23 ديسمبر، 2024 4:16 ص

صوت النازحين والمغيبين والضمير الضائع !

صوت النازحين والمغيبين والضمير الضائع !

قضية النازحين مشكلة سياسية من الطراز الاول قبل ان تكون انسانية ، وغير هذه النظرة اليها فهي محاولة للتملص من امكانية ايجاد الحلول لها والتعامل معها كموضوع اغاثة يبقي المشكلة تراوح في مكانها .
ومشكلاتها لاتتعلق فقط بعودة قسم منهم الى ديارهم فالعودة مع بقاء التهديد الأمني وبؤس الوضع الانساني والخدماتي وتوقف برنامج التعويضات أو سيره السلحفاتي لايعني غير ترحيل المشكلة جغرافيا مع الابقاء على جذورها السياسية ، الجذور التي تبرز في المنعطفات السياسية ومنها الانتخابات .
ولعل من أوائل القادة السياسيين الذين نبهوا الى سياسية المشكلة وتأثيرها على الاستقرار في البلاد ،الذي يترأس حزب المشروع العربي في العراق وزعيم تحالف عزم حالياً خميس الخنجر ، فيما تناولها بقية القادة او غالبيتهم ،من باب الانصاف ،باعتبارها قضية مأكل وملبس وخيم ، والاكثر من ذلك جعلوا هذه القضية ميداناً لسرقة الاموال التي كانت تخصص للنازحين، ولدى مفوضية النزاهة عشرات القصص المؤلمة عن ضياع ضمير من تصدى لأموالهم !
والحقيقة ان هناك اطرافاً سياسية تعرقل عودة النازحين لاسباب سياسية كما شخّصها الخنجر في تغريدة له في التاسع والعشرين من آيار، وهو المعني بها منذ سنوات كقائد سياسي سنّي دخل العملية السياسية في البلاد مؤخر وخاض انتخاباتها عام 2018 ولديه كتلة برلماني مؤثرة، والتي جاء فيها ” من يعرقل عودة النازحين الى ديارهم لحسابات انتخابية عليه ان يراجع ضميره الف مرّة ، فالناس وصلت الى مراحل يائسة في وضع انساني خطير . مستمرون في برنامجنا من أجل اعادة كل نازح الى بيته وبالتعاون مع العقلاء والشرفاء “.
واجزم ان غالبية وقت اجتماعاته مع القوى الأخرى المتنفذة وغيرها ( حضرت بعضها) كانت منصبّة على ايجاد الحلول لهذه المشكلة ، وللاسف الشديد والمقلق ايضا ان بعض القيادات الشيعية كانت تتعامل مع القضية بنفس تسويفي وخصوص ما يتعلق بمنطقة جرف الصخر ، فيما معظم القوى السنية كانت تتعامل معها بلامبالاة مكتفية بلطم الخدود وشق الجيوب !
و خصّ الخنجر جرف الصخر باهتمام خاص مقتنعا بان الحل يساعد على الاستقرار في البلاد فقال في الثاني والعشرين من آيار بتغريدة له ” عندما نطالب بعودة اهالي جرف الصخر وباقي المناطق فإننا مؤمنون بان حل هذه المشكلة بداية حقيقية لاستقرار العراق “. مبدياً دعمه ومن خلال الاجهزة الحكومية للحفاظ على الوضع الامني ” سنكون داعمين لاهلها في صناعة منظومة امنية قوية تردع الارهاب بكل صنوفه من خلال الجهات الرسمية والمؤسسات الامنية”.
مسقطا من ايادي المعارضين لعودة اهالي جرف الصخر وهم في شتات البلاد ، برفضه عودة أي من المتورطين بالدم العراقي ” لن نكون يوما مدافعين عن مذنب او متورط بدم “.
المشكلة الحقيقية في جرف الصخر التي ظهرت بعد التحرير والتي لم يدخلها أي رئيس وزراء منذ ان تحولت الى ” جرف النصر” هي ان المنطقة ومن بقي فيها من مواطنين وما جلب اليها من مغيبين بقيت سراً من الاسرار وتكهناً من التكهنات وضرباً بالرمل لما فيها وما ينتج عنها..!
ولانها واحدة من اهم قضايا النازحين في البلاد ، فان المتابعين يطرحون جملة اسئلة عن هذا الجرف ومافيه ومن كوّنه ، من هذه الاسئلة :
من هي هذه دولة الاسرار والخفايا ؟ وهل تنطبق عليها معايير الدولة التقليدية ؟ وهل يستطيع اكبر مسؤول في حكومات المحاصصة ان يزورها ليعرف ما يجري خلف الستار والجدار؟ هل يستطيع كي يتأكد من صحة أو خطأ مايقال وما يجري فيها من تصفيات وتغيير ديموغرافي وسجون تحت الأرض للزمن القادم أيضا ؟ متى تنتهي هذه القضية المزدوجة الجنسية بين حكومتي الخضراء والجرف المنتصر؟ !
