18 ديسمبر، 2024 10:00 م

صناعة الشائعات وتحريف الاتجاه النفسي و الفكري للمواطن

صناعة الشائعات وتحريف الاتجاه النفسي و الفكري للمواطن

الإشـاعة او الشائعة هي الاخبار والاحاديث والمرويات الشفاهية التي يتناقلها افراد المجتمع الواحد دون ان يتحققوا من صحتها . وعلى هذا ، فهي تعتبر من اكثر المعلومات سذاجة طالما انها غير دقيقة وعاجزة عن تحقيق هدفها المطلوب .
وتأسيساً على ذلك ، تعتمد أغلب الدول في الظروف الاعتيادية في تقصي المعلومات الموثوقة المتعلقة بالآخر ، من مصادر مختلفة ولاسيما وسائل الاعلام المختلفة . اما في ظروف الارباك والاجواء الرمادية الممهدة للحروب ، فإن الاشاعات تأخذ في الانتشار وتؤدي في الأخير الى تصعيد هذا الارباك . وفي ظروف كهذه ، يجد المرء نوعين من الاخبار المتضاربة ، فمن جهة ، يجد الاخبار التي تنشرها وسائل الاعلام الوطنية التي يفترض انها صحيحة وموثوقة ، ومن الجهة الاخرى ، هناك الاخبار غير المؤكدة التي يتناقلها الناس .
والاشاعة في السلم لا تختلف عنها في الحرب ، وهي تقوم اساساً على الترويج ومادتها الافتراء والخبر غير الصادق ، واسلوبها المبالغة في عرض الخبر وتضخيم تفاصيله ومسخ حقائقه . وتنتشر الاشاعة ليس لكسب الرأي المحلي / الوطني فقط بل والعالمي ايضاً . وكما يعبـر الخبر عن الحقيقة ويعكس الواقع فإن الاشاعة هي صدى للحالة التي يمر بها المجتمع ، وهي الى حد ما تعبر عنه المخاوف والتوقعات .
والشائعات في أوقات السلم تهدف الى البلبلة ونشر الاكاذيب التي تضعف الروح المعنوية وتنشر القلق وتصدع الجبهة الداخلية ، ومن هنا تبرز مسؤولية المواطن في تحمل المسؤولية لمكافحة الاشاعة عن طريق التسلح بالعلم والمعرفة ومتابعة الحقائق ، كما تبرز ايضاً مسؤولية الاعلام الصادق في ضخ الصحيح من الاخبار لتحصين المواطن ضد الاشاعات وسمومها .
الشائعة لا تعرف هوية مطلقها ، تبدأ بالتنامي فالانتشار ، فتصبح بأهميتها محور اهتمام عام ، وتبلغ الذروة قبل ان تعود فتتراجع وتتفكك الى نيران خامدة كثيراً ما تنطفىء تماماً في الأخير .
الجدير ذكره ، ان كلمة شائعة تستحضر بالنسبة الى العامة ظاهرة غامضة وشبه سحرية يعكسها تحليل المفردات الرائجة . فالشائعة تطير وتزحف وتتعرج وتعدو ، وهذا ما يجعلها على المستوى المادي اشبه بحيوان مباغت وسريع الحركة يتعذر أسره ولا ينتمي الى أي فصيلة معروفة ، اما تأثيرها في البشر فإشبه بالتنويم المغناطيسي وخصوصاً انها تبهر وتغوي وتسحر الالباب وتلهب الحماسة .
اننا رأينا ان هذا المفهوم خاطىء ، فالشائعات أبعد ماتكون عن الغموض بل انها تخضع لمنطق قوي من الممكن تفكيك آلياته . وفي ايامنا هذه بات من السهل تقديم اجابات فضلُى عن الاسئلة الكبيرة التي تثيرها الشائعات :-
من أين تنشأ ؟
كيف تتبلور ؟
لماذا تظهر في وقت ما ، في مجموعة محددة او مكان معين ؟
الى ذلك ، من الممكن تفسير الشائعات :-
ما الذي يجعلها مكروهة ؟
ما القواعد التي تحكم مرسلتها ؟
ما هي المرسلة الخفية التي تتجاوز المضمون الصريح للشائعات ؟
اضف ، من غير الممكن تحليل ظاهرة الشائعات من دون الحديث عن دورها في الحياة اليومية ، فكيف يتفاعل المرء مع الشائعات ، وكيف يستخدمها ، ولأي غايـة ، وما تداعياتهـا المتوقعـة وغيـر المتوقعة ؟
اما السؤال الأخير فهو :- هل يمكن اخماد شائعة ما ؟
لقد اقتصر الأمر حتى اليوم هذا على اجراء تحليل توصيفي او تفسيري للظاهرة ، غير ان الحقائق الاجتماعية تحثنا على الذهاب الى ابعد من ذلك ، وتحديداً الى معالجتها ، فعندما نتعمق في درس مشكلة التحكم بالشائعة نبلغ فعلياً صميم منطقها ، أي ظاهرة تصديقها.

