19 ديسمبر، 2024 12:37 ص

“صنع في العراق” مفقودة من الاسواق

“صنع في العراق” مفقودة من الاسواق

عد ان كان المنتوج العراقي يغزو الاسواق المحلية والعالمية ويفوق ويضاهي انتاج العديد من الدول العربية والاجنبية، اخذ اليوم بالتراجع وتوقف الانتاج لاسباب عديدة، منها الانظمة السياسية المتعاقبة التي تفتقر الى رؤى اقتصادية سليمة وكذلك الحروب والحصار التي مر بها العراق واخيرا ما مر بعد الاحتلال عام (2003) من حرق وسلب ممنهج للمعامل والمصانع والشركات الانتاجية، بعد ان كانت صناعاتنا المختلفة تتميز بختم (صنع في العراق) وللوقوف على ذلك كان لنا هذا اللقاء بعدد من المثقفين والاكادميين لبيان رأيهم.

وفي حديث للنقابي عزيز الرصافي قال “ان تدهور الصناعة تكمن في عدة عوامل أهمها عدم مواكبة التطور التكنولوجي في الصناعة نتيجة سياسات الحكومات المتعاقبة وزيادة كلفة التصنيع وتزاحم البضاعة المستوردة والرديئة وبأسعار تنافسية ( رخيصة) وعدم تطبيق التعرفة الكمركية مما فتح الباب على مصراعيها للاستيراد الفوضوي للسلع والبضائع، وكذلك سياسة الدول المحتلة والكبرى والصناعية في ألغاء الصناعة الوطنية أو الغاء القطاع العام وخصخصته وتحويل اقتصاد البلد الى اقتصاد السوق الحر المرتبط بالمؤسسات الرأسمالية وأخير أن عدم ألإبداع والجودة في المنتوج العراقي جعل بضاعته تحتل المراتب الدنيا في العرض والطلب، بل وتكاد تختفي من الاسواق “صنع في العراق”

وبينت المحامية والاعلامية علياء الحسني ” هناك تراجع كبير للصناعة العراقية بسبب عدم دعم الحكومة لها اذ ان الفترة التي تلت 2003 كان القطاع الصناعي بكل مكوناتة وخططه التنموية مركون على الرف، مما حدى بالعراق الاعتماد على السوق العالمية للاستهلاك وعلى النفط كمردود اقتصادي للبلاد، كما ان الدور الكبير للاحتلال والسماح للعابثين بسلب وتهديم جميع المنشات الصناعية، ومن الملاحظ ان صناعتنا في فترة التسعينيات كانت متطورة حيث كانت تعمل التورنات على الكومبيوتر وان اتجه الانتاج بشكل كبير الى صناعة الاسلحة.

مستدركة “كما ان وزارة الصناعة لم تعمل على تطوير امكانيات العاملين في هذا القطاع كما هو حال باقي الوزارات، بل بالعكس قامت بتسريح اعداد كبيرة من منتسبي القطاع الصناعي. وهذا ما جعلها وزارة هشة تعتمد التمويل الذاتي بدون حوافز ورواتب قليلة مقارنة بباقي الوزارات، كما ان عدم فرض الضريبة الكمركية

على المستورد من البضائع ودخول الرديء منها وباسعار رخيصة جعل ما كنا نتمناه في الاسواق (صنع في العراق) مفقودة.