سألت أكثر من مسؤول عما يوجد ويجري خلف جدار الجرف ، فكانت تاتيني الاجابات مجرد تكهنات واتهامات وتحليلات ، لكن الاكيد ان احداً ،من غير صنّاع الاسرار، يستطيع ان يدخل اليها وان كان القائد العام للقوات المسلحة رمز السيادة العراقية وهيبة الدولة العراقية !
سألت مسؤولا تشريعيا مهماً محسوب على المكون السني عن معرفته بقصة جرف الصخر فأجابني مبتسماً ” قضيتها طويلة “!!
مستشارون نصحوا العبادي عندما كان رئيسا للوزراء ان لايذهب اليها ويثير المواجع ، فامتثل الرجل عن طيب خاطر لتلك الاستشارات ومر مع حكومته مرور الكرام دون ان يعرف هو نفسه بما يجري داخل حكومته من تأسيس ربما لحكومة اخرى بنفس صلاحياته ولكن على رقعة جغرافية أصغر!
ونفس الامتثال كان في مشهد عادل عبد المهدي ، رئيس التسوية التي تبرأ منها جميع الآباء على ايقاعات صراخ شهداء وجرحى ساحات الاحتجاج!
ولا ندري ان كان هذا الامتثال سيكون هو الآخر من نصيب الكاظمي القادم من قيادة المخابرات الى رئاسة الوزراء ، والمنطق يقول انه يجب ان يعرف مايجري في الدولة الاخرى داخل الدولة الرسمية نفسها!
ونسأل من يحكم هناك ..المسلحون خارج القانون والدولة والدستور والجيش أم الاميركان أم بعبع داعش أو هؤلاء جميعا في طبخة ملتبسة غير مقدسة أو تفاهمات غير منظورة أم إن اشباح يوم القيامة هي من تحكم الجميع وتقود السفينة الى انتصارات المقابر الجماعية ؟
المفقودون والمغيبون .. من اهم اجزاء قضية النازحين ، فهي قضية وطن ،لانها نتاج من نتاجات النزوح وعلى اساس حلّها أو تجاهلها يكمن الموقف من شعارات بناء الدولة العراقية لما بعد 2003 ، هذا البناء المشوه الذي ترافق ، بسبب طبيعته الطائفية ، مع بروز واحدة من أهم مشكلات اللوحة السياسية العرقية ، وهي التغييب والفقدان لآلاف المواطنين والنزوح للملايين نتيجة الصراعات السياسية ونتائجها الكارثية ( القاعدة وداعش والميليشيات ) ومحاولات الاقصاء والثأر والتهميش والتغيير الديموغرافي والاعتقالات العشوائية التي مارستها قوات حكومية وقوى مسلحة خارجة عن القانون.
الملفت للانتباه ان الحكومات المتعاقبة تعاملت مع هذا الملف ( السياسي – الانساني) بطريقة لايمكن تفسيرها الا بعدم الرغبة في الخوض بهذا الملف الذي سيرفع الغطاء عن قوى وشخصيات حكومية وغير حكومية متورطة به لاعتبارات طائفية وانتقام سياسي واهداف انتخابية !
يجري التعامل مع هذا الملف بهذه الطريقة المثيرة للشكوك رغم ان اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بالعراق كشفت ، أن 40 ألف شخص مفقودون في العراق، ، وغالبيتهم من محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين وديالى ومن حزام بغداد ، فضلا عن مختطفي ومغيبي حركة الاحتجاج الجماهيري التي انطلقت في الاول من تشرين الاول 2019.
والتقرير الذي رفعته ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت الى مجلس الامن حول الوضع في العراق تضمن الإشارة إلى وجود آلاف المغيبين والمخطوفين قسرا.
وعزز التقرير قرار مجلس الامن نفسه تشكيل فريق دولي للتحقيق في مصيرهم، و وصل فريق التحقيق الدولي إلى العراق أواسط العام الفائت للبحث في هذه القضية الشائكة. وأفادت مصادر مطلعة أن الفريق الدولي لديه معلومات دقيقة عن ملف المغيبين والمخطوفين حصل عليها من قوى سياسية عراقية ومنظمات حقوق الانسان.
ان أمام السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مهمة الخوض في ملفات النزوح والتغييب القسري والاختطاف بجديّة ونزاهة ففتح هذا الملفات على مصاريع ابوابها سيفتح امام الكاظمي ملفات عسيرة الخوض مثل تورط شخصيات سياسية مهمة بهذه الجرائم وملف السجون السرية فضلاً عن عمليات التعذيب الممنهج في السجون العراقية على ايدي القوات الرسمية المكلفة باحترام الانسان وحفظ حقوقه !!