم 41415. وسنحاول هنا تحليل هذه الوثيقة لمعرفة حجم الخداع الذي رافق قضايا تحرر الشعوب مطلع القرن العشرين، ومدى استغلالهم لتحقيق أهداف استعمارية.
نبذة عن حياته
هو بطرس إيليا شليمون يقيرا، ولد في الاول من نيسان/أبريل 1880 في منطقة باز الواقعة في جبال حكاري جنوب شرق تركيا في منطقة (وان) بين جولامرك وأورمار وتضم ثماني قرى. أبويه هما أيليا ودلو اللذان ينتسبان للكنيسة النسطورية. دخل مدرسة المبشرين الفرنسيين فتعلم الفرنسية. وعند انتقال عائلته الى أورميا- فارس (إيران حاليا)، إلتحق بالمدرسة الامريكية وتعلم الانكليزية. مارس التجارة في شبابه، فسافر الى الولايات المتحدة الامريكية حيث أقام فيها لمدة ثلاث سنين (1902-1905)، ثم سافر الى كندا وبريطانيا وايطاليا. عاد الى موطنه عام 1906. وفي حزيران 1906 تزوج من زريفة داود رسام. أتقن اللغات اللانكليزية والفرنسية والروسية والفارسية والتركية والكردية والعربية، بالاضافة الى اللغة الام (الآشورية). عُين موظفاً في القنصلية التركية بأورميا، وفي السنة التالية 1907 صدرت ارادة السلطان العثماني بتعيينه قنصلا تركيا في أورميا، ولقبه الناس ب (آغا) لصفاته القيادية ونظير مَد يد المساعدة لهم(1). ساعد القوات الروسية على بسط سيطرتها على مقاطعة أذربيجان في بلاد فارس فمنح رتبة كولونيل. في تشرين الثاني 1913 سافر الى روسيا بصحبة مار سركيس (أسقف سلامس) وزارا مدينة بطرسبرغ
حيث التقى ولأول مرة بالبطريرك الاشوري بنيامين مار شمعون. في عام 1916 عُين حاكما عاما على أورميا، أنشا لجنة الشباب الاشوري في أورميا، وأصبح رئيسا لها. خاض 14 معركة ضد الاتراك والاكراد والفرس وانتصر عليهم، وقُلد مقابل ذلك عدة أوسمة وميداليات عسكرية تقديراً لذلك. بانسحاب الروس إثر قيام الثورة البلشفية 1918، ووصول الانكليز الى المنطقة، طلب منهم مغادرة أورميا الى همدان، فغادروها في 18 تموز/يوليو 1918. ثم قررت السلطات البريطانية نقلهم الى معسكر للاجئين الاشوريين والارمن في بعقوبة، ليبعد لاحقا الى بغداد. في شباط 1920 تقدم بمشروع إعادة الاشوريين لمواطنهم الاصلية أو بالقرب منها، الا ان صعوبات كثيرة أفشلت المشروع، فجرى نفيه الى فرنسا في آب/أغسطس 1921، ليقيم في مدينة تولوز، ويموت هناك في محلة شاتو في 2 شباط/فبراير 1932 في ظل شكوك كثيرة بوفاته مسموماً.(2)
ترجمة الوثيقة
وثيقة سرية 41415
مذكرة حول موضوع أغا بطرس (مقدمة رداً على السوأل الخامس للاستبيان المقدم للحكومة البريطانية)
أغا بطرس، هو نسطوري من باز. أتهم بجريمة قتل قبل الحرب بسنوات عديدة، ومن أجل ذلك غادر موطنه الاصلي. إستقر في أورميا، حيث دخل المدرسة الاميركية وبقي فيها لعدة سنوات، وفي النهاية أصبح واحداً من أفصح الرجال في الاقليم. وشرع في وقت لاحق بالقيام بجولة تسول حول العالم. وانتهى هذا المشروع في كندا التي دخلها باسم مستعار هو الدكتور داي، وهناك دخل في مشاكل مع الشرطة المحلية، فأرغم على مغادرة البلاد. ومن كندا سافر الى لندن، ثم بلاد فارس، حيث قام لبعض الوقت بممارسة بعض الاعمال بأسم بيتر إيلو وشركاؤه. سافر لاحقا الى روما لاسباب غير معروفة لجلالة الملك، حيث قَلدهُ البابا وساماً.
عاد الى أورميا في عام 1906، حيث تزوج وإستقر لممارسة بعض الاعمال التجارية، فعُين قنصلا عن تركيا في السنة التالية. وعلى إثر اندلاع الثورة الفارسية قام بخلع الحاكم الفارسي وأعلن نفسه حاكماً على أورمية باسم الحكومة التركية. وبوصول الروس عام 1908 قطع علاقته بتركيا واصبح كاتباً في القنصلية الروسية ومعتمداً فوق العادة لها. وأرسل لاحقاً في بعثة الى بتروغراد برفقة الارشمنديت الروسي بصفته ممثلا عن مار شمعون بطريرك الاشوريين.
وفي أوائل عام 1918، وبعد جريمة قتل مار شمعون على يد سمكو أغا (زعيم كردي)، نظّم الاشوريين ضد الاتراك، وكقائد لهم خاض 14 معركة ناجحة نيابة عن الحلفاء. وإثر الانسحاب الروسي وفي مواجهة القوات التركية الساحقة، إضطر في نهاية المطاف الى الانسحاب الى العراق ومعارضا إنضمام قواته لبريطانيا. وحال وصوله الى همدان برفقة 35 الفا من ابناء جلدته، جرت محاولة الاستفادة من خدماته في تشكيل الوحدات الاشورية تحت قيادة ضباط بريطانيين. ولاسباب مختلفة خصوصا ميله المتأصل للعناد، فقد إنغمس في دسيسة ، ولعدم الثقة به عموما، فقد وجد بانه غير ملائم للعمل لذا نقل الى مخيم اللاجئين في بعقوبة. وهنا إنغمس ثانية في الدسائس وأصبح وجوده في المخيم لا يساعد على استقرار اتباعه اللاجئين، وأخذ يعمل ضد إنجاح خطة الانخراط في الكتائب الاشورية، لذا ارسل
ليقيم في بغداد. وفي آذار/مارس 1920 تقدم بخطة العودة الى الوطن لكل اللاجئين الاشوريين في إقليم السهل الاسفل بين الحدود التركية-الفارسية.
وفي المحصلة النهائية فشلت الخطة التي لم يضطلع بها في الواقع حتى أكتوبر من ذلك العام، والتي ستدرج في الصفحات 103،104 و105 من نسخ تقرير ادارة العراق (تشرين الاول 1920-آذار 1922) والذي ابلغت به اللجنة مقدماً. وبانهيار الخطة التي يرجع الى حد كبير لاغا بطرس، في عدم قدرته على السيطرة على شعبه، تكشف حقاً عن اي الصفات المطلوبة للقيادة، لذا قُرر إجراء إعادة توطين الآشوريين بشكل تدريجي. وقد عارض أغا بطرس ذلك بقوة وبذل كل التأثير لثني أتباعه من المشاركة، ونظراً لمؤامراته الثابتة ومعارضته المستمرة لخطة الحكومة البريطانية في إعادة التوطين بما يعرض نجاحها للخطر، وقد شعرت بانه ليس من المناسب السماح له بالبقاء في البلد.
ووفقاً لذلك، ففي صيف عام 1921 وبناء على طلب السلطات البريطانية غادر أغا بطرس العراق الى فرنسا، حيث وضَع قضيته أمام الحكومة البريطانية. ولذلك فقد أتيحت له كل الفرص ومنح عدد من المقابلات مع الاقسام المعنية لحكومة جلالة الملك. وفي نهاية المطاف، فقد قدّم خطة مفصّلة لاقامة دولة أشورية متمتعة بحكم ذاتي تحت رعاية بريطانيا العظمى. وهذه الخطة وبعد دراستها كاملة من الحكومة البريطانية قد وجد بانها غير قابلة للتطبيق. والاكثر من ذلك فقد شعرت بان أغا بطرس لم يعد لديه أي خضوع حقيقي بين أبناء جلدته وبأن شخصيته واسلافه كانوا مثل عائق له في أي مساهمة قيمة لحل مشكلة مستقبلهم. ومع ذلك، وبناء على طلبه، فقد منح الاذن في عام 1923 للعودة الى العراق. ولم يكن قد هيأ نفسه لهذا الاذن، ومنذ ذلك التاريخ وهو يقضي وقته يتسكع في أوربا، ويقدم نفسه كممثل مقبول لقيادة الآشوريين، ومن وقت لاخر يحضر (غير مدعو) الى المؤتمرات الدولية لتقديم وجهة نظره الخاصة كحل صحيح للمشكلة الاشورية.
تحليل الوثيقة
أشارت الوثيقة الى عدد من الوقائع المحرفة بشكل دقيق يصعب على أي أنسان كشف حقيقتها، لاسيما في زمن تحرير هذه الوثيقة المقدمة الى اللجنة الاممية والتي أعدت تقريرها على ضوء هذه الوقائع، والتي شكلت أساسا لقرار مجلس عصبة الامم في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1925 القاضي بإبقاء ولاية الموصل ضمن دولة العراق الحديث. وسنحاول هنا البحث في تلك الوقائع وبيان حقيقتها لكشف ما رافقها من تضليل وحقد تنضح به كل كلمة في هذه الوثيقة.
1. الاتهام بجريمة القتل
بسرعة البرق وفي السطر الاول من المذكرة إتهمت بريطانيا بطرس آغا بانه (أتهم بجريمة قتل قبل الحرب بسنوات عديدة، ومن أجل ذلك غادر موطنه الاصلي).
والحقيقة، ان بطرس لم يكن هو المتهم بجريمة القتل، كما إنه لم يكن السبب في مغادرة عائلته لموطنها الاصلي في حكاري بتركيا والانتقال الى أورميا في بلاد فارس. بل إن المتهم كان أخوه الاكبر مرزا الذي كان السبب في مقتل ابن عمته متي بالخطأ. وتفصيل القصة كالاتي:
“أجليت عائلة بطرس من قريتها الى قرية أخرى على أثر مقتل أبن عمته متي على يد أخيه مرزا. يروى الحادث بأن مرزا رجا أمه دلو أن تسمح له بحمل البندقية للذهاب بمعية ابن عمته متي بن القس دانيال لرعي الغنم على جبل (قادك) في قرية الباز السفلى، وفي المرعى بدء الاثنان يلهيان بصيد الطيور وقد حشرت الاطلاقة في بندقية متي ولما هرع مرزا لاصلاحها ثارت فجأة واصابت مقتلا من متي الذي قضى نحبه في الحال، تسلق اهل القرية الجبل هلعين ظناً منهم بأن الاكراد قاموا بسلب الاغنام فوجدوا متي مطروحا على الارض مخضبا بدمائه ومرزا متنحيا جانبا وقد تملكه الخوف والفزع. إجتمع شيوخ القرية حسب التقليد المتعارف عليه أنذاك وقرروا أن يتم ابعاد عائلة بطرس من القرية لمدة سبع سنين”.(3) في حين ان النص الاصلي الانكليزي للوثيقة يقول:
(He was accused of a murder a number of years before the war and on that account left his native district.)
2. جولة التسول
من المخجل ان نرى وثيقة صادرة من جلالة ملك بريطانيا تصف فيها شخصا ذهب للتجارة في أميركا وكندا وبريطانيا وايطاليا ، بانه شرع في جولة تسول حول العالم، حيث تقول الوثيقة:
(he embarked on a begging tour round the world).
ومن المؤكد إن القصد من هذا الاتهام هو الإساءة لسمعة بطرس لدى بني قومه وأتباعه وللاخرين. وهي محض دعاية مغرضة.
ويبدو إن بطرس آغا قد تناهى الى اسماعه بعض من هذه الاوقاويل، فنراه يردُ على بعض منها في رسالة كتبها باللغة الاشورية (الكلدانية) في باريس من فندق جراند هوتيل مؤرخة في 4 كانون الثاني/يناير 1922، يقول فيها:
“الحقيقة أتأسف أن اصرف من وقتي هذه الدقائق في الكتابة لكم بخصوص الادانة الصادرة منكم ضدي، وأود أن أعلمكم بأن من عادتي أن لا أعير أهمية ولا أبتئس إذا رجمت بالحق، ولكن يسوؤني جداً ويملؤني غيظاً لما تفبرك ضدي من تهم باطلة أو يفترى عليّ بالاكاذيب والدجل”.(4)
ويقول في مكان آخر من الرسالة ذاتها ” أليس في علمي بأن تصويري الشخصي يباع ب (ليرة) في أسطنبول وأماكن أخرى؟ ألم يكن بمقدوري أن أذهب الى بعض الدول وأجمع أموالا كثيرة كما أنتم فاعلون؟ ولكن هذا ليس من شيمتي.. ولا يشغلني شيء غير أمتي التي أعتبر حياتي وكل ملك الدنيا دونها”.(5)
3. إنتحال اسم مستعار
أشارت الوثيقة البريطانية الى إن مشروع بطرس في التسول قد إنتهى في كندا عندما وصلها باسم مستعار هو الدكتور داي.