 ترويج الاشاعة
تنتشر الشائعات – رغم افتقارها الى دليل يسندها – عندما تقضي طبيعة ظروف الاوضاع الداخلية المرتبكة للدولة ، الكتمان وحجب المعلومات المهمة . او عندما تكون مصادر المعلومات الاعتيادية غير قادرة على تغطية الاخبار بشكل تام ، اما بحجة عدم توفرها او ان الرقابة لم تصرح بنشرها .
وعندما يتعذر على الناس الحصول على المعلومات من مصادرها الاعتيادية ، فأنهم يلجأون لتأمينها من مصادر اخرى . وفي مثل هذه الحالة تلقى الاشاعة رواجاً كبيراً بأعتبارها المصدر الوحيد للمعلومات .
وتنتشر الشائعات بشكل خاص بين افراد القوات المسلحة ، لأن الضرورة تقضي بعدم اطلاعهم على تفاصيل العمليات العسكرية المقبلة . وعليه ، يتعين على الآخرين والقادة التحوط من الاشاعة ، لانها تقضي على خططهم المرسومة وتمهد الطريق الى تثبيط المعنويات وربما تقود الى الذعر والهزيمة .
قد يكون من المفضل عدم ترويج خبر غير مؤكد عن قضية مهمة . مع ذلك ، ان الجواب يكمن في الحقيقة بأن القضية تهم الشخص الذي يروج للاشاعة . يروجها في حالة واحدة فقط عندما تستجيب لمتطلبات الشخص السامع . فالاشاعة التي تعتمد الشك او الكراهية او تبعث الخوف او الأمل ، ستروج وتعزز بأنفعالات الشخص الراوي . لهذا فعندما تنتشر الشائعات بسرعة فيعني هذا ان الكراهية والخوف اصبحت شائعة بين الناس الذين يروجونها .
ويتبع ذلك ، ان الشائعات تروج حتى من قبل اولئك الافراد الذين لا يصدقونها ، طالما انها توفر فرصة التعبير عن عاطفة كان ينبغي كبتها . فإذا شعر احد افراد المجتمع او مجموعة اجتماعية معينة ، بكراهية ازاء احد افراد حكومته او مؤسسته من يأتمر بأوامره ، فهو بالتعبير المجازي يطعنه من الخلف ، وفي وقت الازمات والظروف المرتبكة ، لا يقدم على القول علانية بأن مرؤسه مستبد وطاغية .
على أي حال ، لنفترض ان هذا الشخص سمع اشاعة بان مرؤسه فاسد ادارياً وغير نزيه ولا يؤتمن على احوال المؤسسة ، واصبح هذا الأمر يؤثر على سمعته المهنية والسلوكية وربما ستكون السبب في اقالته من الخدمة ، من الجائز عدم توفر دليل يسند الاشاعة ، ولكن ما الذي سيحدث ؟
ان هذا الشخص المعني سينقل الاشاعة ، لانه لايشعر بأقتراف أي ذنب وانه غير مسؤول عن الرواية ، ان كل ما قام به هو مجرد ترديد ما يقوله محيطه المهني / الاجتماعي ، وعلى الرغم من ذلك ، فأن ترويجه للاشاعة قد يحصل على قدر من القناعة النفسية وربما التخفيف عن مشاعره ازاء قضية او عدة قضايا في مؤسسته .
ان ترويج اشاعة كون رئيس المؤسسة غير نزيه ، ربما تشير الى اكثر من كراهية محسوسة اتجاهه . وقد تعني بأن الشخص / الموظف يتهم مرؤسه بهذا السلوك الشائن لانه يود القيام بنفس الشيء الا انه لا يجرأ على ذلك ، بهذا ينقل الاشاعة الى الآخرين ضمن محيطه الوظيفي مع علمه بخيبة امله .
