صورة، وعقلية مأزومة! .. التفكير السياسي عندما يكون أسيرا للماضي والعقد الشخصية!

صورة، وعقلية مأزومة! .. التفكير السياسي عندما يكون أسيرا للماضي والعقد الشخصية!

استطاعت الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003، من استدراج عموم المجتمع إلى النظر نحو الماضي والانشغال بتفاصيله وتكريس الجهود من أجل ذلك، اعتمادا على ذاكرة تستثار من صورة، أو موقف عرضي أو مقال نشر قبل ثلاثين عاما وأكثر، ولأن تباين وجهات النظر والأفكار إزاء الماضي، لم تقم على مشتركات توحد العراقيين، فإن النتائج عادة ما تكشف عن انقسام مجتمعي واضح، وهذا ما نعايشه في كل ذكرى سنوية لثورة قاسم 1958، رجوعا إلى خلافات ومعارك الإمام علي مع معاوية!
لا حصيلة نافعة، ولا إثراء لجانب من حياتنا، بل إحدى صور التعبير عن انقطاع صريح عن الحاضر وعزلة معلنة مع المستقبل، أي إن ذاكرتنا أمست مستلبة للماضي المحنط بذاكرة العاجزين عن خوض الحاضر وصناعة المستقبل.
صورة للمواطن محمد شياع السوداني التقطت قبل ربع قرن أو أكثر، أثارت جدلا ممتداً من اجتماعات أحزاب الإطار التنسيقي إلى أمواج السوشيال ميديا، ولا أهمية للصورة سوى أن صاحبها الذي يجلس في اجتماع ترتفع فيه صورة الردكتاتور صدام حسين في زمن الصورة، لا أهمية للصورة سوى أن الرجل يشغل الآن منصب رئيس وزراء، أعلى سلطة تنفيذية في العراق، وتلك حصة الشيعة في الحكم، وإذا ما علمنا أن دول العالم الحر صارت تفرج عن أسرار الدولة وأوراق المخابرات المهمة وعملياتها، بعد مرور عشرين سنة أو ربع قرن، بينما قديما، كانت المدة الزمنية تقتضي أربعين أو خمسين سنة، حتى تفرج عن تلك الأوراق والأفلام السرية، والسبب في تقليص الزمن إلى النصف تقريبا، يأتي بسبب اختلاف سرعة الأحداث وكثافتها من جهة، وإتاحة حق المعلومة للمواطن أو الجهات التي تستفيد منها، ولعمري تلك مجتمعات تنظر إلى الأمام بتفاعل وتفائل، بينما ننظر نحن إلى الوراء بغضب وتشاؤم وتغذية انتقامية من الحاضر.
صورة شياع السوداني قرب إحدى صورة صدام، واحدة من ملايين الصور التي تغطي البلاد، تبدأ من زاخو إلى الفاو، ومن مدخل “طريبيل” حتى منفذ الشلامجة، واذكر أني عملت تحقيقاً صحفياً لمجلة “الأسرة العصرية” في الإمارات اعتقد عام 1999 أو 2000 عن جدارية الحرية لجواد سليم، وفي إحدى اللقطات العام لنصب الحرية، ظهرت عرضا صورتين لصدام حسين! تخيلوا المفارقة، صدام حسين ودلالات نصب الحرية! فهل كان ذنب جواد سليم؟
نشر صورة السوداني القديمة، جاءت بأهداف تسقيطية هذا أمر مؤكد، وإذا كان اكتشافا متأخرا لتوجهاته السياسية والفكرية السابقة، فما هو الفرق الجوهري بين الماضي والحاضر؟ ومن كان يعمل تحت صورة صدام، فالآخر عمل تحت صورة حافظ أو بشار الأسد أو غيرهما! فالمطر متعادل يا إخوان!
ليس دفاعاً عن السوداني، الرجل له ما له وعليه ما عليه، لكن ما يثار ضده من اتهامه بالبعثية منطلقاً من حلقة الإطار التنسيقي، ينعكس سلبياً عليهم وبالمباشر، فالرجل تبوأ ثلاثة مناصب وزارية ومحافظ ونائب في مجلس النواب تحت رعاية أحزابكم وحصتكم في تقاسم السلطة والكعكة وجميع أنواع الكيك والحلوى!
* قبل 2003 كان هناك سبعة ملايين بعثي حسب ما تذكر مصادرهم، واتهام السوداني بعثياً، يدفع ما تبقى من تلك الملايين المتبقية على قيد الحياة وفكر البعث، يدفعهم لانتخاب السوداني، وبهذا تقدمون هدية للسوداني والبعث، ناهيك عن تهمة المخالفة الدستورية التي ينبغي أن تخضعكم للحساب، جراء تكليف شخصية بأهم موقع رئاسي بالدولة، وأنتم تجهلون ماضيها وتفاصيلها السياسية.
*كان ينبغي على أحزاب الإطار التنسيقي، وكذلك الأطراف السياسية الأخرى المشتركة بالحكومة، أن تكرس الشهور الثلاثة الأخيرة لعمر الحكومة، بمراجعة دقيقة وعلنية لما حققته حكومة السوداني من البرنامج الحكومي، وما الذي لم يحققه، أين مشروع مكافحة الفساد؟ ما هي معدلات التنمية؟ لماذا تضخمت الديون والعجز في الموازنة؟ لماذا تخلفنا في إنجاز الكهرباء، وتعطلت سياستنا الخارجية في الدفاع عن حقوق الوطن بالماء والحدود وغيرها؟ مشكلة نفط الإقليم والخلاف مع بغداد ورواتب الموظفين في الإقليم؟ غياب البنى التحتية في الصناعة والزراعةً؟ أسباب الركود الاقتصادي الذي شلّ البلاد خلال عامين؟ أين الخدمات الحكومية التي استهلكت مليارات دون تحقيق ما يلفت الانتباه، إذا استثنينا الجسور والطرق والأنفاق، أسئلة عديدة ترتبط بآفاق الحياة العراقية وأزماتها، وتعطل حلولها؟
هذا الأمر الغائب مع جميع الدورات الوزارية الفاشلة السابقة، لهو الأجدر والأنفع للوطن والمواطن، وليس الاصطفاف أمام طموح رجل يتطلع لرئاسة ثانية، كان ينبغي أن يكون الإنجاز هو الاختبار والاستحقاق لدورة ثانية من عدمها، وليس صورة أكل عليها الدهر وشرب!