(This enterprise ended in Canada, where travelling under the pseudonym of Dr. Day).
ويرُد بطرس على ذلك في رسالته المذكورة في أعلاه بالقول: أما السمعة ..فليس هناك من إنسان لا يرغب في أن يكون له إسم لامع، لكن ليس ذلك بيده فالامر مرهون بما يقدمه ويتميز به. وفي شبابي عندما كنت في أمريكا كان لي إسم مميز، ولما مكنني الله من سحق القوات التركية الظالمة وساعدني على فتح الطريق بين مدافع ورشاشات الاعداء وتخليص بني قومي، أصبح لي إسم آخر هو (سبحانك يارب).
4. وسام البابا
يبدو إن المخابرات البريطانية لم تعرف سبب زيارة بطرس لروما ولقاءه بالبابا بيوس العاشر بابا الفاتيكان آنذاك(6) ومالذي دار بينهما. ألا إنه جرى استغلال هذه الزيارة بقصد تحريض أتباعه وبني قومه ضده، لاسيما وانهم من أتباع الكنيسة النسطورية، ويختلفون مذهبيا مع الكنيسة الكاثوليكية. كما إن يريطانيا تعتنق المذهب البروتستانتي الذي إنشق عن الكنيسة الكاثوليكية على يد مارتن لوثر عام 1517. وقد استخدمت هذه الفرية للإيحاء للآشوريين بأن بطرس ينوي جرّ قومه للانتماء للكنيسة الكاثوليكية في روما. وبالتأكيد أن ذلك التحريض قد لاقى استحسانا من أسرة البطريرك الاشوري وخاصة أخت البطريرك المدعوة سرمة خانم) والتي لعبت دوراً كبيراً ضد بطرس آغا لتنفرد هي بزعامة الآشوريين وتخضعهم لبريطانيا.
حيث تقول الوثيقة البريطانية (سافر لاحقا الى روما لاسباب غير معروفة لجلالة الملك، حيث قُلده البابا وساماً).
وفي النص الانكليزي:
(Later he travelled to Rome and for some reasons unknown to His
Majesty’s Government was decorated by the Pope).
وفي الرسالة السالفة الذكر يردُ بطرس على هذا الافتراء بالتفصيل قائلا: “وثمة إخوة من معارفي يدّعون بانهم إستلموا رسالة من لندن تقول بأن آغا بطرس كان يحاول أن يجُر بني قومه للانتماء الى كنيسة روما الكاثوليكية، وقد منح وساما من البابا تقديراً لهذا المسعى، وهذا كان سبب فقدان القوات الانكليزية ثقتهم بالآشوريين حسب ما جاء في الرسالة. ورداً على التخرصات الواردة على الرسالة الانكليزية، إسمحوا لي أن أفند كل ما جاء بها بالنقاط التالية:
اولا. بخصوص جهودي وتعهدي في نقل أبناء أمتي الى الكنيسة البابوية.. حقاً إنه إفتراء متقن من صنع الانكليز حيث وجدوا في ذلك ضرباً على الوتر الحساس.. إني أقسم بكل المقدسات بأن ليس هناك أي تعهد بهذا الخصوص لا شفهياً ولا تحريرياً.
ثانياً. أما بخصوص الوسام المزعوم من البابا.. أقول اللعنة على كل من يقبل هذا الوسام من أجل خدع رعيته.. وإن كل مافي الامر.. أنه في سنة 1904 سافر المرحوم مار توما أودو (الالقوشي) الى روما ولدى عودته جلب معه ثلاث صلبان هدايا قدم واحداً منها الى رمزي بك سفير تركيا في تبريز والاخر الى اسكندر افندي وأصغرهم قدمه لي، ولا أظن في ذلك أي مأخذ. وفي الثامن عشر من تشرين الثاني سافرت الى روما ومنحت هناك وسام صليب مار گيورگيس الذي منح نفسه لمن كان معي من أبنائنا الضباط. وإذا اعتبرتم التقرب من روما نوع من المهانة.. أني أقول لكم إن في هذا خطأ جسيم يعود بالضرر على الامة.. لاننا اليوم كالغريق يتشبث بكل ما تطول اليه يده لانقاذ حياته، ايهما افضل أن نكون على حسن العلاقة مع البابا أو على سيئها. الا ترون الدول كيف تقيم وزناً للعلاقات الدبلوماسية وتنفق على ذلك مبالغاً كبيرة في فتح السفارات في روما والفاتيكان؟ أي أن كل دولة تقيم سفيرين لها في ايطاليا واحد في روما والاخر لدى البابا في الفاتيكان، أترى كل هذه الدول على ظلال ونحن على سواء السبيل..؟
أم سيئاً كان مافعله البابا لما أوعز للكاردينال (چسبري) المسؤول البابوي للشؤون الخارجية أن يكتب الى أمريكا وأنكلترا وفرنسا والى مؤتمر السلام يحثهم بوجوب إعطاء الحكم الذاتي اللامركزي للكلدو-أشوريين، أم سيئاً فعل في منحه الأوسمة الكبيرة لابناء أمتنا وإحترامهم بهذا الشكل. وهل فيها شيء من الخسران إقامة علاقتنا مع (300) مليون مسيحي كاثوليكي في أوربا وأمريكا وكسب ودهم ودعمهم لنا؟ وهل يحق لنا في هذا الظرف العصيب أن ندير الظهر الى كل هولاء ونتمسك بالفرية الانكليزية القائلة بأن القوات البريطانية قد فقدت ثقتها بالاشوريين لسيرهم وراء آغا بطرس الى جانب الحضرة البابوية؟ يستشف من هذا بأن الانكليز هم أعداء البابوية ليس إلا.. وكل العالم يعرف بأن هناك عداء مذهبي بين الطرفين”.(7)
5. خلع حاكم أورميا
تذكر الوثيقة البريطانية أن بطرس آغا قد خلع حاكم أورميا الفارسي وعيّن نفسه بدلا عنه. حيث تقول: فعُين قنصلا عن تركيا في السنة التالية. وعلى إثر اندلاع الثورة الفارسية قام بخلع الحاكم الفارسي وأعلن نفسه حاكماً على أورمية باسم الحكومة التركية.
وفي النص الانكليزي(Upon the outbreak of the Persian revolution he depose the Persian Governor and ruled Urmiah in the name of Turkish Government)
والحقيقة إن الثورة الفارسية قامت في بلاد فارس عام 1907 والتي تعرف بالثورة المشروطية، وتعتبر أورميا وهي منطقة ذات أغلبية مسيحية ثاني مدن مقاطعة اذربيجان الشرقية بعد تبريز مركز المقاطعة التي تقطنها الاغلبية الآذرية. أصبحت تبريز مركز ومعقل الحركة الثوريَّة الدستوريَّة في إيران خلال الفترة المُمتدة بين عاميّ 1905 و1911م، بعد أن قام الشاه محمد علي قاجار بإغلاق مجلس الشورى وإلغاء الدستور نظرًا لأنَّه يتعارض مع الشريعة الإسلاميَّة، فقصف المجلس بالمدفعيَّة بمُباركة وموافقة كلٌّ من روسيا وبريطانيا. فاستاء الإصلاحيَّون من ذلك، وثاروا في تبريز وعدَّة مدن إيرانيَّة مُطالبين بعودة الحياة الدستوريَّة، وفي شهر يوليو سنة 1909م انطلقت قوَّة من الثوَّار المؤيدين للدستور من تبريز بقيادة ستَّار خان وباقر خان الأذريين، ویپرمخان داویدیان الأرمني، وشيخ الإسلام أبو الحسن علي بن هلال الجزائري، وبلغوا طهران حيث خلعوا الشاه وأعادوا العمل بالدستور. أعلنت إيران حيادها خلال الحرب العالميَّة الأولى، لكن على الرغم من ذلك فقد احتلت تبريز الجيوش الروسيَّة التابعة لمُعسكر الحلفاء، ومن ثمَّ الجيوش العثمانيَّة التابعة لمُعسكر المحور، لكن كِلا الجيشين انسحب منها بُعيد انسحاب دولته من الحرب.(8)
عند إحتلال الدولة العثمانية لمقاطعة أذربيجان، صدرت ارادة سلطانية من السلطان العثماني في أسطنبول في آيار/مايس 1909 بتعيين بطرس آغا قنصلا تركياً في أورميا بحكم كونه مواطن تركي ويجيد اللغة التركية براتب سنوي قدره (500) ليرة ذهبية إضافة الى مخصصات السكن والتأثيث والسفر، وتخويله بصلاحيات كبيرة وتكليفه بمسؤوليات عديدة منها:
* منح جواز سفر للجالية التركية في أورميا.
* منح سمة المرور للايرانيين في أورميا للسفر الى تركيا.
* منح الاقامة للاتراك في أورميا.
لذا فإن اتهام بريطانيا لبطرس آغا بخلع حاكم أورميا لتنصيب نفسه محله هو إداء باطل بقصد الاساءة لسمعته والاضرار بها.
6. تمثيله للبطريرك الآشوري
تشير الوثيقة البريطانية الى إن بطرس آغا سافر الى بتروغراد في روسيا ممثلا لبطريرك الاشوريين بنيامين مار شمعون، حيث تنص على:” وأرسل لاحقاً في بعثة الى بتروغراد برفقة الارشمندريت الروسي بصفته ممثلا عن مار شمعون بطريرك الاشوريين”.
وفي النص الانكليزي:
(He was subsequently sent on a mission to Petrograd, accompanying the Russian Archimandrite in the capacity of representative of Mar Shimun, the Assyrian Patriarch).
ويحتاج تحليل هذه الفقرة الى جهد كبير لما فيها من خداع وتضليل كبيرين يؤدي الى خلط الامور وتشويشها، وكمايلي:
أولا. اسم المدينة
عندما سافر بطرس الى روسيا، كان إسم المدينة التي حلّ فيها هي بطرسبرغ، ويبدو إن الادارة البريطانية لم تكن دقيقة في ذلك حيث أوردت إسم المدينة بصيغته الجديدة (بتروغراد) وهو الاسم الالماني لمدينة بطرسبرغ التي اسسها قيصر روسيا بطرس الاول عام 1703، والتي غيّر إسمها الى بتروغراد من عام
(1914-1924)، ثم غيّر بعد ذلك الى لينينغراد تكريماً لقائد الثورة البلشفية لينين (1924-1991)، ثم أعيد اسمها القديم سانت بطرسبرغ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عهد يلتسين (1991-حتى الان).
وعندما سافر اليها بطرس آغا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1913، كان مازال اسم المدينة سانت بطرسبرغ، ولم يتغير الى بتروغراد الاّ في السنة التالية. بينما تؤرخ الرسالة الثانية لبطرس من بطرسبرغ في 21 كانون الثاني/يناير 1914. ومن المتوقع ان لرحلته إستمرت حتى مطلع شباط/نوفمبر 1914. ولكن من الموكد إنها كانت قبل تغيير اسم المدينة الى بتروغراد، حيث ان الرسائل الثلاثة تذكر صراحة إسم المدينة بطرسبرغ.
ثانيا. رفيق الرحلة
إدعت الوثيقة الانكليزية بان رفيق رحلته الى سانت بطرسبرغ هو الارشمندريت الروسي (لم تذكر اسمه)، وهذه قرينة على عدم دقّة الوثيقة ومدى التضليل فيها. ولدينا ثلاث رسائل كتبها بطرس آغا بخط بيده وارسلها من بطرسبرغ لاتباعه. يذكر فيها إن رفيقه في هذه الرحلة هو مار سركيس أسقف مدينة سلامس وهي واحدة من ثلاث مدن رئيسية يتواجد فيها المسيحيين في أيران (أورميا، سلامس، وخوي). ولم يكن مار سركيس روسياً بل مواطنا فارسياً. أما لقب الارشمندريت فيدل على رتبة دينية في الكنيسة الاثوذكسية تقابل لقب (أسقف). (10)
ثالثا. تمثيل مار شمعون
لم يكن بطرس آغا ممثلا للبطريرك الاشوري بنيامين مار شمعون (11) الذي كان يتمتع بالسلطتين الدينية والدنيوية والذي لم يتنازل عنها الى يوم مقتله على يد سمكو شكاك عام 1918 رغم مناشدات بطرس آغا بأن يترك مثل هذه الامور له قائلا: (فداؤك سيدي اترك هذه الأمور لنا ونحن خير من يقتدر منها، لك الصليب واترك السيف لنا) (12)، ولم يزر بطرس آغا سانت بطرسبرغ ممثلا للبطريرك المذكور. وهكذا فليس من المعقول أن يمثل قنصل دولة معينة زعيماً دينياً، مهما تكن العلاقة بينهما.