يطلق على هذا النوع من الاشاعات ، بالاشاعات العدائية او ادامة الاسفين . وعند نشرها يتخلص ناقلها من بعض شعور العداء الكامن في نفسيته بتشجيع الآخرين على القيام بنفس الشيء .
ليس من الضروري ان يفهم المرء هنا ، لماذا يحس ناقل اشاعة معادية بالارتياح بعد تداولها ، قد يكون السبب كافياً لأن يشعر بإرتياح أفضل بعد نشرها .
لازال هناك نوع آخر وسبب آخر لانتشار الشائعات . فعندما يشعر الانسان بالتوتر والضيق فإنه يتشبث بأي خبر يلائمه . كما انه ينهمك في تفكير وتعقيد بصحة الاشياء لمجرد الرغبة بأنها صحيحة .
يطلق على الشائعات المستندة على الرغبة بالوهمية . وتنتشر هذه الشائعات لانها تجعل الناس يحسون بالسعادة . وتظهر بعض الشائعات بشكل عفوي في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ، وتوصف بصراحة بانها شائعات . واذا لم تحصل مبالغة اثناء ترويجها ، يبقى الوصف على انها شائعات ، فليس هناك سوى ضرر طفيف ، اما الشائعات الاخرى فهي الخفية والمتداولة سراً التي تنتشر بشكل لا يصدقه العقل . ان هذه الشائعات خطرة لأن الراوي لا يشعـر بمسؤوليته وانه حر في التعبير عن نزواته ومخاوفه وخصوماته . انه ، يمكن القبول سلبياً بمعظم الشائعات طالما انها خفيفة وتأثرها بطىء في زعزعة الثقة . ومع ذلك ، هناك اشاعات تحفز على العمل ، وهذه اشاعات ذعر تأتي بشكل تقاريـر ولاسيما في حالة دخول البلد اجواء حرب وما يرافقها من ارباكات على الصعد كافة .
ان خطر هذه الاشاعات يكون حقيقي وصريح وآني ، لان السامع يميل لاتخاذ اجراء سريع وفعال بخصوصها . قد يجمع عائلته في سيارته الخاصة ويصطحب معه اعز ممتلكاته ، ثم يهرب بعيداً عن العـدو . بعد ذلك يصبح هذا الشخص نفسه اشاعة وتصبح الاشاعة حقيقة واقعة ، لان الناس حالما يشاهدونه هارباً يقرروا الرحيل معه .
ان الركب الذي يمتد على طول الطريق هو اقوى من كل الاشاعات ، ورمز مرئي لا يحتاج الى اثبات وينشد كل فرد اللحاق به بعد ان يعم الذعر .

مروجوا الإشاعة
أن الحالة التي تشجع على انتشار الشائعة يمكن تحسسها في كل من الجو العام للجماعات الاجتماعية ، وكذلك في الاحتياجات الشخصية للأفراد الذين يؤلفون هذه الجماعات .
تنتشر الشائعات في الوسط المتجانس بمنتهى السهولة ، لأن الاحاسيس تكون متشابهة كما ان اجواء الحرب او الممهدة لها ، تساعد على انتشارها اكثر ، لانها تخلق انفعالات حارة بين افراد المجتمع الواحد ، ولاسيما اولئك الذين يرتبطون بشكل مباشر بظروف الحرب واجوائها ، لانهم يشاطرون آمال النصر وخشية الهزيمة وألم فراق محبيهم ومخاصمتهم للعدو وجميع من يهددهم بالفشل . لهذا ، ان الاشاعة التي تعبر عن تلك الانفعالات هي سهلة القول والتداول ……
ومما يشجع على انتشار الاشاعات ، هو عدم توفر المعلومات حول قضايا مصيرية مهمة تهم افراد المجتمع الذين يسعون وراء المعلومات التي تهمه اكثر . وكلما زاد اهتمامه كلما احتاج الى معلومات اكثر .
