19 ديسمبر، 2024 1:56 ص

رجال المرصاد الموقف والمصير.
ظهر يوم الاحد 17 تموز 1988 وعندما كنا باجازة في مدينة مشهد سمعنا من راديو طهران بخبر قبول ايران قرار مجلس الامن 598 القاضي بوقف اطلاق النار في الحرب بين العراق وايران , ويظهر ان الموافقة على القرار كان مفاجئا للعديد من الجهات 0
عصر يوم الجمعة 22 تموز 1988 تم تبليغنا بامر الالتحاق الى الوحدات فورا , وتم تهيئة باصات نقل لذلك 0
فجر السبت 23 تموز انطلقنا ووصلنا بعد رحلة أستغرقت 26 ساعة الى مقراتنا في منطقة ( تنكة كنشت ) بأطراف مدينة كرمنشاه , تم ايجازنا بتحرك جماعة خلق المعارضة من معسكراتها في العراق صوب الحدود الايرانية مع معلومات عن تحرك لجيش صدام في المناطق الجنوبية , وعلينا الاستعداد بأي لحظة لصد هذا الهجوم , وبدأنا بأستلام عدة المعركة , مضى نهار الاحد بالانتظار , وفي اليوم التالي الاثنين 25 تموز المصادف 10 ذو الحجة 1408 وردت معلومات عن اجتياز جماعة خلق الحدود من منطقة بيروزخان جنوب قصرشيرين بمساعدة قوات صدام وتحركت نحو الداخل الايراني وتمكنت من السيطرة على مدن (سربل زهاب , وكرندغرب ) وهي حاليا تبعد 3 كم عن مدينة اسلام ابادغرب , والتي تبعد بدورها 65 كم عن مدينة كرمنشاه , وفي خطة جماعة خلق محاولة الوصول الى كرمنشاه واعلان دولتهم فيها , خطوة سوف تقابل بتأييد دولٍ معينة ومع تلقي مساعدات تمكنها من التحرك نحو العاصمة طهران واسقاط نظام الجمهورية الاسلامية , وكان هذا هو الايجاز الاخير 0
أمر الحركة اصبح نافذا لفوجنا الشهيد الصدر مساء يوم الاثنين 25 تموز, وفي الطريق نحو اسلام اباد فوجئنا بحركة نزوح كبيرة من مختلف المناطق الغربية نحو كرمنشاه , ومن علامة للطريق تبين ان المسافة لاسلام اباد 35 كم ترجلنا من العجلات بعد سماع ومشاهدة اجواء المعركة , ثم تقدمنا راجلين وتبين ان المعلومة بخصوص مكان وجود منافقي خلق كان خطأ حيث كان قد اجتاز اسلام اباد بمسافة 15- 20 كم , ثم اصبحت تنكة المرصاد ( وهو اسمها بعد المعركة ) خلف ظهورنا وشاهدنا احتراق معمل للاسفلت يسار الطريق وانتشرنا لقطع الطريق القادم من اسلام اباد 0 فجر اليوم التالي الثلاثاء أمرنا بالانسحاب الى منطقة اجتماع محددة هي منطقة اشجار على اطراف الطريق (وقد ازيلت بعد توسيع الطريق ) 0 ظهر الثلاثاء 26 تموز تم ابلاغنا ان فوجنا الشهيد الصدر سوف يقوم مساء اليوم بعملية انزال بالطائرات السمتية خلف خطوط منافقي خلق لقطع طريق الامداد والانسحاب , اما بقية افواج لوائنا الامام علي فقد مسكت موضع دفاعي مستميت مع لواء حمزة سيد الشهداء وقوات الامام الخميني(فوج زائد) في تنكة المرصاد لصد هجمات المنافقين المتكررة ووقف زحفهم نحو كرمنشاه , في وقت كان افراد من الجيش الايراني ينسحبون الى الخلف بعد ان سقطت مقراتهم ومعسكراتهم في مدن قصرشيرين وسربل زهاب وكرند غرب واسلام اباد بيد جماعة منافقي خلق 0
اخر العصر هبط صياد شيرازي بطائرة غازيل وخلفه مرافق برتبة ملازم اول لتفقد والتاكد من مكان فوج الانزال , صعوبة وتعقيدات الموقف كانت واضحة , سببها عامل المفاجأة والجرأة لدى المهاجمين , علما ان القوة الاكبر الحاضرة في ارض المعركة المصيرية مؤلفة من المجاهدين العراقيين من فرقة بدر مع اسناد ايراني من القوة الجوية وطيران الجيش وسلاح المدفعية 0 بعد انطلاق صياد شيرازي سرعان ما هبطت طائرتي شينوك وحملت فوج الشهيد الصدر الى مكان الانزال في تلال تبعد 10 كم عن اسلام اباد , تم انزال الفوج على مرحلتين بمعنى اربع حمولات كل واحدة منها تحمل ما بين 60- 65 مقاتل 0