وخلاصة الامر إن الحكومة الروسية قد أوفدت قنصلها في أورميا بطرس آغا لزيارة بطريرك الآشوريين بنيامين مار شمعون في حدود عام 1909، وكان هذا أول لقاء لبطرس بالبطريرك الآشوري، وإبلاغه جواب الحكومة الروسية رداً على رسالة سابقة للبطريرك المذكور يطلب فيها الحماية الروسية، وإن ارشمندريت روسيا سيقوم بزيارته لاحقاً. وبالفعل تمت الزيارة حيث بعد فترة قصيرة، وكان الاشمنديت الروسي برفقة 40 ضابطاً روسياً مما حدا بالسلطات التركية لمنعه قائلين: انك كاهن ويجب أن يصحبك كهنة وليس ضباطاً.
7. الانسحاب الى العراق
تذكر الوثيقة البريطانية إن بطرس أغا انسحب الى داخل العراق بإرادته، بقولها:” وإثر الانسحاب الروسي وفي مواجهة القوات التركية الساحقة، إضطر في نهاية المطاف الى الانسحاب الى العراق”.
وفي النص الانكليزي:
)Owing to the Russian retirement and faced with overwhelming Turkish force,
he was eventually compelled to retreat into Iraq).
إن هذا الموضوع بحاجة الى توضيح بعض الحقائق، بشيء من التفصيل، عن اسباب انسحاب بطرس آغا ومقاتليه من أورميا الى داخل العراق.
ابتداءا، يمكن القول إن مسيحيي الكنيسة النسطورية، والتي سمي أتباعها لاحقا منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر ب (ألاشوريين)، كانوا ينتشرون في المنطقة المحصورة بين بحيرتي (وان) في تركيا وبحيرة (أورميا) في فارس. ومن الناحية الجيوبولتيكية فان أقليم حكاري ونظرا لصعوبة تضاريس هذه المنطقة ولاحاطتها بالجبال فإنها تمثل قلعة حصينة، وهي بذلك تحتل موقعا إستراتيجيا هاما، وتشكل حاجزا يمنع القوات التركية من التقدم، بعكس أقليم أورميا الذي يعد منطقة سهلية مفتوحة يصعب التحصن فيها. وكانت الحكومتان التركية والفارسية تمتنعان، ولاسباب سياسية خشية تدخل الدول الغربية المسيحية دفاعا عنهم، عن ذكر اعداد المسيحيين في اراضيها. ومن جانب أخر كان المسيحييون يمتنعون من اعطاء معلومات دقيقة عند أي احصاء خشية من الضرائب والتجنيد. وتختلف التقديرات حول عدد الاثوريين أو الاشوريين في هذه المنطقة لعدم وجود إحصائية دقيقة لهم، ولكن يمكن القول إجمالا إن اقرب التقديرات لنفوسهم هي (150 الف نسمة)، يسكن غالبيتهم في أقليم حكاري في تركيا حوالي 100-125 الف نسمة، ويسكن 20 الف نسمة منهم في أورميا، و5 الاف نسمة في روسيا.(13)
وقد اصبحت هذه المنطقة بؤرة استقطاب العديد من الدول الكبرى مثل روسيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا واميركا. وكانت الغلبة لروسيا منذ الربع الاخير من القرن التاسع عشر وحتى عام 1917، حيث انسحبت من تلك المنطقة برمتها بعد سيطرة البلاشفة على الحكم وإتباعها سياسة الحرب على الحرب. وهكذا أصبحت الساحة خالية لبريطانيا التي دفعت بوكلائها أولا وقواتها ثانياً لتحريض الاثوريين ضد الدولة العثمانية لانهاكها في الحرب العالمية الاولى (1914-1918) وساعدها على ذلك أن روسيا وبريطانيا كانتا ضمن قوات الحلفاء التي حاربت دول المحور تركيا والمانيا والنميا والمجر وبلغاريا، لذا فقد تعاونا فيما بينهما بصدد الأشوريين.
ففي الثلاثين من كانون الاول/ديسمبر 1914 انسحبت القوات الروسية من أورميا يرافقها 25 ألفا من الاشوريين التي أمن انسحابها آغا بطرس بقواته، فأكملت إنسحابها من اذربيجان بالكامل في كانون الثاني/يناير 1915 ، فأستغل الاتراك الفراغ العسكري في فارس التي كانت ضعيفة ولا تقوى على صد الهجمات العسكرية عليها، فوصل القنصل التركي رجب بك ترافقه القوات التركية في 24 كانون الاول/ديسمبر 1915 فوصلوا الى أورميا ثم الى سلامس وأعملوا فيها قتلا وتنكيلا بالمسيحيين بمساعدة الاكراد الذين جرى كسبهم الى جانبهم إستنادا الى الإرتباط الديني الموحد بينهما. ونظرا لاستبسال القوات الاشورية بقيادة آغا بطرس فقد عززت تركيا قواتها هناك بقوة عسكرية أخرى تحركت من لواء الموصل التركي في 6 نيسان/أبريل 1915 بقيادة خليل باشا بقوة قوامها 10 الاف من الجندرمة الترك، يرافقهم 12 ألف من الاكراد والايرانيين.
ومما لاشك فيه، إن الحلفاء قد استغلوا الآشوريين أثناء الحرب العالمية الاولى، وقد إستجاب البطريرك الاشوري للطلب الروسي بالتمرد على تركيا، وأعلن في 10 حزيران/يوليو 1915 قرار بدء المقاومة ضد تركيا. وهو قرار يصفه الكثير من المحللين بالمتسرع. إثر قرار البطريرك هذا، صعدت القوات التركية من هجماتها على معاقل الاثوريين في حكاري، مما حدا بالبطريرك بالسفر الى أورميا لطلب المساعدة من
القوات الروسية المتواجدة هناك، فوصلها في 30 حزيران/يونيو 1915. وهنا إستغل الروس الاشوريين ثانية لنفس الغرض السابق وهو اقامة حائط صد من المقاتلين الاشوريين المشهود لهم بالبسالة في القتال ومعرفة المنطقة وطريقة التعامل مع سكانها المحليين، وإستخدامهم كدرع بشري لصد هجمات الجيش العثماني المهاجم نحو منطقة اذربيجان الغربية في إيران، وجعلهم خطاً دفاعياً متقدماً لهم. لكنهم إمتنعوا عن تقديم المساعدة للآثوريين. وكان إمتناع الروس –كما يبدو- منطلقا من خطة عسكرية بتهجير الآثوريين من حكاري الى إيران، وإستعمالهم كدرع واقٍ ضد هجمات الاتراك على أورميا.(15)
وبعد رجوع البطريرك الى حكاري أصدر في أواخر تموز 1915 أوامره بوجوب مغادرة ألاثوريين الى إيران والالتحاق بالقوات الروسية هناك. وفي مطلع أيلول 1915 بدأ تدفق المهاجرين الاثوريين على الاراضي الايرانية، حيث تمكنوا بمهارة من الوصول سالمين الى سهول إرميا.(16) وفي هذه السنة بدأت مذابح الارمن والاشوريين والتي استمرت للفترة 1915-1917 والتي عرفت بمذابح سيفو.
ومنذ ذلك اليوم خسر الاثوريون معقلهم الرئيس الحصين في حكاري الذي كان يضم موطنا لخمسة عشائر معروفة هي (تياري، تخوما، باز، جيلو، وديز) ويقطنون (85) قرية، ولم يعد بإمكانهم العودة الى منازلهم واراضيهم، كما لم يعد بامكانهم الصلاة في كنيسة مار شليطا ثانية، ولن يكون بمقدور البطريرك الاشوري ولا من يخلفه بعد الان رؤية مقره البطريركي في قوجانس مرة أخرى حتى يومنا هذا. وقد ابلى الاشوريون بلاءاً حسناً في العديد من المعارك هناك. وبانسحاب الروس بعد وقف عملياتهم العسكرية هناك في 7 كانون الاول/ديسمبر 1917 إنتقل الاشوريون الى يد الانكليز الذين إستغلوهم أبشع من الروس.
وكانت المنطقة قد شهدت نشاطاً من ممثلي الحلفاء، حيث عقدوا اجتماعا مع البطريرك الاشوري ضّم كل من گريسي ممثلا عن الانكليز، والدكتور كوجول ممثلا عن فرنسا، والملازم ماكدويل ممثلا عن الولايات المتحدة الامريكية، وقد مثّل الروس في هذا الاجتمتع قنصلهم باسيل نيكيتين، كما حضر المندوب البابوي سوتناك. وكالعادة في الوعود المبذولة لخداع الشعوب فإنها تتضمن ثلاث عناصر هي: الوعد بنيل الحرية مقروناً بكلمة الشرف، ومنتهياً بالوعيد في حال عدم قبوله، صرح كريسي “بأن الاثوريين يملكون فرصة كبيرة للتحرر من الاضطهاد والعبودية، ولاجل أن يتمكنوا من إستغلال هذه الفرصة الثمينة ينبغي عليهم أن يعرفوا كيف يتصرفون، وأقولها كلمة شرفبأني مخول من قبل الدول الثلاث العظيمات بريطانيا وامريكا وفرنسا، وأعلن إن ساعة تسليحكم وإنضمامكم الى حرب الحلفاء مع أعدائهم قد حانت، وإذا ما فاتت هذه الفرصة فإن ذلك يعني الموت المحتم لكم”.(17) وعن قصد أو دون قصد، فقد أوصى گريسي الطريرك مار شمعون بلقاء الزعيم الكردي اسماعيل آغا الملقب ب (سمكو) لتنسيق المواقف بينهما، وهي الوصية التي جلبت أكبر كارثة في تاريخ الاشوريين حتى يومنا هذا. ومن هنا ظهرت تسمية الاشوريين بالحليف الاصغر(Smallest Ally) للحلفاء.
“إن أشوريي جبال حكاري، دخلوا كلاجئين الى إيران وتمركزوا في ثلاث مدن وهي (أورميا، سلامس، وخوي) وعاشوا هناك حياة صعبة للغاية مابين سنة 1915-1916… ولما رأى أغا بطرس ما حلّ ببني قومه الذين طردوا من ديارهم وشردوا لاجئين الى إيران، مخلفين وراءهم مئات القتلى والاسرى والسبايا من النساء والاطفال، آل على نفسه أن يعمل المستحيل لانقاذهم من حياتهم تلك، ومن أجل ذلك شكّل لجنة من الشباب في أورميا تتحمل مهامها في تلك الفترة العصيبة”.(18) وهكذا تحول آشوريو الجبال الى لاجئي السهول.
وإمتثالا لنصيحة ممثل بريطانيا، فقد التقى البطريرك الاشوري بنيامين مار شمعون بسمكو آغا زعيم عشيرة الشكاك الكردية في 3 أذار/مارس 1918 الذي غدر به وقتله مع 150 من مرافقيه في مقره بمدينة كوهنه شهر الايرانية. وهذا ما دفع بطرس آغا وأخرين الى قيادة قوة من الاثوريين للانتقام من سمكو(19)، بتاريخ 18 أذار/مارس 1918، ومن هنا برزت الصفات القيادية العسكرية لبطرس آغا.
بعد هذه الاجراءات التأديبية “وفي أواخر مايس 1918، شعر الاثوريون بحرج موقفهم في منطقة أورميا حيث تم حصارهم من قبل الاتراك، فأرسل الانكليز في أوائل تموز(20)، ضابطاً من سلاحهم الجوي، هو الملازم الطيار بيننغتون لمواجهة الاثوريين المحاصرين في أورميا. فإستقبلوه بحرارة بالغة لدرجة إنه كاد يختنق من العناق والتقبيل.(21) والنقطة الأهم في هذا الموضوع هي إن “القيادة البريطانية في العراق قد زودت بيننغتون بتعليمات خاصة وطلبت اليه إبلاغها المار شمعون بولص، وفحواها أن بريطانيا والحلفاء مصممون على إنشاء الدولة الآشورية بعد إنتهاء الحرب بما في ذلك منطقة حكاري وأن عددا من الضباط الانكليز سيأتون قريباً الى مواقع الاثوريين مزودين بالامدادات الغذائية والحربية، لكي يقوموا بتنظيم القطعات الاثورية، كما نقل اليهم أيضاً إقتراح الجنرال دينسترفيل، القاضي بأن عليهم أن يجتازوا الخطوط التركية الى الجنوب من بحيرة أورميا-ارضروم- والالتقاء مع الانكليز في سانيقله حتى يتم تزويدهم بالسلاح والذخيرة.(22)
وكان السبب الرئيسي الذي دفع الانكليز الى الاهتمام بالاثوريين في هذه الفترة هو خوفهم من هجوم ألماني تركي على الهند عن طريق إيران وأفغانستان، لذلك فقد أبلغ الجنرال دينسترفيل القيادة العامة البريطانية بأمكانية قيامه بأحتلال تبريز إذا ساعده الآثوريون على ذلك، ولهذا فقد طلب الانكليز من الاثوريين الانظمام الى قوات دينسترفيل وإضافة الى ذلك فان الانكليز أرادوا عن طريق مساعدة الآثوريين لهم أن يتمكن دينسترفيل أيضاً من السيطرة على منطقة باكو النفطية وعدم وقوعها في أيدي الاتراك والالمان، كما يرى أيضاً أن من الأهداف الاساسية لبعثة الجنرال دينسترفيل هو تحريض العناصر المعادية للأتراك والروس في منطقة القفقاس.(23)
وبناء على إقتراح الجنرال دينسترفيل وتحت إلحاح وضغط من قبل عائلة المار شمعون، فقد ترأس أغا بطرس القوات الاثورية وتوجه بها الى سانيقلة(ساين قلعة)، رغم معارضته ذلك، وكان الانكليز والحلفاء حريصين جداً على عدم حصول خلاف في الزعامة الاثورية، ضماناً لنجاح خططهم وتثبيت مصالحهم.