وفي ظروف الحرب عندما تكون الرقابة المدنية مشدودة والاخبار قليلة ، يزداد تهافت افراد المجتمع على سماع آخر الاخبار التي تلجأ وسائل الاعلام للاسهاب في عرضها لكي تلبي رغبات الجمهور . لهذا تنتشر الاشاعات بسهولة ، لأن افراد المجتمع يحبذون سماع الاخبار مهما كان نوعها . كما انه يتقبل أي تقرير اخباري لأن افتقاره للمعلومات الحقيقية يحول دون التصدي للاشاعة الكاذبة .
ان مما يشجع الاشاعة على الانتشار هو الاستياء والاخفاق والملل الكسل . لهذا نرى ان الاشاعات تنتشر بمنتهى السهولة في الوحدات الاجتماعية الصغيرة .
في الواقع ، يقتضي ان يكون الافراد نشطين لأن الكسل يجعلهم في وضع متوتر . والاشاعة تؤمن المناخ المناسب للتفتيش عن هذا التوتر ولو انه غير شافي ، لهذا يتطلب من الدولة محاربة الاشاعة والضجر بجعل افراد دولتها منشغلين حتى لو كانوا يؤدون أي عمل .
ان افراد المجتمع مستعدون لتصديق ما هيأتهم الاحداث والتجارب السابقة التي مروا بها لتصديقه ، وانهم يرفضون القصص التي تخالف توقعاتهم . فأفراد المجتمع يختلفون بخصوص الاشاعات التي يصدقونها واحتمال تداولها ، فالمتشائمون يتقبلون اشاعات القلق بينما يتقبل المتفاءلون اشاعات التمني .
ان الشخص القلق حول قضية مـا يتأثر بسرعة بالاشاعات التي تسبب قلقه من قضايا اخرى . اما الشخص العاطل والمتضجر والمرتبك فإنه يتقبل الاشاعة وينشرها في سبيل خلق الاثارة والتنفيس عن ملله واضطرابه .
 ان الدافع لنقل الاشاعة معقد الا ان هناك طرق نموذجية متعددة تحتم على الفرد اتباعها ، بالاضافة الى الاحقاد والمخاوف والرغبات :-

1- الاظهار ، محاولة لفت الانظار لذات الشخص . قد يروي الشخص اشاعة لكي يزيد من قيمته الاعتبارية بحيث يجعل الآخرين على اعتقاد بأنه شخص مهم وعلى علم بمجريات الامور ، وربما يروي اشاعة لمجرد جذب شخص آخر اليه .
2- تأكيد الثقة بالنفس والمساندة العاطفية ، تروى الاشاعة في هذا المجال على امل ان بأستطاعة السامع نفي او دحض الاشاعة او ان نقلها قد يضعف من توتر الشخص الراوي عن طريق مشاركة الآخرين بنفس العبء . وفي هذه الحالة ، ينشد الشخص العطف وليس الرفض .
3- الاسقاط ، قد يروي شخص اشاعة تجسد المخاوف والرغبات والاحقاد المتأصلة في نفسيته ولا يشعر بوجودها .
4- الاعتداء ، قد يروي شخص اشاعة بدافع جرح شعور الآخرين ولربما انه متورط في فضيحة او وشاية.
5- المحاباة ، يمكن نقل الاشاعة بقصد التودد الى السامع وكسب رضاه . وتبدأ الاشاعة بملاحظة اطرائية لا تستند الا على جزء قليل من الحقيقة او بدونها تقريباً ثم تتحول الى حقيقة راسخة .

 ترويج الاشاعة = مقياس نفسية الفرد
تشكل الشائعات مقياساً مهماً للحالة النفسية والادراكية للفرد طالما ان ترويجها يشبع بعض رغبـات الشخص الراوي ، فالاشاعات المتشائمة التـي تروج حول هزيمة او كارثة او خيانة – كأشائعات داقة الاسفين او الشائعات المروعة – هي تلميح من طرف خفي بأن بعض افراد المجتمع الذين يتداولونها ، اما قلقين او عدائيين .
شائعات التشائم او التفاؤل تدور عادة حول قضايا حياتية / معيشية / مهنية … اشاعات خيالية تشير الى قناعة ذاتية او ثقة متزايدة . يمكن ان تؤدي هذه الى اضعاف الحالة المعنوية للمواطن .
وتشير اشاعات القلق على الدوام الى هبوط الحالة النفسية للمواطن كما تشير اشاعات الثقة المتزايدة لنفس الشيء ايضاً .
