كان الناس في الجاهلية يعظمون شهر رجب، وعرف لديهم بالشهر الأصم، لأنه لا يسمع فيه أي حركة لسلاح، أو صهيل خيل، ولا أصوات رجال متقاتلة، وسمي بالشهر الأصب، لأن الباريء عز وجل، يصب فيه الخير صباً على الناس، كما روي عن النبي(صلواته تعالى عليه)أنه قال:”إن رجب شهر الله العظيم، لايقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً، والقتال فيه حرام” كما قال الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام):”رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل”
ولد في المدينة المنورة بقرية الأبواء(7/صفر/128للهجرة)،الموافق (6/تشرين الثاني/745للميلاد)،والده الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)،والدته السيدة حميدة المصفاة، وأشهر ألقابه:(الكاظم، والعابد، وزين المجتهدين، وطبيب بغداد وأسدها)،إشتهر بلقب غطى على بقية ألقابه،(باب الحوائج)لما عرف عنه من الكرامات والمعاجز، أثبتت أنه حبل من الله والوسيلة إليه، وأخذت أفئدة المؤمنين تهوي إليه، فشهد الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)،في حياته التي سبقت إمامته، ألواناً من الظلم العباسي، المتسلط على رقاب الناس، لكنه تعامل مع الأمر بصبر وحكمة وثبات، كجده الإمام الحسين(عليه السلام).
عرف بنو العباس بالبطش والتنكيل لكل مَنْ يعارضهم، فكيف ببني علي وفاطمة(عليهما السلام)، وقد خضعوا للتعذيب والتصفية الجسدية، حتى أن أحدهم يدخل في إسطوانة، ويبنى عليه وهو حي داخلها حتى يموت، وكيف ببني العباس؟ وهم يشاهدون القاصي والداني، يفد على بيوت آل النبي لينهلوا منها العلوم، حيث مثلت تلك الحقبة، لإمامة الأئمة (محمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم عليهم السلام)، قفزة في التأريخ ونقلة من حيث الكم والنوع، في رحاب طلب العلم والتوسع في الآفاق.
إستمرت مدة إمامة موسى بن جعفر عليه السلام( 35سنة)، لاقى خلالها صنوفاً من التضييق، والإقامة الجبرية، وكثرة الإعتقال، لكنه في نفس الوقت، أودع تراثه الجعفري الكبير في طلبته، الذين ما برحوا ينشرون علوم آل البيت في كل مكان، وهي الآن مودعة في قلوب المحبين الشيعة، فهم يدركون أن منصب الإمامة منصب إلهي، مسدد من الباريء عز وجل لضرورة إكتمال الحجة على الناس، فالسلام على صاحب السجدة الطويلة، والمعذب في قعر السجون، والساق الرضوض بحلق القيود.
تنقل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، بين سجون البصرة وبغداد لأكثر من ثلاثين عاماً، قضاها مظلوماً، ومكظوماً، ومحروماً، ومهضوماً، متوشحاً بالعبادة والصبر، وإنتظار الفرج، ولجأ بنو العباس لهذا، ليكون تحت نظر السفاح هارون اللارشيد متوهماً بأنه ربح، لكن الإمام الكاظم (عليه السلام) لم يكن مهزوماً قط، بل بدت عليه ملامح النصر، يوم نادوا على جنازته بذل الإستخفاف، فشاء الله أن ترفع جنازته في موكب تشييع مهيب، هزَّ بغداد وما جاورها، منادين:هلموا لنشيع الطيب أبن الأطياب.
مسيرات عشق ولائية لباب الحوائج الإمام موسى بن جعفر، تنطلق كل سنة لتجدد أحزان آل محمد وشيعتهم، وتعلن الحداد في ذكرى أليمة، تدل على وحشية وقبح الجريمة، التي إرتكبت في الشهرالحرام، حيث أفل صوت الإمام،ة بعد أن شع في الأرجاء كالشهاب الثاقب، مدة 55 عاماً من عمره الشريف، في ظهيرة الجمعة(25/رجب 183 للهجرة، 1أيلول/799 للميلاد)،بعد أن دس السم في رطب قدم إليه، لكن صوت مظلوميته بقي متجذراً في قلوب الموالين، فبات سجنه محراب إستشهاده الأبدي.