18 ديسمبر، 2024 8:50 م

صوت العرب وأحمد سعيد والمهداوي

صوت العرب وأحمد سعيد والمهداوي

شهدت العلاقات بين العراق من جهة، ومصر وسورية (او دولة الوحدة: الجمهورية العربية المتحدة) من جهة اخرى اخرى، توتراً متصاعداً بعد اشهر قليلة على وقوع ثورة (14/تموز/1958). تصاعد التوير وصولاً الى القطعية الاحتراب. وفي نهاية شباط/ 1959 توجهت حشود عراقية ضخمة نحو سفارة الجمهورية العربية المتحدة، في بغداد. وكان الهتاف الرئيسي، او الشعار الرئيسي الذي رفعته هذه الحشود، جاء فيه: شيلوا سفارتكم،.. (منريد) وحدتكم).
الجمهوريتان الوحيدتان
لسنا هنا، وفي عمود مختصر، ان نسرد اسباب هذه القطيعة، كما لن نحدد من هو المتسبب فيها، لكننا نقول: ان تلك القطيعة ومن ثم الاحتراب، لم يكن موضوعياً ولا عقلانياً ولا مقبولاً ولم تقدر القيادتان في البلدين، الاثار المأساوية والتداعيات الناتجة عن سياسات كهذه. فهما الجمهوريتان الوحيدتان المتحررتان في العالم العربي، ولهما اهداف مشتركة، واعداء مشتركون. لكن لا اذان تسمع، ولا عقول تصغي وسارت السفن نحو الخلجان الخطرة.
دور الاعلام
استخدم النظامان، الاعلام في صراعهما. وشمل الاعلام: الاذاعة والتلفزيون والصحافة. وكانت الغلبة فيها للاعلام المصري- السوري. ولعبت اذاعة (صوت العرب) المنطلقة من القاهرة، ومعلقها احمد سعيد، دوراً مهماً في ترجيج دور الاعلام المصري، بينهما استخدمت القيادة العراقية منبر (المحكمة العسكرية العليا الخاصة- محكمة الشعب) كوسيلة اعلامية مضادة. وكان رئيسها العقيد فاضل عباس المهداوي. واذا قيمنا الحملات الاعلامية المتبادلة، نعيد القول: ان التفوق كان للاعلام الناصري. فوسائله عديدة، وامتداداته السياسية والمخابراتية هي الاوسع. كما ان خبرته كبيرة. بينما الاعلام العراقي محدود الوسائل. وامتداداته قليلة، لا تتعدى الاحزاب الشيوعية العربية. وبعض القطاعات المؤيدة للسياسة السوفيتية. وفي مذكراته التي صدرت مؤخراً، اشار السياسي العراقي الراحل عبد الغني الدلي، وكان سفيراً للعراق في المغرب، في السنوات (1956- 1958)، اشار الى ان (اذاعة بغداد لا تسمع، اما الاذاعات العربية وخاصة (صوت العرب) فكانت تملأ الاجواء، ولكنها لا تحمل الا الشتائم..) وعديدة هي الشهادات التي تذهب بهذا الاتجاه.
التعبئة الداخلية
حقق الاعلام العراقي تعبئة داخلية، وفرت للنظام سياجاً من الامان. وقد نبتعد عن الحقائق الملموسة، اذا قلنا ان هذا الاعلام (والفترة هي بعد 14 تموز 1958) وخاصة خلال عام
1959، حقق حضوراً مؤثراً في الساحة القومية. ما اريد الحديث عنه، هو موقف قطاع اعلامي لبناني مساند للعراق. ويتركز هذا القطاع في جريدتي (النداء) و (الاخبار) اللبنانيتين الصادرتين عن الحزب الشيوعي اللبناني، وكذلك مجلة الطريق اللبنانية. لا اعلم كم يطبع من هذه المطبوعات، واين توزع خارج لبنان.
التوزيع في العراق
لكن الجريدتين: (النداء) و (الاخبار) كانتا تصلان للعراق وتوزعان على نطاق واسع. وكنت من قراء ومتابعي هاتين الصحيفتين. ان المفيد للقيادة العراقية انذاك (الزعيم عبد الكريم قاسم وحلفاؤه) ان تصل الصحف المؤيدة لها، الى بلدان غير العراق، وفي لبنان كانت صحيفة غير شيوعية، مؤيدة للعراق، وقد حضر رئيس تحريرها للعراق (محمد امين دوغان) وقابل الزعيم قاسم. الى جانب ذلك كانت توزع في العراق الصحف السوفيتية الناطقــــة باللغة العربية.
كان سجالاً اعلامياً، غاب فيه الاسلوب الحواري الموضوعي، وعلا فيه صوت التخوين والشتيمة والنتيجة: خسر الجميع.