ان الثقة المتزايدة تجعل المرء اكثر تقبلاً للاشاعة الخيالية واقل تقبلاً للحقائق الواقعية . لهذا نرى ، ان الاطلاع على الاشاعات المتداولة في أي وقت قد يؤمن دليلاً لاحتياجات ومشاعر افراد المجتمع الذين تتداول الشائعة بينهم .
وتعتبر الاشاعات مقياس الحالة النفسية لجماعات معينة ايضاً . وما دامت الاشاعات تنقل عموماً عن طريق الكلام فإن الشخص الذي يسمعها يحتمل ان يرددها امام اصدقائه او ضمن محيطه الاجتماعي او المهني . ولما كانت الاشاعات تتداول على الاكثر عن طريق شبكات قائمة فإن بعضها يسري في جماعة معينة بينما يسري البعض الآخر في جماعات اخرى ، تصدق بعض هذه الجماعات الاشاعات ذات الطابع الانفعالي ، بينما تصدق الاخرى اشاعات من لون آخر .
ان احتياجات الجماعات المختلفة – رغباتهم ، مخاوفهم ، خصوماتهم – تنكشف من خلال الاحاديث غير المؤكدة والمتداولة فيما بينهم . فعدد الاشاعات المتداولة في جماعة معينة هو مقياس الدرجة التي تلبي فيها وسائل الاعلام الرسمية احتياجاتهم للمعلومات . فأذا كانت نسبة الاشاعات عالية جداً فهذا يعني بإن افراد المجتمع لا يحصلون على معلومات كافية من مصادرها الرسمية . كما يعني في الوقت نفسه بأن هذه الجماعات لا تثق بوسائل الاعلام الرسمية  .
اذا كانت الدولة بوسعها تعقيب الاشاعات المتداولة بين افراد مجتمعها ، فسوف تعرف الكثير عن مخاوفهم وتطلعاتهم ، كما ستتوفر لديها قياس بواسطته يمكن معرفة ارتفاع وهبوط حالتهم النفسية . وفي سبيل ذلك يتطلب منها الاجابة على التساؤلات الثلاثة :-
1- بين أي الجماعات تسري الاشاعات ؟
هناك فرق بين أي الجماعات تروج هذه الحكايات .
2- حول أي المواضيع تدور الاشاعات ؟
هنا تكمن الاشارة الى أي المواضيع يفكر بها الافراد ونوع مخاوفهم وتطلعاتهم .
3- أي الانفعالات تعبر عنها الاشاعات ؟ هل تشجع على الكآبة والحزن او هل تبعث السرور ، هل تنم عن صراع ؟
ان الدولة التي تستطيع الاجابة على هذه الاسئلة سنتعرف حتماً على الكثير بخصوص معنويات افراد مجتمعها  .
 دور الاعلام
كما ان الاعلام الرسمي قد يساهم من حيث يدري او لا يدري بزيادة رقعة الاشاعة عن طريق بثه لاخبار النغمة الواحدة لكف كل شيء ممكن معالجته عن طريق اتاحة الفرصة للرأي الآخر لكي يدلي بدلوه في المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .
ويستطيع الاعلام ان يلعب دوراً متقدماً في ابطال مفعول الاشاعات عن طريق الالتزام بأمانة الرسالة والحرص على احاطة الرأي العام بكل ما يمس مصالحه ويشكل حياته ومستقبله لكي يبقى الارتباط وثيقاً بين الرأي العام والخبر ، بين الفعل ورد الفعل ، ومع ارتفاع منسوب الاشاعة مع بداية مرحلة السلام التي يعيشها المجتمع ، وحرصاً من دولته على البحث عن الطريق السليم لتطويق الاشاعة والاشاعات في مضاجعها وبحثاً منها عن الدور الصحيح الذي من الممكن ان تتخذه وسائل الاعلام المحلية .

 الاشاعة = الاهمية × الغموض والالتباس
ان الاشاعة تلعب دوراً رئيسياً في الحرب وفي السلام ايضاً ، لانها تثير العواطف وتترك آثاراً عميقة في النفوس . وتخضع شدة سريان الاشاعة الى شرطين اساسيين :-
الاول – اهمية الموضوع بالنسبة لناقله والمستمع اليه .
الثاني – مقدار الغموض الذي يغلف الموضوع ويحيط به .