لقد سارت جمع الاثوريين الى سانيقلة، وهم في حالة يرثى لها من التشتت والضياع، فقد هاجمهم الاتراك والاكراد والفرس، من كل جانب وقتل المئات منهم. وفي سانيقلة خابت آمال الآثوريين حينما فوجئوا بعدم وجود الامدادات التي وعدهم بها الانكليز، وإنما وجدوا فقط أفراداً معدودين منهم، ولم يكن خداع الانكليز لهم مجرد صدفة، وإنما كان هرب الاثوريين يرضيهم، إن لم يكن ذلك من تدبيرهم، فقد أرادوا الاستفادة منهم في إخضاع العراق وإحتكار نفطه.
وبعد عناء السير، وآلام القتال، بلغ الأثوريون همدان، ليستقبلهم الانكليز بفتور في الوقت الذي رسموا فيه خطط سيرهم من أورميا الى همدان بجثث قتلاهم.
استمرت هذه المسيرة من 13-20 يوما(24)، قطعوا خلالها 525 كيلومتراً هي المسافة من أورميا الى همدان، حيث كانت بداية الناس المهزومة في أورميا ونهايتهم في مندان قرب حيدر آباد. وتبلغ المسافة من همدان في إيران الى بعقوبة في العراق 508.6 كيلومتر أخرى. أي أن مجموع ما قطعته جموع الاشوريين الهاربة من أورميا وحتى وصولهم مخيم اللاجئين في بعقوبة سيراً على الاقدام أو باستخدام الخيل أو البغال يبلغ 1033.6 كيلومترأ.
لقد كانت غاية الأثوريين من كل ذلك هو العودة الى ديارهم بأي طريقة وأي ثمن. وفي همدان أيضاً، إستمر الانكليز وعائلة المار شمعون في خداعهم الأثوريين، فأخبروهم بانهم سيعودون لاوطانهم، وبدأوا يجندونهم في فرقن وصوروا لهم إن الهدف الأساسي منها هو تحرير مواطنهم في حكاري وأورميا.
وفي تشرين الثاني 1918 عقدت الهدنة مع تركيا، فتجددت آمال الأثوريين في العودة الى أوطانهم في حكاري وأورميا خاصة وانهم كان لهم دور مُشرف لعبوه بجانب الحلفاء خلال الحرب. والحقيقة إن الانكليز كانوا قادرين على تحقيق ذلك، لان تركيا كانت راغبة في قبول أي شروط تعلنها إنكلترا دون إعتراض. إلا انها إرتأت تاجيل ذلك الى وقت أخر وأصدرت الاوامر بوضعهم في معسكرات كلاجئين وطلب اليهم التحلي بالصبر.
وأخيراً أصدر الانكليز أوامرهم للأثوريين بالتوجه الى العراق، وطلبوا اليهم، أن يتركوا بصورة مؤقتة قضية رجوعهم لأوطانهم فهيأوا لهم وسائط النقل وإتجهت بهم صوب العراق، حيث كان الجيش البريطاني يزودهم بالطعام.
وبعد وصولهم العراق قامت السلطات البريطانية بإسكانهم في مدينة بعقوبة، شمال شرقي بغداد بحوالي (65) كيلومتر وعلى مقربة من نهر ديالى. وهناك أقيم لهم مخيم ضم (50) الف لاجىء، منهم (15) الف أرمني، و(35) ألف أثوري.
بعد هذا الاستعراض الموجز لرحلة الاثوريين من حكاري (تركيا) الى أورميا ثم همدان (إيران)، وأخيرا في بعقوبة (العراق)، يحق لنا ان نشك في صدق الرواية البريطانية حول إتهام أغا بطرس بأنه إضطر الى التراجع والانسحاب الى العراق. فعن أي أنسحاب يتحدثون؟
الادق، ان يقال إن بطرس آغا وبني جلدته قد دفعوا ثمناً باهضاً لتعاونهم مع الروس والبريطانيين، وإنهم دخلوا العراق تحت تأثير الوعود البريطانية الخداعة بالعودة الى مناطقهم في أيران وتركيا والعودة الى بيوتهم وقراهم، وستثبت الوقائع التالية صحة هذا الاستنتاج.
8. العناد المتاصل وحوك الدسائس
كان آغا بطرس أول من أدرك خداع البريطانيين للآشوريين. وهذا ما دفعه الى إتخاذ موقف مطالبتهم بالوفاء بوعودهم في منحهم الاستقلال أو العودة الى ديارهم . ونتيجة اصرار البريطانيين على المماطلة والتسويف، لذا فقد اتخذ موقف مضاد منهم، وشرّع يحرض أتباعه على عدم الانصياع لهم، لانهم إنما يستخدمونهم لمصالحهم فقط، دون الوفاء بإلتزاماتهم تجاه الآشوريين الذين جرى إخراجهم من معقلهم في جبال حكاري، وإقحموا في معارك الحلفاء في أورميا، ثم سيروا الى همدان، ونقلوا اخيراً الى بعقوبة، في رحلة طويلة عبّدوها بجثث قتلاهم، حيث فقدوا نصف عددهم فيها(25). فقد كان عددهم في حكاري يزيد عن (100) الف
نسمة، ووصلوا الى بعقوبة (35) الفاً فقط، وهذا ما تؤكده هذه الوثيقة ذاتها. فهل يُعد هذا عناداً متأصلا أم نضالا متواصلا للمطالبة بالحقوق؟
ونرى إن الوثيقة المذكورة تتهم بطرس بحوك الدسائس والمؤامرات لزعزعة استقرار البريطانيين، وأخيراً قرروا إبعاده الى بغداد. وعن ذلك تقول الوثيقة: ” ولاسباب مختلفة خصوصا ميله المتأصل للعناد، فقد إنغمس في دسيسة، ولعدم الثقة به عموما، فقد وُجد بانه غير ملائم للعمل لذا نُقل الى مخيم اللاجئين في بعقوبة. وهنا إنغمس ثانية في الدسائس وأصبح وجوده في المخيم لا يساعد على استقرار اتباعه اللاجئين، وأخذ يعمل ضد إنجاح خطة الانخراط في الكتائب الاشورية، لذا ارسل ليقيم في بغداد”.(26)
وفي النص الانكليزي تقول:
(For various reasons, principally his inveterate tendency to intrigue and general untrustworthiness, he was found to be unsuitable for this work and was transferred to the refugee camp at Baqubah. Here again he indulged in intrigue and as his presence in the camp was unsettling his fellow refugee and was operating against the success of the scheme for the enrolment on Assyrian battalions, he was sent to live in Baghdad).
والحقيقة إن البريطانيين لا يرغبون فيمن يدافع عن حقوق قومه، وإنهم وجدوا في سرما خانم شقيقة البطريرك وعمة البطريرك الصغير أفضل من ينصاع لهم مستخدمين مجرد وصايتها على البطريرك، في الوقت الذي لم تكن تتمتع بأي صفة رسمية، لاسيما وإنها كانت مطيعة للبريطانيين بشكل تام، ولم يُسجل كل من كتب عن تاريخ الاشوريين أي إعتراض لها على سياستهم.
9. فشل خطة العودة
ذكرت الوثيقة بان خطة أغا بطرس فشلت بقولها:” وفي المحصلة النهائية فشلت الخطة التي لم يضطلع بها في الواقع حتى أكتوبر من ذلك العام”.
وفي النص الانكليزي:
(A full account of the failure of this scheme, which was not in fact undertaken until October of that year).
وتوضيحا للحقائق حول هذه المسألة، فإننا سنتاولها بشيء من التفصيل.
في 21 آذار/مارس 1920، تقدم بطرس آغا بخطة تتضمن عودة الآشوريين الى ديارهم في كل من أورميا وحكاري. أو أن يمنح لهم حق إقامة إقليم يتمتع بحكم ذاتي يكون في المنطقة الواقعة جنوب أورميا وحكاري. أرسلت الخطة المذكورة الى الحاكم البريطاني في العراق أ. تي. ويلسون(27) الذي أرسلها بدوره الى
حكومته. فجرى دراستها بشكل دقيق، لا سيما وإنها تضمنت وصفاً دقيقا لسكان المنطقة وعاداتهم وطبائعهم وخاصة فيما يتعلق بالاكراد، فقد تضمنت تفاصيل نفسية وإجتماعية وقتالية لم يتطرق لها أحد، مما يجعلها أساساً لدراسة أشمل مستقبلا.
كان العراق في تلك الايام مشحونا بنذر الثورة، فغيوم ثورة شعبية عارمة كانت تتجمع في سماء عموم العراق. فبعد ثلاث سنوات من دخول البريطانيين للعراق، ضاق العراقييون الأباة وهم عزيزي النفس يحسِبون للكرامة حسابها، في حين كانت أخلاق البريطانيين المتدنية وسوء معاملتهم وكبرياءهم وتعجرفهم غريبة عنهم ومثار اشمئزاز جميع العراقيين(28)، والواقع إن جميع العراقيين من العرب والاكراد، ومن المسلمين سنة وشيعة-بإستثناء المسيحيين واليهود، قد تجمعوا ضد البريطانيين بعد تحريرهم من الاتراك، رداً على وعود بريطانيا الكاذبة لهم أثناء الحرب العالمية الاولى، وكانت السبب في الثورة العراقية الكبرى عام 1920 المعروفة (بثورة العشرين).
” لقد تم دراسة طلب أغا بطرس وإرساله الى الجهات البريطانية المسؤولة، وبنفس الوقت أكد الضابط السياسي الانكليزي (ليجمان) بأن الاتراك يألبون الاكراد على قتل الضباط الانكليز في كردستان وإستحسن طردهم من مواقعهم ووضع الاشوريين في كردستان وبذلك يتوفر حزام أمني من حدود كردستان الشمالية وحتى الجنوبية، وقد رفع هذا المقترح من قبل المندوب السامي الانكليزي الى وزارة المستعمرات الانكليزية في 1919 وأكد عليه بقوله: إن الاخذ بهذا المقترح يعطي لانكلترة فرصة التعبير عن العدالة وإنصاف الاشوريين ويعكس للاوربيين معاني الحق والعدالة وبنفس الوقت يكون عاملا مساعداً في حل أصعب مشكلة مذهبية قومية في كردستان. ولكن وجد بأن تطبيق مثل هذا المخطط وطرد (12000) كردياً من أراضيهم لن يأت بنتائج مستقبلية ناجحة، وعليه تم إهماله في آيار/مايو 1919″.(29)
لم تلقى خطة بطرس آغا الاهتمام الكافي من لدن حكومة لندن. إلا إن الاحداث المتلاحقة أعطت لتلك الخطة دفعاً كبيرأ. وأثناء ثورة العشرين، اندلع تمرد آخر ضد البريطانيين في شمال العراق قام به الأكراد، الذين حاولوا الحصول على الاستقلال. كان الشيخ محمد البرزنجي من أبرز قادة الثورة الكردية، مما أنذر بقيام الثورة في كردستان العراق.
وكانت سلطات الاحتلال البريطاني قد عيّنت الشيخ محمود الحفيد، حاكمداراً للسليمانية في تشرين الاول/نوفمبر 1918، بعد أن أعلن إستعداده لتسليم لواء السليمانية للحاكم العسكري البريطاني، الذي رحب بالأمر، فأوفد اليه ضابطين لمفاوضته، ورحب الشيخ بهما، وهما الميجر نويل مستشاراً ملكياً له، والميجر دانليس مستشاراً عسكرياً. وفي منتصف آذار/مارس 1919 جرى تعيين الميجر سون حاكماً سياسياً للسليمانية، حيث أرادت بريطانيا تقليص نفوذ الشيخ محمود، فرد الشيخ بأعتقال الضباط البريطانيين، وتولى السيطرة المطلقة على الشؤون الاداريةـ وقطع الماصلات السلكية مع كركوك، وإستولى على قافلة متجهة من كفري الى السليمانية.
