إلغاء المحكمة الإتحادية، لقرار رئيس الحكومة د. حيدر العبادي، تغيير خمسة وزراء، أعاد للمحكمة الإتحادية، ثقة الشعب العراقي، ومن بينهم المعنيون بشؤون إدارة الدولة، من قضاة ومحامين وساسة وإقتصاديين؛ بإعتبار هذه الفئات، بمسيس الحاجة لجهة تفصل بين الخطأ والصواب، ولو في تلاحق.. على مبدأ “تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي”.
المحكمة الإتحادية.. في دول العالم المتوازنة.. جهة مجردة من الضغوطات، فوق صلاحيات أية سلطة، سوى تعاليم الرب والدستور ومنطق الحق، وأنا دقيق في ما أريد قوله: “فوق صلاحيات أية سلطة، وليست سلطة فوق السلطات” بمعنى تستطيع نسخ قرار نضجته السلطتان التشريعية “مجلس النواب” والتنفيذية “مجلس الوزراء”.
أما لدينا في العراق فإنها تعرضت لثلمات، جراء تصدع البلد، متشظيا تحت ضغط كيانات فئوية، إستفحلت.. زاحفة تسطو على كيان الدولة.. تلتهما.
إلا أن التوازن المهني، عاد بينا، بإقدامها الآن على إبطال قرار تبديل الوزراء الخمسة، وإبقائهم في مناصبهم، ناسخا قرارا إتخذ نتيجة فهم خاطئ لتفويض المرجعية والشعب له في معالجة إنهيار الدولة، او إلتفافا على مطالبة المتظاهرين بالإصلاحات في ساحة التحرير، أو كلاهما معا.. من هاي على هاي وسوق الهبل على الشيطنة.
فالدول بلغت حدا من الفساد لا يوصف إلا بكوميديا هزلية لو شوهدت في فلم “بايخ” تعرضه سينمات الدرجة العاشرة؛ لما صدقناه؛ مثل مقاولات لطلاء أسفل الجسر، من جهة الشط، بكلفة مليار دولار! كي تتمتع الأسماك بمنظر جميل.. والله تلك حقيقة وليست مزاحاً، والارصفة التي هدمت وأعيد إنشاؤها بأخرى هشة، تحطمت بدايتها قبل إكتمال العمل بالنهاية، مكلفة كذا مليار للكيلومتر الواحد، وقبل ترميمها هدمت وعقدت مقاولة أخرى، بعد أسابيع، لنفس الشارع، فضج الشعب بالشكوى من “الكيات” الى الله!
تحت مطرقة الاحزاب وسندان الشعب، صدر قرار تبديل الوزراء الخمسة، على طريقة “فيك الخصام وأنت الخصم والـ… مستفيد” ما جعله مجرد إلتفاف على فكرة الإصلاحات بثلاث قوائم، إستنسخت من مسرحية “كاسك يا وطن” لـ “غوار الطوشة – دريد لحام” إبتداءً بقرار إستبدال خمسة وزراء، صدر بعجالة.. عندما تمعنت بها “الإتحادية” لم تجدها منصفة،فألغت القرار، محققة رضا حتى أؤلائك المطالبين بالإصلاات: “موهيج ردنا.. هذ دق للفالة عند رأس الكطان” كما يسميه البغداديون “يثرد جوار اللكن”.
كي لا أوغل في السخرية؛ حمدا لله على تحلي المحكمة بمهنية إحترافية، صوبت قرارا خاطئا.. لأن “الخمسة الذين بشروا بالإقالة” أوطأ الوزارات فسادا، وأشدها تماسا مع ضغط المواطنين، أستطيع أن أزكي منهم وزيرة الصحة والبيئة د. عديلة حمود؛ بناءً على تجربة شخصية، خرجت منها بنتائج يصح تعميمها منهجيا؛ بحكم عملي في البحوث الميدانية.. ألخص القول موضحا: واقع الحاجة للعلاج في العراق، يفوق المتوفر بعشرات المرات، يعني “الطلب أكبر من العرض” لذلك كلما تورط طبيب بهذا المنصب، ترك الأمور تتداعى منهارة، كما معروف، الخطأ لا يقف عند التراكم، إنما يتضاعف تأثيره متفاقما، الى أن باتت مستشفيات العراق مهملة تهمل المرضى، ومن يصاب بـ “فلاونزا” أما أن يذهب للمستشفيات الاهلية او يسافر الى دولة أخرى أو يموت!
ما فعلته د. حمود، أنها بدأت بتنقية العقود والمقاولات؛ فلم تعد تسمح لحزب سياسي بإستيراد “كانونة خيل” وتوزيعها على مستشفيات الأطفال.. وتلك أيضا كوميديا عشتها بنفسي و… لا أحد حكى لي… إذ ضبطت المناشئ والمواصفات الإستيرادية، وراقبت المستشفيات.. (بنفسها ومن خلال ثقاة) متخذة إجراءات عسيرة بحكم هيمنة الأحزاب على السلطتين التشريعية والتنفيذية.كل هذا الجهد أسفر عن البدء بإقالة خمسة وزراء بتلك المواصفات؛ كنوع من لوي الإذن لأي وزير يفكر بالإقدام على العمل الجدي في إصلاح وزارته.
وضمن المبدأ الفقهي “قياس الغائب على الشاهد” يحق لي أن أتصور الوزراء الأربعة الباقين، على ما لمسته من تجربتي الشخصية مع وزارة الصحة ود. عديلة، مثنيا على عدالة المحكمة الإتحادية، في إبطال قرار الإقالة، متمنا عليها مواصلة الشجاعة، ريثما تتوطد الثقة التي بدأت تلوح بينها والشعب.