والقانون الاساسي في الاشاعة عبارة عن حاصل ضرب الاهمية في الغموض وليس حاصل جمعها . فإذا كانت الاهمية كبيرة والغموض صغيراً فلن تكون هناك اشاعة . كذلك اذا كان الغموض شديداً في موقف لا يهمنا فلن تكون هناك اشاعة . وبتعبير آخر ، اذا لم يكن للموضوع اهمية فأن غموضه لا يكفي وحده لاطلاق شائعة .
كذلك ، فأن الشائعة لن تقوم لها قائمة اذا كانت الامور واضحة لا غموض فيها ، لأن الشائعة في تعريفها هي معلومة لا يتحقق من صحتها ولا من مصدرها ، تنشر عن طريق النقل الشفوي . لذلك فهي خطرة جداً خاصة اذا كانت من نوع شائعات الأحلام والأماني التي تنفس عن حاجات الناس ورغباتهم وآمالهم ، لانها تشعر بشيء من الرضى والسرور وتشبع فيهم بعض الحاجات والرغبات او تخفف عنهم بعض المتاعب والآلام .
ومن هنا ، تكمن خطورتها لانها تؤدي الى الوقوع في الفخ الذي ينصبه لهم العدو ، كما تؤدي الى التراضي وعدم الاهتمام بمقاومته .
ان الشائعة تظهر كرد فعل عن غموض تمارسه وسائل الاعلام ويردد بطريقة انفعالية تنم عن ردود افعال مختلفة حول الموضوع الذي تطرحه الشائعة وبالتالي في تسبب رد فعل للمجهود الذي يتداولها في عمل على تسيير حياته وفقاً لما جاء بها .
اذن ، فالشائعة هي جزء من دائرة كاملة ، دوائر عديـدة نعيش فيها او بالاحرى تدور فيها ، وسواء اثارت الشائعة ازمة ام رافقتها ام اظهرتها ، فأن الناس يفهمونها على اساس انها كلام شديد الخطر مما يعني ان الشائعات هي نبأ ينتقل دون ان يراقبه احد وتنتشر معه مشاعر الخوف والقلق ، لان الشائعات تظهر الازمة العرقية والحالة الاجتماعية ، انها الدخان الذي يوحي بوجود نار وليس عود ثقاب الذي يشعل الحريق ، لذلك يجب ان تؤخذ الاشاعة بعين الاعتبار من قبل مسؤولي المؤسسات الاعلامية ، لان الاشاعة  رد فعل طبيعي على عدم احاطة وسائل الاعلام بكل جوانب موضوع الاشاعة التي هي نتاج ثانوي لعملية الاتصال الاجتماعي ولها قانونها الخاص والمميز بحيث تكون ضعيفة وبدون أي أثر عند المجتمعات المتفتحة والتي تملك وسائل اعلام فعالة . اما في المجتمعات التي تعاني من ضعف قطاع الاعلام تصبح الاشاعة قوة مسيطرة ذات تأثير كبير .

 تكرار الاشاعة
من الغريب حقاً ، ان الاشاعة التي نسمعها اليوم وكأنها اخبار جديدة قد تكون قصة مشهورة لعقود عديدة سابقة ظهرت بطابع جديد . ان الشائعات تستمر بالتداول طالما انها تلبي رغبات الناس من خوف وآمل وعداء .. التي لا تتغير من جيل لأخر .
ومن الأسباب الأخرى التي تساعد على استمرار الاشاعة وظهورها بين عام وآخر هو توقيتها وسهولة تذكرها وتكرارها . وتعتبر مقبولة ظاهرياً ولو ان هذا القبول لا يتطلب الاعجاب او التحقق من صحتها .
ولكي تتداولها الاجيال المقبلة ، فأن الاشاعة شأنها كأي شكل من اشكال الادب الرفيع لابد ان يحتفظ بصفات تستحق الاهتمام . كما تقتضي ان تكون مثيرة وتستحوذ على المشاعر وتنتهي بنهاية ساخرة غير متوقعة .

تبدل الاشاعة:
لما كان الاشخاص متعصبين لقصصهم الخاصة ويرفضون أي شك حولها . فإن اجاباتهم للمتشككين تكون اكثر ايجابياً وتفصيلاً ، وذلك لزيادة قبول الاشاعة .