لم يكن الكرد راضين عن حكم ليجمان. ففي نيسان 1919 أغتيل القائد بيرسن مساعد الضابط السياسي في زاخو في جولته في منطقة غويان بالحدود مع تركيا.وفي 14 تموز من نفس العام، أحاط المنتفضون بالفريق ويلي في مقره بالعمادية وقتلوه. ثم إنتفض الزيباريون والبارزانيون مع الثوار ضد العقيد بيل ومساعده سكوت خارج بيراكابرا حيث قتلاهما.
لقد ساهمت كل الاحداث المذكورة في دفع البريطانيين الى القبول بخطة آغا بطرس مع توجيهها ضد الاكراد لتأديبهم على إنتفاضتهم وقتلهم للضباط البريطانيين. فكانت كما تسمى اليوم ب (حرب بالنيابة).
” في شباط 1920، عاد آغا بطرس الى بعقوبة منتصراً على البريطانيين الذين أبعدوه قبل سنتين تقريباً ورفضوا قيادته للآشوريين، وكان برفقته إثنين من الضباط الانكليز. واستقبل بحفاوة بالغة من قبل أبناء قومه، وأمر هناك بإقامة نصب تذكاري يخلد الشهداء الاشوريين الذين سقطوا في سوح الوغى، وخاطب أتباعه قائلا: أزف لكم نبأ بأن الهدف الذي كنّا نتطلع اليه بصبر وأناة قد راح يلوح لنا، والان يتطلب منّا أن نتسسلح ونتوجه على الفور لاستعادة ديارنا في أورمي وحكاري ونؤسس وطناً أشوريا حراً معترفاً به، وقد تم الاتفاق على هذا بيني وبين السلطات البريطانية وأثناء التنفيذ سيرافقنا أثنين من ضباطهم ليس من أجل الدعم المادي أو التسليحي فحسب وإنما من أجل الاستعداد لبناء بيتنا الجديد”.(30)
وافق الانكليز على خطة آغا بطرس على مضض، لذا فقد تأخرت تحضيراتها حتى خريف 1920، وبعد أن إستطاع آغا بطرس أن يوّلد القناعة عند الانكليز بعودة الاشوريين الى موطنهم الاصلي بالقوة تحت قيادته، طلب أن يتم نقل جميع الاشوريين من بعقوبة الى مندان على بعد 20 ميلا شمال شرقي الموصل، وفي مايس من سنة 1920، تم نقل 24 الفاً من الآشوريين الى مندان، والقسم الاخر ظلّ في بعقوبة، وقد جُهز جميع المقاتلين بالسلاح وصرفت لهن رواتب (12) ربية لكل فرد.
إنتظرت السلطات البريطانية تترقب الاحداث والتطورات. وفي ربيع عام 1920، حرضّت الآثوريين وأرسلتهم لمقاتلة الاكراد. فهرب فارس آغا الزيباري الى إيران وإلتجأ الى اسماعيل أغا شكاك، وفي بارزان حدثت معارك دموية بين البرزانيين والآثوريين بقيادة آغا بطرس.
إن هذه الخطة التي علّق عليها القادة الاشوريين آمالاً كبيرة، إستاثرت بإهتمام الانكليز أيضاً لما لها من فوائد تخدم مصالحهم وهذه الفائدة تتجلى في ثلاث نقاط مهمة هي:
1. تقليل النفقات البريطانية المصروفة على الاشوريين.
2. ألانتقام من الاكراد الذين قتلوا ضابطين بريطانيين وإخراجهم من شمال العراق وإحلال الاشوريين محلهم.
3. وضع حاجز أمام الاتراك الذين ما إنفكوا يهددون حدود العراق الشمالية.
إن الخطة التي رسمها آغا بطرس في قتاله للاكراد هي إحتلال أورمي وسلامس أولا ومن هناك الإنطلاق لتحرير منطقة حكاري من السيطرة عليها تقتطع من أربعة دول وهي: إيران-تركيا-سوريا-العراق.
تم تسليح (5000) مقاتل بقيادة آغا بطرس للشروع بحملة عسكرية على كردستان، بيد إن توقيت ذلك قد تغيّر بسبب قيام ثورة العشرين في وسط وجنوب العراق.
إن المدفعية التي جهزها الانكليز للقوة الاشورية كانالقسم الاكبر منها من صنع تركي وغنِمها الانكليز وقت دخولهم العراق، وهناك مدفعان آخران غنِمهما الانكليز من السفينة التركية (مرمريس) المعطلة في نهر دجلة وأعطوها للاشوريين أيضاً. لذا لم تبدأ الحملة إلا في تشرين الاول 1920 وهو وقت هطول الامطار والثلوج، حتى قيل إن الثلوج التي قضت على نابليون، قضت على خطة بطرس آغا.
ورغم ذلك، فقد أحرزت الحملة الصفحة اولى المرجوة منها والتي كان البريطانيون يخططون لها وهي تأديب العشائر الكردية. أما الصفحة الثانية من الخطة والتي تقضي بالوصول الى أورمي وسلامس في أذربيجان، قد عرقلتها تناقض مواقف القادة الاشوريين. فقد أقنع ملك خوشابا المقاتلين بعدم التوجه الى أورميا ، كما لقنهم أن يطلبوا من آغا بطرس ومنه شخصياً العودة الى مندان. وهكذا فشلت الخطة لعدة اسباب كان للانكليز اليد الطولى في فشلها، وهي:
1. إندلاع الثورة العراقية الكبرى في عموم العراق في 25 حزيران/يونيو 1920.(31)
2. وقوف بعض التجمعات بقيادة سرما خانم ضد أهداف الحملة وعدم مشاركة جميع الاشوريين في هذا الصراع الحاسم.
3. التدخل الانكليزي في تغيير موعد الحملة المقرر في صيف 1920 وتأخيرها لموسم الشتاء من تلك السنة، الأمر الذي أدى الى عرقلة التقدم بسبب الثلوج والامطار.
4. لم يكن الانكليز جادين في هذه الحملة، وإنما هدفوا من ورائها ألانتقام من الاكراد لقتلهم ضابطين سياسيين منهم، وإن إرسال الانكليز ضباطهم لمرافقة الحملة هذه كان من أجل التجسس على الجنرال آغا بطرس ومعرفة مدى علاقته وإتصاله بالفرنسيين أولا، وثانياً لرفع التقارير الى السلطات الانكليزية عما حققته هذه الحملة من إنجاز عسكري في كردستان.
5. الوقيعة التي حبكها الانكليز بين آغا بطرس وملك خوشابا والتي تمت بإستدعاء ملك خوشابا الى مقر الرئاسة الانكليزي في الموصل وإطلاعه على ورقة مزيفة تبين كيف إن آغا بطرس يسخرهم لمنفعته الشخصية وهو يرمي لتأسيس وطن في آذربيجان تحت رئاسته … وقد كان لهذه الورقة أثرها البالغ في زعزعة ثقة ملك خوشابا بآغا بطرس وفي الشك بمصداقيته، لذا إنسحب ومن معه. والقصد من ذلك هو للايحاء لملك خوشابا بأن آغا بطرس يستغلهم للعودة لمنطقته فقط في أورميا ليستقر فيها ولا يغادرها لاسترجاع حكاري موطن ملك خوشابا ومقاتليه.
6. يضيف د. عبد المسيح بويا يلدا وهو من الكلدان المنتقدين للاشوريين بشدة، سبباً أخر لفشل حملة آغا بطرس وهو إن تجمع القوة الآشورية كان في عقرة وهي منطقة يقطنها مسيحيون كاثوليك وليس نساطرة، ولحساسية هذا الموضوع بالنسبة للآشوريين، فقد تمردوا على قائدهم مما أفشل خطة العودة الى مناطقهم، حيث يقول: كانت خطة أغا بطرس تقتضي بأن يبدأ المُسَلّحون الآثوريون بالتحَرُّك من بعقوبة نحو شمال العراق بحيث يكون التمركز أولاً في عقرة. التحرك من بعقوبة نحو عقرة بدأ في تشرين أول 1920، وفي عقرة جاءت الضربة الثانية ضد خطة أغا بطرس، إذ بعد أن سمع الآثوريون إن سكان عقرة وغيرها من القصبات ليسو نساطرة بل كاثوليك، بدأ تمرُّدهم ضد قيادة أغا بطرس وسلك مُعظمهم مسار أخر غير الذي سلكه المُسَلّحون الآثوريون بقيادة أغا بطرس. وهكذا إنتهت الخطة العسكرية التي رسمها أغا بطرس في بعقوبة بالفشل”(33)
إن تصرفات البريطانيين تدل على حجم الخداع والكذب والمراوغة التي استخدموها ضد الاشوريين عموما، وبطرس آغا خصوصاً.
ولما تجمع المقاتلون في مندان، وجد الانكليز فرصتهم في نزع سلاحهم، ولكن آغا بطرس ومك خوشابا وقفا ضد هذه الحملة وحثّا رجالهما بعدم الانصياع للانكليز، وقد هرب البعض مع سلاحه والاخر أذعن لطلب سورما خانم وسلّم السلاح.(34)
واستمرارا في مسلسل الاكاذيب البريطانية، فقد نُظم إجتماع برئاسة سورما خانم وبحضور المسؤول العسكري (كليف أووينCunliffe Owen ) وحضره جمهور غفير من الاشوريين للاستماع الى ما ستطالعهم به سرما خانم من أخبار مفرحة من مؤتمر السلام حسب زعمها ( في حين لم تحضر سرما هذا المؤتمر بل قضت ثمانية أشهر في بريطانيا)، وأخيراً ارسلوا في طلب آغا بطرس لتحميله الفشل وإهانته وإذلاله وفقاً لمسرحية معدة سلفاً بين الضابط البريطاني وسرما، الذي غادر الاجتماع مهموماً والالم يعتصر قلبه، وللخيانة فعل السيف في الكبد.
فمن هو المسؤول عن فشل الخطة المذكورة، بطرس آغا أم البريطانيون؟
ألم يكن فشل الخطة بسبب بطأ الاجراءات البريطانية في حين خاطب كليف الآشوريين بداية الاجتماع بقوله: لقد فشلت خطة آغا بطرس على كردستان وسيتم إرساله الى بغداد لمحاكمته.(35)
10. تهمة عدم خضوع أتباعه له وفقدانه لمؤهلات القيادة
من الغريب أن يتهم بطرس آغا بعدم خضوع أتباعه له، وعدم توفر المؤهلات القيادية فيه، في حين أن الوثيقة تناقض نفسها بنفسها بقولها:” نظم الاشوريين ضد الاتراك، وكقائد لهم خاض 14 معركة ناجحة نيابة عن الحلفاء”.
وفي مكان آخر من ذات الوثيقة تقول: ” وبانهيار الخطة التي يرجع الى حد كبير لاغا بطرس، في عدم قدرته على السيطرة على شعبه ، تكشف حقاً عن اي الصفات المطلوبة للقيادة”.
وفي النص الانكليزي:
(On the collapse of this scheme which was largely due to Agha Petros’ incapacity to control his people and indeed his failure to show any of the requisite qualities of leadership).
فاذا كان فاشلا في السيطرة على اتباعه وفي القيادة العسكرية، فكيف تذكر الوثيقة إنه قاد 14 معركة ناجحة نيابة عن الحلفاء؟ والواقع، إن البريطانيين كانوا يزرعون الفرقة والانقسام فيما بين الاشوريين ويحرضون أحدهم ضد الاخر، عملاً بقاعدة (فرق تسد).
11. الاذن بالعودة الى العراق
على أثر تحميل آغا بطرس مسؤولية فشل خطة إعادة الاشوريين لمناطقهم الاصلية، إتخذ البريطانيون قرار إبعاده الى فرنسا في آب/أغسطس عام 1921. أما لماذا جرى إختيار فرنسا كمنفى لبطرس أغا، فذلك يعود للاتصالات التي أجراها بطرس مع الفرنسيين عندما كان مبعداً في بغداد. فقد أرسل الى الجنرال غورو قائد القوات الفرنسية في سوريا ولبنان، رسالة مفصلة عن أوضاع الاشوريين وطالبا مساعدتهم، وأرسل الرسالة
بيد قنصل فرنسا في بغداد. أما كيف وصلت نسخة من هذه الرسالة الى البريطانيين فتلك قصة تبين إن خيانة القريب من بني قومه أسوأ من خيانة الغريب.