واضاف المهندس المتقاعد فلاح المعروف “منذ الدراسة الابتدائية ونحن نقرأ ان احد اهم وسائل حماية الصناعة الوطنية وتشجيعها وتنميتها هو فرض التعرفة الكمركية على المستورد الاجنبي، كي يتمكن المنتج المحلي من التنافس معه وحينها يحق للمواطن المستهلك ان يطالب المصنع الوطني بانتاج يوازي الاجنبي من حيث الجوده والذوق والسعر، مشيرا “ان التعرفه الكمركية صدر قانونها منذ سنوات ولم يدخل حيز التنفيذ مجاملة لفئة التجار من المستوردين للبضاعة الاجنبية الذين لاهم لهم الا الكسب السريع على حساب المصلحه الوطنيه، لذا ارى انه بعيد جدا ان نرى عبارة (صنع في العراق)على بضاعة او سلعة يحتاجها المواطن وكانت تملئ الاسواق فيما مضى، واضيف الى ذلك عوامل مهمه اخرى ادت الى تراجع الصناعة المحلية، كغياب الطاقة الكهربائية والفساد الاداري والمالي وشيوع النشاطات غير المنتجه في المجتمع، والاقتصاد المعتمد على بيع النفط مصدرا وحيدا لتمويل حركته والتوجه نحو خصخصة معامل القطاع العام بدلا من تطويرها وعدم الزام شراء منتجات القطاع العام من قبل الوزارات الحكومية والبطاقة التموينية. واذا ما اردنا ان نرى “صنع في العراق” على منتوجاتنا على الحكومة رسم سياسة اقتصادية صحيحة لاتعتمد على النفط فقط بل اعادة عجلة الانتاج بتأهيل وإعادة المصانع والشركات ودعم القطاع الخاص.

اما الناشطة المدنية تضامن عبد المحسن قالت “منذ السبعينيات نشطت الصناعة العراقية بسبب الاهتمام الحكومي ودعم هذا القطاع المهم والحيوي، الذي يسهم في تشغيل الايادي العاملة بكل مستوياتها، ويعد من اهم مصادر تنمية الخبرات العلمية والصناعية للعاملين من خلال اشراكهم في دورات تطويرية خارج البلد، اضافة الى انها مصدر ثروة اقتصادية للعراق تضاف الى النفط والزراعة.

حتى وصل الحال الى تصدير منتجاتنا الى خارج العراق، ومن الطريف ان احد السياح زارني يوما وقدم لي هدية من بلده اتضح فيما بعد مكتوب عليها (صنع في العراق)، واخذت صناعتنا تنافس الصناعات العالمية بجودتها وخاصة السجاد والتمور والمعلبات والجلود والزيوت. ورغم مامرت به الصناعة العراقية من توقف بسبب الحروب تارة وبسبب الحصار تارة اخرى، الا انها لم تتوقف الا بعد عام 2003، فقد تم تسريح الاف الايدي العاملة وغلق مئات المصانع، اذ لم يتم تطوير الالات المستخدمة ولم يتم تطويرها بما يتناسب والتطور العالمي الحاصل، والاهم

من ذلك اخذت العديد من المؤسسات الحكومية بابعاد الكفاءات من المناصب المتقدمة، واستبدالهم وفق المحاصصة الطائفية التي بنيت عليها الحكومة العراقية بعد 2003 برموز وشخصيات غير كفوءة وربما غير علمية، فكانت تطبيق حي للرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. كل هذه الاسباب وغيرها ادت الى توقف الصناعة العراقية بل وتوقف فخر العراق بجملة (صنع في العراق).

ان توجه الحكومة الى خصخصة الصناعة العراقية سيؤدي بالتأكيد الى تدهور كبير في هذا المجال، اذ لابد من اعادة الدعم لهذا القطاع من اجل تطويره ليكون مصدر من مصادر التنمية الاقتصادية العراقية.

بدلا من أن تقوم الدولة بدراسة السبل التي تكفل لها إعادة الصناعة الوطنية الى ما كانت عليه وبشكل افضل في انتاج السلع واستيعاب الايدي العاملة والعاطلة من جهة واحياء الاقتصاد المتعب بسبب الاعتماد على النفط والتي اخذت اسعاره بالانخفاض مما سبب عجز كبير في الموازنة العامة تلجأ للطريق الأسهل والأكثر فشلا وهو خصخصة القطاع العام والغاء ما نتمناه “صنع في العراق”