في لقاء نسوي مع صديقاتي اتفقنا في ما بيننا على إنشاء صندوق رأس ماله جنيهات بسيطة شهرية وتوجيهه للتصدي للمتسربات من المدارس لصالح سكان أحد الأحياء الفقيرة بمحافظة الجيرة، وأسميناه ‘صندوق الخير’.
استضافتني إحدى قنوات التلفزيون المصري الرسمي المسمّى بتلفزيون الدولة للحديث عن نظرة المجتمع للغارمات. تعجّبت من السؤال المطروح. إذ كيف للمجتمع ألا يتعاطف مع نساء لا حول لهن ولا قوة وكل ذنبهن أنهن أقبلن على الحصول على قروض “متناهية الصغر” من بنوك رسمية مملوكة للدولة التي هي بالأساس “بيت العائلة”.
فالدولة التي تحمل جنسيتها كما لها عليك كافة الحقوق كذلك لك عليها نفس القدر من الحقوق في حياة كريمة وعيشة رغدة، وكرامة على أرضك، وألا تتّبعك جهات رسمية فقط لمجرد اقتراض بعض الجنيهات “لستر” فتاة وتزويجها أو لبعث مشروع بسيط لا يتجاوز كونه محلا صغيرا لبيع حلوى أو تربية بعض الدواجن.
لا أرى غير التعاطف كنظرة مجتمعية في التعاطي مع مشكلات هؤلاء النسوة الفقيرات بل أتطرف بمشاعري وأعتبر أن أي نظرة أخرى لهن بخلاف التعاطف تعتبر خيانة لفقرهن، وتحقيرا لنسويتهن الضعيفة أمام متطلبات الحياة المتنامية كغول الأساطير الذي يأتي على الأخضر واليابس دائما ولا يترك لهن خيارا أو بابا يطللن منه برؤوس منكّسة لاستشراف حياة كريمة. والغارمة هي امرأة أثقلتها الديون وعجزت عن السداد لفقرها المدقع مع بطالتها أو كونها امرأة معيلة لأسرتها ومثقلة بالأساس بأعباء كثيرة ولاحقتها الأحكام القضائية.
وهناك عدة أشكال أوصلت المرأة لهذه الحال، أولاها: الاقتراض من أحد البنوك والتعثر في سداد القرض الذي لا تتخطى قيمته في الغالب عشرة آلاف جنيه أي قرابة 650 دولارا.
ثانيها: تجهيز الأبناء بشراء أثاث لزواجهم. وتتعثر الأم في سداد ثمن الأثاث الذي تضمنه شيكات أو إيصالات أمانة وتلاحقها الأحكام القضائية وبالطبع تعجز عن الاستعانة بمحام يدافع عن قضيتها فتصبح فريسة للسجن.
وثالثها: الاحتياج الشديد للمال، إما لعلاج وإما لأسباب معيشية، ما يدفعها لشراء بعض السلع الكهربائية بثمن غال عن طريق التقسيط، لتقوم ببيعها مباشرة بثمن بخس وهو ما يعرف بظاهرة الحرق، ولكنها تنفق الأموال في الغرض الذي تخفيه وتلتف حوله منذ البداية، وفيما بعد يتكرر سيناريو الملاحقة الجنائية وأحكام الحبس.
أتعاطف مع ظروفهن الطاحنة في ظل وضع اقتصادي متدن ووضع اجتماعي تهميشي، بل أبرر لهن ما يقمن به، فالبديل مر المذاق كالعلقم، بعضهن توكلت على أفكارها ومشاهدات تلفزيونية لإعلانات استفزازية جاذبة وبعضهن لا يجدن العمل ولا ينبغي لهن فاستدانت.
عشت تجربة شخصية أتمنى أن تصبح عدوى، بطلتها طفلة في مرحلة التعليم الأساسي عندما سألتها لماذا لم تذهب إلى المدرسة، فكان ردها ببراءة شديدة إنها لن تذهب لأن والدها الفقير لم يستطع دفع مصاريف المدرسة، فأصابتني بإحباط. التقيت بوالدها وسمح لي بإعادتها للمدرسة، وفي لقاء نسوي مع صديقاتي اتفقنا في ما بيننا على إنشاء صندوق رأس ماله جنيهات بسيطة شهرية وتوجيهه للتصدي للمتسربات من المدارس لصالح سكان أحد الأحياء الفقيرة بمحافظة الجيرة، وأسميناه “صندوق الخير” بتدبير المصروفات الدراسية والملابس، وتديره إحدى الصديقات منذ عدة سنوات، ويلقى نجاحا باهرا بسبب الأمهات المتعاونات والمتسابقات لعمل الخير. لا يتبع جهة رسمية ولا مؤسسة وإنما جهود ذاتية وهو ما يطرح لدي سؤالا هل يصلح انسحاب فكرة صندوق الخير على الغارمات أيضا لسد ثغرة مجتمعية غائرة؟
أناشد الجهات التنفيذية إنشاء صندوق خاص بالغارمات يتكاتف الجميع لملء خزانته ويلتف حوله الكثير من أبناء الوطن. صندوق من أموال الغرامات والضرائب التي تستقطع من رجال المال والأعمال، أو يتخذ صيغة تكافلية غير إجبارية ويتبرع له مستثمرون إلى جانب رجال البر والخير من داخل مصر وخارجها، وأعتقد أن الكثير سيتعاون على البر وإعادة أم إلى أسرتها، على أن يكون برعاية حكومية رشيدة تعيد بناء الثقة مع أبناء الوطن وتوجه لهم رسالة حقيقية مفادها أنهم جزء من هذا الوطن لهم كافة الحقوق. لدينا صندوق لمساندة شركات سياحية متعثرة، وصناديق أخرى لمساندة فئات كثيرة تعتبر الغارمات أقلهن فقرا واحتياجا، وبعض النساء يعرضن بيع أعضائهن لسداد ديونهن. أيّ عار نقبله على أنفسنا وبيننا أكثر من 20 إلى 25 ألف غارمة.
نقلا عن العرب