وخلاصة القصة، إن آغا بطرس واثناء ابعاده من قبل الانكليز الى بغداد في نهاية عام 1918، وبقي فيها حتى شباط 1920. وخلال هذه الفترة شعر آغا بطرس بأن البريطانيين يخدعون الاشوريين عموماً، فحاول البحث عن حليف أكثر صدقا ونزاهة، ولما كان يجيد اللغة الفرنسية وله عدد من الاصدقاء الدبلوماسيين الفرنسيين، لذا فقد سعى الى الاتصال بهم ومناقشة هموم أمته معهم، ويبدو إن الاتفاق قد جرى على ان تقوم البعثة الفرنسية في بغداد على نقل رسالة بهذا الخصوص من بطرس الى الجنرال الفرنسي هنري غورو (36) المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان و سوريا في بيروت. حيث قام السفير الفرنسي بنقل ثلاثة رسائل بهذا الصدد، كتبت إثنتان منها باللغة الفرنسية، فيما كتبت الاخيرة باللغة العربية. يقول في رسالته الثانية: “بودي أن أعلم حضرتكم بأني سبق وإن أرسلت لكم رسالة مماثلة بيد السفير الفرنسي شرحت فيها عن أحوال بني قومي في بعقوبة، وأملي أن تكون الرسالة قد وضعت في متناول يدكم. وفي رسالتي هذه التي أتت الحاقاً بما سبق ذكره، أود أن اشير الى إن فترة إقامتي في بغداد قد أتاحت لنا فرصة للتعرف على أبناء قومنا الذين ينتشرون في وادي الرافدين والذين يتوطنون تاريخياً بكثافة في المنطقة الشمالية من العراق وكلهم ينتظرون ويتطلعون الى دخول قواتنا الى شمال العراق بمساعدة الأم الرؤوم فرنسا. وهناك عشائر أخرى غير آشورية تقطن المنطقة ولها الاستعداد للتعاون معنا والتسليم بالوضع الجديد ونحن نضمن لها الأمن والحرية ضمن وحدة وطنية نبنيها هناك، وأما الحقد والبغضاء اللذان يضمرهما تجاهنا البعض، كان بسبب ما حققناه من إنتصارات في ميادين القتال، وأنتم تعلمون به أيضاً”. وفي هذه الرسالة يشير بطرس آغا ضمناً الى حقد وبغضاء بريطانيا وسرما له.
وكان ملك قمبر بنيامين وردا، أحد المنشقين عن عائلة مار شمعون، وقد إعتنق المذهب الكاثوليكي، قد أقام علاقات مع فرنسا التي ساعدته للقيام بخطة مماثلة للخطة البريطانية في إنشاء قوة من الآشوريين مع الوعد بإقامة حكم ذاتي أشوري في الجزيرة السورية، كون فرنسا كانت بدورها تريد سحب مهمة ما يسمى “حماية الآشوريين” من الانكليز في العراق. فبدأت إتصالاتها مع الملك قمبر عام 1918، وفي 7 تموز/يوليو 1920 إلتقى الملك قمبر بالجنرال غورو في قصر سُرسُق في بيروت، وخلال ذلك الاجتماع أبلغه غورو بأن فرنسا قررت أن تعطي منطقة ماردين والجزيرة السورية الى الآشوريين وبانه قرر تسليم المهمة الى قمبر، الذي قام بمراسلة آغا بطرس وبقية الزعماؤ الاشوريين للانضمام للمشروع الفرنسي، فأعجبت الفكرة آغا بطرس.
وكان آغا بطرس قد وجّه رسالة أخرى الى نفس الجنرال في بيروت باللغة العربية، وقد سرقت من السفارة الفرنسية من قبل صديقة الجنرال نفسه وهي فتاة آشورية من ولادة روسيا كانت تعمل جاسوسة لصالح الانكليز، وأرسلت نسخة من الرسالة المسروقة الى المسؤولين الانكليز في بغداد، وكان في هذا سبباً لطرد آغا بطرس من العراق. (37)
ووبعد أن علم الانكليز بهذا التحرك الذي قام به الفرنسيون، بدأ القلق البريطاني الذي عبّر عنه المفوض السامي البريطاني في العراق برسي كوكس (Percy Cox) في رسالته السرية الى المسؤولين البريطانيين بتاريخ 22 نيسان/آبريل 1921والتي يعرب فيها عن إحتمال تورط آغا بطرس وأخرين مع الفرنسيين بقوله:
” لديّ شكوك بأن الحكومة الفرنسية ستطلب من الآشوريين الإنتقال الى منطقة الجزيرة وماردين، وهناك ما نسمعه عن بعض القادة الآشوريين الذين تمت رشوتهم من أجل ذلك” وبعدها بدأ التضييق على الجنرال آغا بطرس والاسقف مار سركيس (أسقف جيلو، قبيلة الملك قمبر) من قبل الانكليز خوفاً من أن يأخذوا منهم الآشوريين الى الفرنسيين، ثم بعد أشهر نُفي الاول وإلتجأ الثاني الى الحكومة العراقية ليصطف الى جانب بعض الزعماء المعارضين للقيادة الآشورية المتمثلة بعائلة المار شمعون. (38)
في خريف 1912 وصل آغا بطرس الى مدينة تولوز الفرنسية، إلا إنه ظّل يحِن الى رفاقه والى منطقته التي قاتل من أجلها من 1907-1921، لذا فقد راجع القنصلية البريطانية في مدينة بوردو جنوب فرنسا لغرض منحه الاذن بدخول العراق، إلا أن السلطات البريطانية رفضت ذلك أكثر من مرة. في حين تشير الوثيقة المذكورة الى إنه قد مُنح هذا الاذن إلا انه لم يستفد منه، فتقول: ” ومع ذلك، وبناء على طلبه، فقد منح الاذن في عام 1923 للعودة الى العراق. ولم يكن قد هيأ نفسه لهذا الاذن”.
وفي النص الانكليزي:
(However at his request he was given permission in 1923 to return Irak. He has not yet available himself for this permission).
وهذا إدعاء باطل تكذبه كل الوقائع اللاحقة والمصادر الخاصة بالدراسة في هذه الفترة. ولو كان قد مُنح هذا الاذن لما بقي هناك، لا سيما وهو كان يتحّرق شوقاً للعودة لوطنه.
بعد أن فشلت خطة أغا بطرس في الهجوم العسكري على هكاري وأورْميا إنطلاقاً من جبال كردستان، فكّر أغا بطرس بالتخطيط لتنفيذ الهجوم وتحرير هكاري وأورْميا إنطلاقاً من سوريا (كانت قد وقعت تحت الإنتداب الفرنسي). بريطانيا وبعد أن عرفت إن أغا بطرس لا يريد أن يسبح معها في نفس المستنقع القذر بل إنه يُكافح لتحقيق هدف أخر ليس كالذي خططت له بريطانيا، فكّرت بجدية للتخلُّص منه وأصدرت فعلاً أمراً بنفيه خارج العراق إلى فرنسا. في فرنسا لم يتنازل أغا بطرس عن طموحه السياسي وبدأ من منفاه في فرنسا يخطط للعودة الى العراق. بريطانيا كانت ضد عودته بشكل قطعي، لذلك رفضت القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية السماح له بالعودة إلى العراق.(39)
12. التسكع
من المستغرب أن تجد مذكرة مقدمة من حكومة صاحب الجلالة البريطانية تتضمن ألفاظاً غير لائقة ومسيئة للسمعة، مثل هذا الاتهام المبتذل، فاذا حرم شخص من العمل رغما عن إرادته، فإن كل مايقوم به يُعد تسكعاً. تقول الوثيقة إن بطرس آغا:” ومنذ ذلك التاريخ وهو يقضي وقته يتسكع في أوربا”.
وفي النص الانكليزي: (Since that date has spent his time perambulation Europe).
13. حضور المؤتمرات (غير مدعو)
كيف يمكن لشخص أن يحضر مؤتمرا في منظمة دولية مثل عصبة الامم دون أن يكون مدعواً اليها؟
تقول الوثيقة: “ويقدم نفسه كممثل مقبول لقيادة الاشوريين، ومن وقت لاخر يحضر (غير مدعو) الى المؤتمرات الدولية لتقديم وجهة نظره الخاصة كحل صحيح للمشكلة الاشورية”.
وفي النص الانكليزي:
(and representing himself as the accepted leader of the Assyrian and time to time attending (uninvited) at international conferences to present his own views to the correct solution of the Assyrian problem).
خاتمة
وختاما، أرجو أن تكون هذه الوثيقة قد بينت بجلاء نظرة البريطانيين لأغا بطرس. وهي بلا شك، نظرة مليئة بحقد طافح وكره مقيت لشخص سعى طيلة حياته من أجل تحقيق المطامح القومية لشعبه، وبذل من أجلها الغالي والرخيص، وخاض معارك ناجحة ضد تركيا وإيران، وضد مجموعات عرقية كبيرة الاتراك والفرس والاكراد. وأنفق كل ماله وجهده وصحته من أجلها، وضحى بمصالحه ومصالح عائلته لتحقيق ذلك الهدف المنشود.
ويبدو إن كره بريطانيا له يرجع أساساً الى إنه قد كشف ألاعيب السياسة البريطانية, وأدركها مبكراً، لاسيما وإن له تجربة سابقة وخبرة بأخلاق البريطانيين عندما تعَرف عليهم في بداية حياته حينما زار لندن لاول مرة في عام 1905. وحاول الوقوف جاهداَ ضد إستغلالها لشعبه وبني قومه، إلا إن الجناح الديني للاشوريين المتمثل في عائلة البطريرك الآشوري مار شمعون، سواء أكان بنيامين، أو بولص، أو أيشاي، عموماَ، وسرما شقيقة البطريرك وعمة الاخير خصوصاً، كانت العقبة الكأداء أمام إدارة مدنية لهذه القومية الصغيرة.
وقد أثبتت الاحداث اللاحقة صدق ما ذهب اليه ونادى به بطرس آغا. فبعد إبعاده الى بغداد عام 1918، ضاعت على الاشوريين فرصة حضور مؤتمر السلام الذي إنعقد في باريس عام 1919(40)، وكان بالامكان حضورهم لانه كانوا أصغر الحلفاء. إلا إن البريطانيين وجدوا إن أفضل وسيلة لمنع الدور الدبلوماسي للاشوريين لحضور هذا المؤتمر الذي ضمّ الحلفاء المنتصرون، هو تكليف أخت البطريرك بهذا الدور السياسي لانها إمرأة سهلة الانقياد للبريطانيين ويسهل خداعها، كما إنها لا تجيد العمل الدبلوماسي أو لغة الدبلوماسية آنذاك وهي الفرنسية رغم كل هالات المجد والدعاية البريطانية لها، في حين إن بطرس كان قنصلا لتركيا قبل الحرب العالمية الاولى، ومعتمداً فوق العادة للقنصلية الروسية في أورميا، ويجيد الفرنسية، وإسلوب المراسلة الدبلوماسية فيها بشكل جيد. وبهذا الصدد يقول أغا بطرس نصاً “ان كل ابناء الملة (العشائر واورمي) في بعقوبة رشحوا واختاروا أذهب انا أغا بطرس الى باريس مع السيدة سورما خانم، انا من جانب الامة والسيدة سورما خانم من جانب البيت البطريركي مار شمعون. ولهذا الهدف قام كل اقسام (ويقصد محلات مخيم بعقوبة) العشائر بجمع المبالغ اللازمة، لكن هذه الخطة لم تقبل . . وسورما خانم ..”(41). وقد سافرت سرما في أيلول/سبتمبر 1919 لحضور المؤتمر الذي افتتح رسمياً المؤتمر في 18 يناير 1919، وتم توقيع الاتفاقيات في 28 يونيو 1919، فوصلت لندن في 11 تشرين الاول/أكتوبر 1919، وأمضت سرما ثمانية أشهر في بريطانيا ولم تحضر المؤتمر الذي انتدبت لتمثيل شعبها فيه، حيث إحتجزها البريطانيون في لندن، وهناك نشر لها كتاب “طقوس الكنيسة الاشورية ومقتل مار شمعون” أعده المبَشر البريطاني ويكرام، وإمتدحها وزير الخارجية اللورد كرزن وفقاً للاسلوب البريطاني في جلسة مجلس اللوردات في تشرين الثاني 1919 قائلا: ((عملياً من الصعب لا بل من المستحيل أن نتصور أن هناك شخص يستحق الملاحظة والأهتمام أو شخص أكفأ من الليدي سورما. هي الوحيدة التي باستطاعتها التحدث عن الشعب الآشوري الذي تنتمي إليه بشكل وافِ وبحُجة )) (42). ولا أدري عن أي كفاءة يتحدث وقد سافرت لتمثّل شعبها لحضور مؤتمر بعد إفتتاحه بعشرة أشهر؟
ومن ناحية أخرى، فبإستبعاد بطرس آغا في المرة الثانية عام 1921، قد حقق لبريطانيا فرصة إستخدام الاشوريين كمقاتلين في تشكيلات عسكرية سميت نسبة الى رمز توراتي ب (جيش الليفي Assyrian Levies)(43) من عام 1921-1955. (44)، الذي أصبح جميع مقاتليه من الاشوريين عام 1928. وجرى إستخدامهم لقمع الكثير من إلانتفاضات الداخلية بما اكسبهم سمعة سيئة لدى بقية قوميات الشعب العراقي.