عند الضياء الاخير تم اكمال انزال قوة الفوج وسرعان ما أتخذ موضعه في التلال المشرفة على الطريق بين كرمنشاه – اسلام اباد , الشهيد رعد جودي البهاش عليه الرحمة عد 120 الية في رتل دخلت توا ارض المعركة الحامية قادمة من اسلام اباد 0 في اليوم التالي الاربعاء 27 تموز كنا لازلنا بأنتظار الاوامر النهائية للهجوم الذي يجب تنسيقه مع حركة قوات اخرى والتي تأخرت , وحتى ذلك الوقت كان الفوج قد قدم شهيدين مع 5 جرحى , ليلة الخميس 28 تموز أتخذنا موضع الهجوم الذي انطلق فجرا,وجرى قتال شديد مع جماعة خلق ومع ضراوة القتال اقتصر في بعض مراحله بأستخدام الرمانات اليدوية , في نهاية المعركة كان الفوج قدم 29 شهيد مع عدد اكبر من الجرحى في ظروف قتال صعبة منها انعدام مياه الشرب الا ما حمله المقاتل في زمزميته منذ مساء الثلاثاء والعتاد الا ما حمله في جعبته كما ان نزيف الدم تسبب في استشهاد العدد الاكبر من المقاتلين 0
ان عملية الانزال في المرصاد كانت من تخطيط العقل العسكري الايراني المتمثل بصياد شيرازي قد أحدثت أثر نفسي عند المنافقين تمثل في وجود قوة خلفهم مهيئة لقطع طريق الأمداد والانسحاب الامر الذي ساهم في هزيمتهم 0 وفي خطبة صلاة الجمعة 29 تموز 1988 أعلن الشيخ هاشمي رفسنجاني ( ان من بين قواتنا في جبهات القتال فرقة مؤلفة من المجاهدين العراقيين تعد من افضل فرقنا القتالية ولاهميتهم تم انزالهم بالطائرات خلف خطوط المنافقين في المعركة الاخيرة من الحرب ) , عدا هذه الاشادة في زمانها ومكانها لم تجر الاشارة لاي دور لبدر وعملية الانزال في المرصاد في اي أثر أو أدب يؤرخ للحرب عند الايرانيين ودور المجاهدين العراقيين الذين قاتلوا انتصارا لايران الاسلامية وخذلانا” لصدام المجرم فهم كما قيل مجهولون في الارض 0
وتمضي السنون مع هنٍ وهن واحداث عديدة وكبيرة مررنا بها ولكن المفاجأة الاكبر والمأساة الاعظم هي التي حدثت لمنتسبي بدر عند سقوط نظام صدام , فقد تم وبحركة لاتزال سرا ولغزا تسريح مقاتلي بدر بأكمله والبالغ 12 ألف مقاتل في أخبث وأغبى عملية تسريح جرت في التأرخ الحديث لمعارضة مسلحة قاتلت طاغية أهلك الحرث والنسل ، علما أنهم أبقوا على بضعة عشرات منهم لاجل وضع نهاية سعيدة للقصة بتصورهم ، ناسين قوله تعالى ( وهل جزاء الاحسان إلاالاحسان ) ، فلك أن تتصور وبعد خدمة أكثر من 20 سنة في ظروف صعبة وقاسية مع عمليات مستمرة ضد نظام صدام ونفوذ الى الداخل تجد نفسك ملقىً على قارعة الطريق تفترش الارصفة ترى تراثك نهباً فهم مصداق لقول الامام علي عليه السلام( اذا كان قوياً أستخدمتموه واذا ضعف تركتموه) وهذه الحقيقة التي لا يعرفها الا القليل والتي لايتجرأ احد على ردها أو تفنيدها سوى الاعتراف والاقرار بها, أما المنعمون والذين أصبحوا في غفلة من الزمن وزراء ونواب ومدراء , القادة في زمن الفساد والهزيمة , فهم أقل القليل ممن رضوا بالمناصب التي هيأتها لهم القائمة المغلقة على حساب الألاف من أخوانهم المنسيين (وسيعلم الذين ظلموا أيَ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين )00000 وللمأساة بقية 0

أحدث المقالات

أحدث المقالات