صوتان لا يفارقا أسماعي؛ وكأني اشعرهما ترجمة لما يحدث اليوم، ومن صوت الإنفجار الذي راح ضحيته السيد الشهيد محمد باقر الحكيم وثلة من المؤمنين؛ هناك صوت وقف على قارعة الطريق ولم يتحرك على جثة او يسعف جريح، وهو يقول لماذا جئتم بالصلاة عن ضريح الإمام علي.
فاجعة في الأول من رجب 1424هـ الموافق 29 آذار 2003م، راح ضحيتها الحكيم، وصدمة كبيرة داخل العراق لبشاعة التفجير كونه الأول في ضخامته.
لم نتوقع ذلك الصوت المرعب الذي هز النجف انه تفجير إرهابي؛ حينما ذهبت مع مجموعة من أصدقائي الى النجف الأشرف، وقصدنا زيارة أمير المؤمنين وصلاة الجمعة التي يقيمها الشهيد محمد باقر الحكيم في الضريح، ومنه نسمع الخطاب الوطني والتوجيهات، التي ما تزال عالقة كخارطة طريق للعملية السياسية والإجتماعية، ومنها نبوءة مبكرة لإحتمالات ما يحدث؛ في وقت خلاص العراق من الدكتاتورية، ولم يتوقع في حينها على مجيء زمان أكثر دموية.
في حينها لم يفكر أحد بحزب او طائفة، وجميع زملائي يفكرون بمستقبل العراق، ويعتقدون أن غاياتها صارت قاب قوسين، ولكنهم تفرقوا بعد ذلك اليوم الى أحزاب وطوائف، وصار الحديث الذي كان يجتمع على نقطة في وسط دائرة العراق، الى خطاب متشضي، وطيلة اربع ساعات طريق بسبب ظروف أمنية لمن نختلف في كلامنا، وكل ما يدور تسابق على تحقيق الأمنيات.
تأخرنا بالوصول الى الصلاة بوقتها، ودخلنا الضريح مع نهاية خطبة الصلاة، وما ان انشغلنا بالدعاء؛ حتى سمعنا ذلك الصوت المَهول، وجرحى يخرجون من داخل الضريح، وحالة هلع ونيران ودخان كإنما يريد إلتهام الصحن الحيدري الشريف؛ في وقت ماكنا نعرف المفخخات ولا الطائفية ولا الجريمة بهذا الشكل، وما ان خرجنا وإذا بالدماء تسيل والجثث والجرحى في الشوارع، وبين بكائنا وهلعنا وحزننا؛ سمعنا صوت واحد يعترض على إقامة الصلاة في الصحن الحيدري المقدس؟!
لم نكن نعلم بشهادة الحكيم؛ بعد أن عمل القائمون على الضريح على تهدئة الجموع، وفاجئتنا الأخبار بعد وصولنا الى بغداد بخبر الشهادة والحداد، وفي آذاننا صوت كلمات الحكيم والإنفجار والمعترض على إقامة الصلاة في الضريح.
تتابعت التفجيرات وزاد الانقسام بين مكونات الشعب العراق، وداخل المكون الواحد بعد إستشهاد السيد محمد باقر الحكيم، وإنفرط كثيرون من عقد رفاقة الطريق والمحنة والمعاناة المشتركة.
يُستنتج من أستهداف الحكيم؛ بأنه إستهداف لوحدة أهداف العراق ولغته الجامعة وخطابه الموحد لبناء مستقبل يضمن المساواة والعدالة، وأُراقة الدماء ظلماً؛ من أجل فك عُرى الوطنية، ومنع إتخاذ أمير المؤمنين علي عليه السلام منطلق لبناء دولة؛ على نهج خط خطوطها الاولى الأمام بأربعة سنوات، ولكن المعترضين والساعين لتهديم الدولة ومنهج الدولة لم يمهلوه كثيراً، ونفس تلك الأصوات التي إعترضت على أمير المؤمنين أعترضت على إقامة الصلاة في ضريحه، ومَدَتها أيادٍ خبيثة؛ لتتطور الى تنامي إرهاب وتشرذم سياسي وفقدان بوصلة، وفقدنا في ذلك اليوم قائداً فذاً حكيماً، ويبقى صوت الإنفجار بشعاً وجرماً كبيراً؛ ليعرفنا حجم الإستهداف والعِداء، ولكن أن قتلوا قائداً لن يغيروا منهجاً.