ومن ناحية ثالثة، فقد جاءت حادثة سميل 1933 لتؤكد خداع البريطانيين الذي ظلّ بطرس آغا يُحذرهم منه.
واخيرا، فقد تنبأ بطرس آغا بانكشاف الحقائق يوما ما، في رسالة كتبها في باريس بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 1922 قائلا:” لقد فبركتم ضدي الكثير من التهم والاباطيل وجميعها عار من الصحة، وأنا واثق لو انكشفت لكم الحقيقة يوما ما ستضربون على الاركاب ندما والايام كفيلة بكشف الحقائق”.(45)
والحقيقة الغائبة عن أعين الجميع، وهي إن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى قد قسمت العالم فيما بينها وفقا لنظام غنائم الحرب، وحمّلت المانيا تعويضات تعجيزية قدرت ب (269) مليار مارك.(46)
فقد كان النفط قضية محورية في تقسيم أشلاء الدولة العثمانية والغنائم بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى .. وعندما ظهر موضوع النفط عام 1918، أصبح طاغياً(47) على أية مفاوضات، وغدا تاريخ العراق الحديث مرتبط بالصراع على النفط، فمرة تسيطر عليه القوى الدولية باتفاق مع قوى داخل العراق، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى وبعد 2003، ومرة أخرى تتمكن الدولة العراقية من فرض سيادتها عليه كما حدث في بداية الستينات من القرن الماضي.
ووفقا لمعاهدة فرساي لعام 1918، كانت الموصل من حصة فرنسا استناداً لاتفاق سايكس-بيكو، حيث أعتبرت ضمن سوريا. وبظهور مسألة النفط الحيوية، قررت بريطانيا الحصول عليها بأي ثمن، فعمدت الى مايلي:-
1- إقناع فرنسا بالتنازل عنها مقابل منحها 25% من نفط الموصل وتثبيت ذلك في إتفاقية سان ريمو1920، أثناء مفاوضات عقد الاتفاقية المذكورة (19-26 نيسان)، وقد خصص يومي (24-25 نيسان 1920 لصياغة الاتفاق النفطي مع فرنسا من خلال منحها حصة 25% من نفط الموصل.
2- إرغام تركيا علة التنازل عنها مقابل إعطائهم لواء الاسكندرونه السوري. والدخول في مفاوضات عسيرة برعاية عصبة الامم من خلال لجنة تحقيق الموصل وتوجيه الحقائق لصالح بقائها مع العراق، وقد انهت اللجنة أعمالها وقدمت تقريرها بعائدية الموصل الى العراق عام 1925.
3- ضمان حصة شركات النفط العالمية في الاتفاق القادم مع العراق والذي ضُمِن اتفاقية عام 1925، وهي حصة الشركات (البريطانية-الفرنسية-الهولندية-الأميركية).
4- تنصل بريطانيا عن وعد إقامة الدولة الكردية، إرضاءً لتركيا، والرجوع عن ذلك الوعد في إتفاقية سيفر عام 1920، والتي نصّت على أنه من حق سكان إقليم كردستان إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل وفقا للبنود 62-64 من الفقرة الثالثة من الاتفاقية، من خلال إتفاقية جديدة، حيث نصت معاهدة لوزان الموقعة في (24 من يوليو 1924م) على أن تتعهد أنقرة بمنح سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للأكراد فيها، كما لم تجرِ الإشارة إلى معاهدة سيفر، وعدَّ الأكراد هذه المعاهدة ضربةً قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم.(48)
5- إستخدام الاشوريين كقوة لتأديب الاكراد الذين دفعهم الشعور الديني الى قتال ومحاربة المسيحيين الاشوريين بتحريض من بريطانيا وتركيا والفرس، مستغلين غباء رجال الدين وإندفاعهم.
6- الضغط على الحكومة العراقية لقبول منحها إمتياز نفط الموصل لبريطانيا مقابل إلحاقها بالعراق. فقد اعتمدت بريطانيا حجة المطالبة التركية بولاية الموصل لاحقًا؛ لكي تشترط على الحكومة العراقية التي تشكلت في أعقاب تنصيب فيصل الأول ملكًا على العراق عام 1921، أن توافق على منح حقوق الامتياز لمجموعة شركات النفط الغربية (البريطانية-الفرنسية-الهولندية-الأميركية) مقابل دعمها للعراق بأحقيته في الاحتفاظ بولاية الموصل، وتم بناء على ذلك التوقيع عام 1925 على اتفاقية الامتياز، لما أُطلق عليه لاحقًا تسمية شركة نفط العراق في الجزء الشمالي من العراق، ووزعت الحصص على أساس 23.75% لكل من الشركات البريطانية والفرنسية والأميركية والهولندية، و5% إلى السيد كولبنكيان، وكان من ضمن الشروط التعسفية الأخرى إجبار العراق على التنازل عن حصته البالغة 20% الممنوحة له بموجب معاهدة سان ريمو. وكما هو معروف، فقد تم التأطير السياسي لنتائج الحرب العالمية الأولى وتقسيم الجزيرة العربية إلى دويلات بحدود مصطنعة وقابلة للتفجير، من خلال جملة من الاتفاقيات والمعاهدات، مثل: سايكس بيكو، وسان ريمو.. وغيرها. إضافة إلى اتفاقية الخط الأحمر في1 يوليو/تموز 1928 بين شركات النفط وممثلي دول تلك الشركات.(49)
7- الى جانب ذلك، وافقت فرنسا على حدود (سوريا المقيدة) التي لا تشمل لبنان وفلسطين بدلا من إقامة بلاد الشام كدولة واحدة، على أن تعطى فلسطين لبريطانيا ولبنان لفرنسا. وكان إن تعهدت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بلفور في 2 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917 بإقامة الدولة اليهودية، والتي سمّيت لاحقاً ب (إسرائيل).
وهذا ما دفع البعض الى الاعتقاد بإن “العراق كان كيانا مصطنعا ومن صنع وزير المستعمرات البريطانية آنذاك (تشرشل) الذي خطرت له فكرة الجمع بين حقلي نفط متباعدين بدمج فئات مختلفة من الأديان والأعراق والطوائف”، وهما حقول نفط الموصل، وحقول نفط كركوك.(50)
يقول الفيلسوف العربي إبن خلدون :” إن هدف التاريخ النهائي وغايته فهم الماضي على حقيقته للإستفاده من ذلك في الحاضر”. ويقول الفيلسوف سانتانا:” إن الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بتكراره”.
فأين الآشوريين من هذا الدهاء؟
*عراقي مقيم في سويسرا، دكتوراه في القانون الدولي. محامي، أستاذ جامعي، ودبلوماسي سابق، كاتب.
الهوامش والمصادر
(1) آغا أو أغا أو آغة من اللغة التركية ويعني سيد أو رئيس وهو لقب مدني وعسكري كان مستعملا في عهد الدولة العثمانية. أنظر الموسوعة العربية الميسرة، القاهرة 1965. وكذلك ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(2) نينوس نيراري، آغا بطرس سنحاريب القرن العشرين، ترجمة فاضل بولا، سان دياغو 1996.
(3) نص الرسالة منشور في المصدر السابق، ص ص214-238.
(4) المصدر السابق، ص 214.
(5) المصدر السابق، ص 217.
(6) هو القديس بيوس العاشر ، البابا رقم 257 في تسلسل بابوات روما للفترة (من 4 آب/أغسطس 1903ولغاية 20 آب/أغسطس 1914. أنظر قائمة بابوات الكنيسة الكاثوليكية، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(7) المصدر السابق، ص ص214-215.
(8) تبريز، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(9) سانت بطرسبرغ (بالروسية: Санкт-Петербу́рг)، والتي عرفت سابقاً باسم لينينغراد (Ленингра́д في 1924-1991) وباسم بيتروغراد (Петрогра́д في 1914-1924)، هي مدينة روسية تقع في شمال غرب روسيا في دلتا نهر نيفا، شرق خليج فنلندا، في بحر البلطيق. و تعتبر أحد أكبر مراكز أوروبا الثقافية.
(10) أرشمندريت معناها رئيس الصيرة (الروحية) أو رئيس الدير. يذكر أبيفانيوس في كتابه ضد الهرطقات (80؛ 6) أن هذا اللفظ أطلق أولاً في بلاد ما بين النهرين لأن الصيرة (الماندرة أو المنطرة كما تستعمل اليوم في سوريا ونحتت منها كلمة الناطور) هذه كلمة كانت تطلق في القرن الرابع الميلادي على الدير في سوريا واضيفت إليها كلمة (أرخي – من أرخيغوس اليونانية) فأصبحت أرخمندريت. أي رئيس المنطرة (الصيرة : الدير) ثم شاعت في الكنائس الشرقية وتبلورت فيما بعد فصار معناها الأب –الرئيس.
(11) مار شمعون الحادي والعشرون بنيامين (بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ)، كما يعرف ب-مار بنيامين شمعون، هو آخر بطاركة كنيسة المشرق الآشورية المقيمين في حكاري.
ولد سنة 1887 وتولى البطريركية في قدشانس سنة 1903. قاد حوالي 50,000 من رعيته إلى أورميا أثناء المجازر الآشورية. اغتيل في 3 اذار (مارس) 1918 مع 150 من مرافقيه بينما كان في حماية أحد الزعماء الأكراد من عشيرة شكاك.
(12) أنطوان صنا، (تفاصيل قصة استشهاد البطريرك مار بنيامين شمعون من اجل الامة والكنيسة) الجزء الثالث، موقع عنكاوا، في 3/3/2012.
(13) يوسف مالك، قبرص وبربرية الاتراك في القرن العشرين، بيروت 1955، ص230.
(14) رياض رشيد ناجي الحيدري، الأثوريون في العراق 1918-1936، الطبعة الاولى، القاهرة 1977. ص46.
(15) أسامة نعمان، تاريخ الاثوريين، ج1، بغداد 1970، ص ص 55-56.
(16) رياض، المصدر السابق، ص 73.
(17) نعمان، المصدر السابق، ص ص64-65.
(18) نينوس، المصدر السابق، ص 75.
(19) “لكن سمكو إستطاع الفرار إلى (قلعة تشارا) في وادي سالامس (غربي بحيرة أورميا) فلحق به المقاتلون من ابناء شعبنا واحتلوا القلعة ثمّ استطاع الفرار متنكّراً بزي امرأة إلى (مدينة خوي) في الشمال حيث قتل أكثر من 3800 رجل وطفل وإمرأة من ابناء شعبنا العزّل وهنا تؤكد بعض المصادر التاريخية ان المبشر الأميركي كارتر باكارد سهل فرار سمكو وانه هو الذي كان المحرّض على مجزرة خوي والذي تشكّ عائلة مار بنيامين شمعون بضلوعه مع الإنكليز في التخطيط لمقتل البطريرك وبعد سنتين إختلف سمكو مع الإيرانيين فهرب إلى العراق بحماية صهره (الشيخ “سيّد طه قائمقام منطقة راوندوز) انذاك وهنالك لاحقه الزعيم (ياقو ملك إسماعيل) ومقاتليه بشكل سرّي حيث تسللوا إلى منطقة “ديانا” في اقليم كوردستان بهدف الثأر للبطريرك ومعرفة من وراء مخطط اغتياله لكن الإنكليز أخبروا سمكو بخطّة”ياقو ملك إسماعيل” فهرب مجدّداً وفي النهاية دُعي سيمكو من قبل الأمير الإيراني إلى الصلح بعد خلاف غير معروف فكانت نهايته بنفس الطريقة التي قتل بها البطريرك الشهيد حيث قتله مُضيفه يا لها من سخرية الاقدار …”. أنظر، أنطوان، المصدر السابق، الجزء الثالث.
(20) كان ذلك تحديدا في 8 تموز/يوليو 1918. أنظر، نينوس، المصدر السابق، ص 153.
(21) ويكرام، حليفنا الصغير، ص ص 111-112.
(22) نعمان، المصدر السابق، ص ص 73-74.
(23) رياض، المصدر السابق، ص84.
(24) نينوس، المصدر السابق، ص 159.
(25) ماليبارد، نواعير الفرات أو بين العرب والاكراد، ترجمة الدكتور حسين كبة، بغداد 1957. أنظر ايضاً جورج لنشوفسكي، الشرق الاوسط في الشؤون العالمية، ترجمة جعفر الخياط، ج1، بغداد 1964.
(26) أبعدت السلطات العسكرية البريطانية أغا بطرس وشقيقه آغا مرزا الى بغداد،وفرضت عليهما الاقامة الجبرية في منطقة الصالحية (كرادة مريم اليوم). نينوس، المصدر السابق، 164.
