23 ديسمبر، 2024 12:16 م

برعم يدنو من السابعة يتطاير العوز من مقلها ، لؤلؤة لفت بأسمال بالية استعصى على ملابسها الرثة اخفاء بريقها المنيع ، انهكها الجوع وكأنها تسير على حد سيف ، تنتعل نصف حذاء مخروم الجوانب يطرد اصابع قدميها  في كل خطوة تخطوها من ثقوبه المنتشرة ، هالة من حاجة وكتلة من عوز، كل شيء فيها يدعوك ان تذرف دما وليس دمعا وتصفق يديك مرارا ندما وتحيزا لجمالها المغلف بقذارة المزابل وانت تتذكر ابنتك و اختك وحفيدتك وحكاية السندريلا ….!…تبدو وكأنها قمامة بقدمين ، هي الفقر بعينه وكل مكوناته ، عند حدودها يكتفي من يطلب تعريفا للفقر من شرح او اسهاب فهي مجموعة من المراجع و المصادر المفتوحة من العوز والبؤس و الفاقة والمسكنة، لوحة رسمت بريشة فنان بارع غطت الكآبة كل حواسه حتى وصلت انفه فكانت الوانه انتقامية ، الم ومسكنة وبؤس وعوز ونقص حاجة وفاقة….!؟
ترتدي القمامة من قمة رأسها حتى اغمص قدميها ثوبا و ما بقي منه ، يشبه القماش تقريبا ، يبدو ان صراعا قائما بين العتق وهذا الثوب البالي وكأن مخالب البرد ليس لها عمل سوى تمزيقه والنفاذ نحو جلدها الطفولي الغض والتهامه بشراهة بحقد وغل وجرأة وجسارة وعناد وافراط بثأر او كراهية ، تعتليه بقايا من سترة مهترئة يعود موديلها الى القرن التاسع عشر ، ربما لو تفحصناها بدقة مجهرية قد تبرز منها مسحة بسيطة من الصوف او القطن لا يستطيع تمييز معالمها و مكوناتها الاصلية اذكى واعتى خبير في الملابس والقماش او فحوصات ال DNA…!؟
رأسها غيمة داكنة من شعر منفوش كأنه فرشاة تنظيف، يدنو من الاصفرار وربما كان اشقرا يوما ما و صبغ بسمرة الفقر اسودا مغبرا ، مصيدة للغبار و الحشرات  ، طمعا في الدفء و بيئة مناسبة لسكن دائم ، تضاف لطوفان همها  قشعريرة مستمرة تجعلها تهرش بحركة متعاقبة بفعل البلاء الساكن هامتها ، يبدو ان عداء مستديم بينه والماء والصابون ، وبالفعل ، فهي لا تملك ثمن الصابون ،حتى وان تمكنت، لقمة العيش ادنى من يدها لسد رمق اخويها الصغيرين حتما وعلاوة مناسبة على ثمن القمامة التي تجمعها من مزابل المحلة وما يخرج منها ، رمقا لثلاث وجبات جهاد في المنال ، الحضها ، وليتني لم افعل ، وانا في طريقي لمقر عملي وهي تبحث القمامة وراء قناني فارغة وبقايا طعام كمنقب عن اثار و كنوز فرعونية …!؟ اصبحت هما يوميا اضيف الى همومي المنتشرة في ساحات كياني المتهالك…!

تحسرت طويلا وانا احتضن هذا المشهد الرهيب بكل حواسي وحمدت الله على هذا الفال الصباحي واطلقت العنان لخيل اخيلتي  للتسابق فانهالت عليها بسيل من التساؤلات دون شفقة او رحمة….!!؟…هل الفقر مرض اجتماعي ام سياسي ام نقص دستوري ..ام ..ام,,, وما السبب في ذلك….؟ يفرض المنطق الانساني بقوة حقيقة جدلية ثابتة جوابا  : للفقر قاعدة  متوازنة في توزيع خير الله بين الناس كقاعدة الفعل ورد الفعل ، ما افتقر احد الا واغتنى اخر فهي معادلة اجتماعية ، جلية الحدود بغطاء سياسي وهذا بشكل عام….!!؟
ونحن في العراق نستهل سطرها الاول في الغرابة عندما يكون الفقر فينا صناعة ذات مردود اقتصادي وانتاج ثرمن مصانع خاصة لصناعته تحت غطاء سياسي وحماية دستورية حين يمارس باسم الشعب ، اكثر من ثلاث مائة وستين نائبا نشاطهم الوطني المخلص بالنهب والسلب وتسيير دفة الامور لمصالحهم الشخصية ومصالح عشائرهم واقاربهم فقط لمدة اربعة سنوات تليها اخرى …واخرى الى ما لا نهاية يصاحب ذلك بيع مدن كاملة لعصابات الارهاب لتشريد الناس لترقية راس المال لتلك الصناعة …..!!!؟
نتج عن هذا الاخلاص والتفاني و الجهود الحثيثة التي يبذلها نوابنا الاجلاء في الهبش ، تفاقم اعداد الفقراء في الطرف الاول من المعادلة قابله زيادة مطردة هائلة في الطرف الثاني منها في اعداد محدثي النعمة من اللصوص واصحاب الكروش المتخمة حفاضا على التوازن الاقتصادي للجماعة…!؟ وبتعاقب الدورات الانتخابية سيتصحر العراق وتباع اخر نخلة فيه. وسيسد فقراء الشعب العراقي رمقهم حرية وديمقراطية وبصمت لئلا ينزعج المخلصين من نوابنا وهم يقومون بعملية تنظيف العراق من الاحراش والاشجار والنخيل والماء الزائد في دجلة والفرات والخزينة من النقود المتراكمة حسب مبدأ النظافة من الايمان…حياهم الله وجزاهم خيرا عنا…..!؟؟ يحق لنا ، نحن العراقيون، ان نفخر بهم و بصناعتنا الوطنية تلك بين الدول الصناعية الكبرى مثل المانيا واليابان والصين واميركا…..!!؟؟
انتبهت لنفسي وبواب الدائرة يحييني بتحية الصباح…! شعرت بوخز في قلبي وانا افكر في مصير ابنتي التي لم تتم عامها الاول ، حتما ستطولها ايدي صناعنا المهرة و ستكون سلعة رائجة في سوق الفقر او سوق الغنائم الذي فتح في دول الجوار لبيع نساءنا ، او كمصير صاحبتنا التي التصقت صورتها في عقلي ووجداني….!؟!