18 ديسمبر، 2024 7:41 م

أربعون عاما مضت، وعبدالحليم في قلب الوطن، كما هو في قلوب العشاق: مشاعر تشكلت في حنجرة فكتبت تاريخ العاطفة الوطنية والقومية والإنسانية في أرقى تجلياتها.

أربعون عاما ولا يزال صوته حمال أشواق في دنيا العشاق، وخير عنوان في التغني بحب الأوطان، ومثالا للرومنسية، فالعندليب الذي تربت على صوته الأجيال، وعاشت معه رحلة الوله والجمال، والحلم والخيال، والهجر والوصال، والزعل والدلال، والثورة والنضال، والانتصارات والانكسارات، ما انفك يثير الدهشة، ويطرح الأسئلة، ويلهم الأخيلة، ويثبت أن الموهبة الحقيقية تنحت طريقها في الصخر، وأن الجمال الحقيقي قادر على أن يقتحم بوابات المستحيل وأن الألم العميق يمكن أن يتحول إلى طاقة استثنائية تدفع بصاحبها إلى أعلى الدرجات في سلم المجد.

في 30 مارس 1977 غادرنا عبدالحليم وهو في الثامنة والأربعين من عمره تاركا وراءه 241 أغنية يضاف إليها تسع أغانٍ غناها لمطربين آخرين ما يجعل المجموع يبلغ 250 أغنية. ومن بين أغانيه 48 أغنية وطنية باتت تمثّل اليوم وثائق فنية معتمدة عن فترة مهمة من تاريخ مصر والوطن العربي، فالفتى الأسمر الذي ولد فنيا مع ثورة 23 يونيو 1952، استطاع أن يكون المتحدث الرسمي الحقيقي بلسان العهد الناصري ومرحلة المد القومي والتحرر الوطني، حتى أنه لا يمكن لأي باحث أو قارئ للتاريخ أن يغفل عن وطنيات عبدالحليم حافظ وخاصة تلك التي جمعته بشعر صلاح جاهين وألحان كمال الطويل، والتي كانت تترجم الخطاب السياسي والأحداث والتحديات والإنجازات إلى أعمال فنية خالدة.

في 1967 عاش العندليب صدمة الهزيمة، ولكنه لم ينكسر، فغنى أقصر نشيد وطني من كلمات عبدالرحمان الأبنودي وألحان كمال الطويل “أحلف بسماها وبترابها أحلف بدروبها وأبوابها أحلف بالقمح وبالمصنع أحلف بالمدنه والمدفع بأولادي بأيامي الجاية ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا”. وقرر أن يغني النشيد في افتتاح كل حفل فني إلى أن يأتي موعد الانتصار، واستمر على ذلك إلى أن تحقق العبور في حرب أكتوبر 1973، وفي 1982 قررت شركة صوت الفن طباعة وتوزيع بعض وطنيات العندليب بعد أن تقوم بسحب اسم عبدالناصر منها خوفا من غضب الجهات الرسمية، ولكن محمد عبدالوهاب اتصل بالرئيس مبارك وعرض عليه الأمر، فكان الجواب الرئاسي أن أعيدوا طباعة وتوزيع الأغاني كما هي لأنها تمثل جانبا من تاريخ مصر لا يمكن إلغاؤه. وفعلا طُرحت الألبومات، وبالسؤال عن سر ذلك، كان الجواب أن حليم كان صوتا صادقا، وناصر كان زعيما، والشعب لا ينسى زعماءه ولا أصواته الصادقة.

أربعون عاما مضت، وعبدالحليم في قلب الوطن، كما هو في قلوب العشاق: مشاعر تشكلت في حنجرة فكتبت تاريخ العاطفة الوطنية والقومية والإنسانية في أرقى تجلياتها.

نقلا عن العرب