(27) هو السير أرنولد تيودور ويلسون،
(28) لقد إستوعب البريطانيون درساً بليغاً في التعامل مع العراقيين، يتمثل في عدم إمكان حكمهم مباشرة من أجنبي، وإن كرامتهم خط أحمر يجب عدم تجاوزه. لذا فقد كانت سياستهم مختلفة في المرة الثانية التي دخلوا فيها العراق عام 2003 مع قوات التحالف الامريكي وإستقروا في البصرة جنوب العراق، حيث اتسمت سياستهم بالمرونة وحسن المعاملة وبشكل افضل من تعامل الولايات المتحدة ذاتها.
(29) نينوس، المصدر السابق، ص170.
(30) المصدر السابق ص 176.
(31) ثورة العشرين، موقع المعرفة الالكتروني.
(32) نينوس، المصدر السابق، ص 191. علما إن هذا الكتاب الذي هو المرجع الوحيد عن بطرس آغا لاوجود للصفحة رقم 192، كما أن الكتاب ملىء بالاخطاء اللغوية وتعتري معظم فقراته الركاكة وعدم الدقة في الاشارة الى مراجع
الاقتباس، وعدم ذكر تواريخ رسائل بطرس بدقة.، وعدم إعتماد الصوص الفرنسية التي حررها بطرس آغا في مراسلاته الدبلوماسية باعتبارها لغة الدبلوماسية الدولية آنذاك.
(33) د. عبدالمسيح بويا يلدا، من أين جاء الآثوريون إلى العراق؟ ج 3، موقع كلدايا نت، في 20 شباط 2012.
(34) نينوس، المصدر السابق، ص 193.
(35) المصدر السابق، ص 194.
(36) الجنرال هنري جوزيف أوجين غورو (بالفرنسية: Henri Joseph Eugène Gouraud) (و. 17 نوفمبر 1867 – ت. 16 سبتمبر 1946) ولد في باريس وبها تلقى علومه. أسرته مكونة من ستة أبناء كان هنري فيها أكبر إخوته. انتسب إلى المدرسة العسكرية في سان سير Saint-Cyr وتخرج فيها برتبة ضابط عام 1888م، خدم بسلاح القناصة، وظهرت موهبته عسكرياً واستراتيجياً في أثناء خدمته العسكرية في مالي، وكان من أنصار النظرية العسكرية الفرنسية القائمة على «الهجوم حتى الإبادة». وهو القائد العسكري الفرنسي الذي قاد الجيش الفرنسي في نهاية الحرب العالمية الأولى في الحرب التركية الفرنسية (1919 – 1923).اشتهر الجنرال غورو بكونه المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان و سوريا، وبكونه من تولى إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 بعد فصله عن سوريا بموجب إتفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا و بريطانيا. انظر، هنري غورو، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(37) نينوس، المصدر السابق، ص ص 170-171.
(38) آشور كيوركيس، حركة التحرر الآشورية والتدّخل الفرنسي (1919-1922)، موقع عنكاوا الالكتروني في 23/2/2014.
(39) د. عبدالمسيح، المصدر السابق.
(40) ‘مؤتمر باريس للسلام’ كان اجتماعاً للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قرروا فيه كيف يقسمون غنائم المنهزمين، وكيف يحددون أسس السلام القادم معهم عقب هدنة عام 1918.عقد في باريس سنة 1919 وشارك فيه مندوبون عن أكثر من 32 دولة وكياناً سياسياً. وكان من أهم قراراته إنشاء عصبة الأمم. وقع المشاركون خلاله على خمس معاهدات مع المنهزمين (بما فيها معاهدة فرساي مع ألمانيا)، وقسمت أملاك الدولة العثمانية، ومستعمرات ألمانيا خارج أوروبا، وقسمت ألمانيا نفسها، ورسمت حدود جديدة لبعض الدول وأنشئت دول لم تكن من قبل. وفرضت تعويضات على ألمانيا للدول والأمم المتضررة من الحرب. في القسم 231 من معاهدة فرساي أحيل اللوم في نشوب الحرب وتداعياتها على ألمانيا وحلفائها وكانت التعويضات المفروضة عليها كبيرة جداً حتى أنها لم تتمكن من دفع إلا جزء يسير منها قبل انتهاء الفترة الممنوحة لها في 1931. كان ” الأربعة الكبار” في المؤتمر كل من رئيس الولايات المتحدة، وودرو ويلسون. ورئيس وزراء بريطانيا العظمى، ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا، جورج كليمنصو. ورئيس وزراء إيطاليا، فيتوريو ايمانويل أورلاندو. التقوا معا بشكل غير رسمي 145 مرة، وصاغوا كل القرارات الكبرى، التي صادق عليها الآخرون. افتتح المؤتمر في 18 يناير 1919. وشاركت فيه وفود من 27 دولة قسمت إلى 52 لجنة، عقدت 1646 جلسة لإعداد التقارير، بمساعدة العديد من الخبراء، حول مواضيع شتى من أسرى الحرب، إلى الكابلات تحت البحر، إلى الطيران الدولي، إلى المسؤولية عن الحرب. اشتملت التوصيات الرئيسية للمؤتمر على كل من معاهدة فرساي مع ألمانيا، التي تكونت من 15 فصلا و 440 بنداً، والمعاهدات الأربع الأخرى مع الدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى. سيطرت القوى الخمس الكبرى (فرنسا وبريطانيا وايطاليا والولايات المتحدة واليابان) على المؤتمر.عملياً لعبت اليابان دورا صغيرا إلى جانب “الأربعة الكبرى” التي كان زعماؤها هم الشخصيات المهيمنة على المؤتمر.[1] عبر جلسات مفتوحة وافقت جميع الوفود على القرارات التي اتخذها الأربعة الكبار. وانتهى المؤتمر في 21 يناير 1920 مع افتتاح الجمعية العامة لعصبة الأمم. أنظر ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(41) بيث شموئيل، الاشوريون في مؤتمر الصلح باريس 1919، دهوك 2000.
(42) خوشابا سولاقا، سورما خانم دبيث مار شمعون ودورها في التاريخ الآشوري الحديث ( الجزء الأول )، موقع نهلا الالكتروني، في 26 / 7 / 2013.
(43) لاوي بن يعقوب (بالعبرية שבט לוי): هو ثالث أبناء النبي يعقوب (إسرائيل) من زوجته ليا بنت لابان ومؤسس سبط اللاويين. وفي التراث اليهودي، كان الكهنة اليهود من سبط اللاويين. تذكر التوراة أن ليا سمته لأوي لأنه ثمرة مجامعتها مع يعقوب إذ أن كلمة “يلاوي” العبرية تعني مجامعة. أما الباحثون في التوراو، فيقولون أن “لاوي” تعني ببساطة “كاهن”. وبرروا أصلها من اللغة الماعنية (إذ أن كلمة لاوئي الماعنية تعني كاهن) أو نسبة للناس الذين التحقوا بتابوت العهد. وسبط اللاويين ظهر بعد خروج العبرانيين من مصر، وقع الاختيار على أبناء اللاويين لخدمة التابوت المقدس وذلك لأنه عندما نقض بقية الشعب العهد مع الرب وصنعوا العجل الذهبي ليعبدوه، رجع اللاويون وحدهم من تلقاء أنفسهم إلى عبادة الله وبحسب التوراة، كان عدد اللاويين الذين خرجوا من مصر 22,300 شخص [4]. وكان اللاويين متوسطين بين الكهنة والشعب إذ سمح لهم بلإقتراب من التابوت المقدس إلا أنه لم يسمح لهم برؤيته.[5]. وكانت مهمتهم نصب وفض خيمة الإجتماع في الترحال. في زمن داوود، كان اللويون ينقسمون إلى أريعة أقسام: مساعدوا الكهنة، القضاة والكتبة، البوابون والموسيقيون. ولما انحلت المملكة الشمالية، نزح اللاويون إلى يهوذا في الجنوب وأرشليم. وسفر اللاويين هو السفر الثالث في التوراة ويعتبر دليل الكهنة الذي ينظم العلاقة بين الله وشعبه. فبه يشهر طريقة تقديم الأضاحي والواجبات المترتبة على الكاهن والعابد وعن شرائع الطهر والنجس من الأطعمة والأمراض والمدنسات وشرائع يوم الكفارة وشريعة القداسة. انظر، لاوي، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(44) .The Iraq Levies 1915 –1932 by Brigadier J. Gilbert Browne CMG, CBE, DSO
(45) نينوس، المصدر السابق، ص214.
(46) حددت لجنة من الحلفاء من باريس في 29 يناير 1921 ان تدفع ألمانيا 269 مليار مارك خلال 42 قسطا سنويا إلا ان البرلمان الألماني رفض مطالبات الحلفاء فقامت القوات الفرنسية والبلجيكية باحتلال الروهر لاجبار ألمانيا على السداد. في عام 1924 خفض القسط السنوي الواجب على ألمانيا سداده. وفي عام 1929 خفض مبلغ التعويضات ليبلغ 112 مليار مارك. وحينما أصبح أدولف هتلر مستشارا لألمانيا عام 1933 أوقف سداد التعويضات وكانت ألمانيا آنذاك قد سددت ما يصل إلى ثُمن قيمة التعويضات الواجب سدادها. وقد سددت ألمانيا آخر قسط من التعويضات في 4 أكتوبر 2010 بالتزامن مع الذكرى السنوية العشرين لإعادة توحيد ألمانيا. أنظر تعويضات الحرب العالمية الاولى، ويكيبيديا، الوسوعة الحرة.
(47) ما أسهل التنازل عن أملاك الغير. عام 1918 اصبح موضوع النفط طاغيا. وبحسب الاتفاق تسيطر فرنسا على الموصل حيث يوجد مخزون كبير لكن البريطانيين يحصلون على الامتيازات النفطية. اراد جورج كليمنصو تلبية ضغوط المجموعات الاستعمارية لكن بتحديد السيطرة الفرنسية في “سوريا المقيدة” التي لا تشتمل على فلسطين ولكن تسمح بالوصول الى الموارد النفطية. فالتوسع المفرط على الارض من شأنه زيادة الكلفة الادارية بشكل لا يتناسب مع العائدات المحتملة. كان ذلك بمثابة التخلي عن سوريا الكاملة او “سوريا الكبرى” كما تسمّى اليوم. وغداة الهدنة راح كليمنصو يتفاوض مباشرة مع لويد جورج حول تقسيم الشرق الاوسط في غياب اي شهود.
سجل موريس هانكي، امين سر الحكومة البريطانية في يومياته بتاريخ 11 كانون الاول/ديسمبر من العام 1920 ما يأتي: ”اجتاز كليمنصو وفوش البحر بعد الهدنة وأعد لهما استقبال عسكري وشعبي كبير. ذهب لويد جورج وكليمنصو الى السفارة الفرنسية ولما انفرد أحدهما بالآخر سأل كليمنصو: “طيب، ماذا نناقش هنا؟”، “بلاد ما بين النهرين وفلسطين” اجابه لويد جورج. فسأله كليمنصو: ”قل ماذا تريد؟”، فأجاب لويد جورج: ”اريد الموصل”، فقال كليمنصو: ”انه لك. هل من شيء آخر؟”. “بلى، اريد القدس”، اردف لويد جورج. فقال كليمنصو: ”ستحصل عليها لكن بيشون سيصعّب موضوع الموصل. لا يوجد اي اثر مكتوب او مذكرة تمت صياغتها في حينه (…) لكن وبالرغم من ضغوط معاونيه وكل الاطراف المعنيين لم يتراجع كليمنصو الصلب عن كلمته ابدا وانا خير من يعرف ان لويد جورج لم يعطه اي ذريعة للتراجع. هكذا صنع التاريخ”، أنظر، هنري لورنس، كيف جرى تقسيم السلطنة العثمانية. موقع mond diplomatique.
(48) طبقا لمعاهدة سيفر حيث جاء في المادة 64 من معاهدة سيفر مايلي “إذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وبين تركيا. وإذا ما تم تخلي تركيا عن هذه الحقوق فإن الحلفاء لن يثيروا أي اعتراض ضد قيام أكراد ولاية الموصل (بالانظمام الاختياري إلى هذه الدولة الكردية”. لكن البريطانيين تنكروا لبنود معاهدة سيفر مما حدى بالحفيد إلى إعلان الثورة على الحكم البريطاني وقام بالسيطرة على مدينة السليمانية في 21 مايو 1919 وطرد القوات البريطانية في المدينة وتمكن من أسر عدد من الضباط الإنكليز وأعلن تشكيل دولة كردية، وأعلن نفسه ملكا عليها، واتخذ له علماً خاصاً بدولته. أنظر، أكراد العراق، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة. كذلك، قصة الاكراد، المواقف الدولية من القضية الكردية، موقع قصة الاسلام الالكتروني في 27/3/2014،
(49) د. عصام الجلبي (وزير النفط العراقي الاسبق)، النفط والصراع السياسي في العراق، موقع دراسات الجزيرة الالكتروني في 5 نيان/آبريل 2012.
(50) بيار سالنجر وإريك لوران، كتاب “المفكرة الخفية لحرب الخليج” ط11، بيروت 1993.