تنسب الاشاعة في البداية الى مصدر مسؤول وفيما بعد الى شخص بارز ، تداول الاشاعة هنا كحقيقة حتى لو صرح مروجها بأنها اشاعة :- ” سمعت هذا لكن لا اعلم ان كان هذا صحيحاً أم لا ” .
ان هذه الصنيعة تحرر المرء الناقل للإشاعة من أية تبعية او مسؤولية وتسمح له بترديدها دون أي شعور بذنب . كما إنها تتيح اليه الفرصة لزخرفتها والمبالغة قليلاً وإضافة نقطة او نقطتين لجعلها قصة متكاملة .
تعتبر الأسماء والأرقام والأماكن من أكثر المكونات غير الثابتة لأي إشاعة . هناك العديد من الإشاعات التي تتناقل في بلدان مختلفة وان مصدرها واحد ، ولو ان كل بلد يستخدم الأسماء والأماكن المعروفة لدى مواطنيه .
تميل الاشاعة دوماً لتكون واقعية وواضحة رغم غموضها في البداية . ان الاشارات الملموسة اسهل تذكراً واعداداً ، ولهذا السب ان الاشارات الغامضة قد تتلاشى او تتغير  .
الرقابة وتقييد الاشاعة
ما دامت الرقابة تحجب الاخبار الهامة فأن الاشاعة تبقى في طور التداول . وعندما تكون الرقابة صارمة فأن جميع الشائعات المثبطة للمعنويات تلقى رواجاً . اما اذا كانت الرقابة متسامحة نوعاً ما فلا تنتشر الشائعات ولا تثبط المعنويات . وبالطبع ، ان الرقيب يبقى بين نارين . فأذا سمح بتدفق الاخبار بكثرة فأن العدو ينتفع منها بأفراط ، واذا حجبها عن النشر فأنها تـؤدي الى اضعاف معنويات ابناء وطنه. لهذا ، لابد ان يختار الرقيب حلاً وسطياً بين الاثنين .
ان الرقباء او المسؤولين عن تقييد الاشاعة ورصدها بين افراد مجتمعهم يمكن ان يستفيدوا من القواعد المذكورة ادناه والمبينة على الملاحظة العلمية :-
1- تأمين حسن النية في وسائل الاتصالات الرسمية – تبدأ الاشاعة بالانتشار عندما يفقد الشعب الثقة بصحة بيانات حكومته وقواتها المسلحة وصحافتها وبقية وسائل اعلامها ….
2- تنمية شعور الاخلاص لافراد الحكومة ورموز الدولة – يمكن لافراد المجتمع تحمل الرقابة وفقدان الاخبار عندما يتأكدوا بأنهم لم يخدعوا بمعلومات مزيفة وان كل ماحجب لسبب معقـول . ان هذا ينطبق على اكبر مسؤول في الدولة الى اصغر موظف ….
3- ذكر حقائق اكثر كلما أمكن – يستوجب فسح المجال لوسائل الاعلام المختلفة بنشر اخبار كاملة ومفصلة كلما امكن دون ان يستفاد الآخر المختلف منها . ان الافراد بحاجة الى حقائق وعندما لا يجدونها فأنهم يأخذوا بالاشاعة .
4- اجعل رجالك منهمكين في اعمالهم – يجب تجنب الكسل والملل ضمن السهل املاء العقول الفارغة بقصص خيالية ومفزعة ، كما ان البطالة تشجع الثرثرة .
5- حارب مروجي الاشاعة – نظم حملة ضد الشائعات ، اكتشف الاشاعة والدعايات التي يروجها العدو . كذب بعض الشائعات ببيان بأنها مزيفة وغير حقيقية ، حاول رسم صورة كاريكاتورية ساخرة لمروجي الاشاعة .

 إشاعة الحروب
تعتبر الإشاعة سلاح فعال في الحرب النفسية لانها تصل اذن السامع بدون ان تبدو كدعاية وتنتشر بفعل قوتها الذاتية . ان الطرق التي تستخدم فيها الإشاعة في الحرب الدعائية هي :-
1- أحداث التمزق – يمكن استخدامها هنا لإحداث الاضطراب بالمعنويات او لزيادة شقة الخلاف بين أبناء البلد الواحد . يمكن تحطيم الوحدة الوطنية القائمة بمجرد إثارة شك مقبول .
ان الإشاعة لا تبث أي شيء أبدا ولكن قد تؤدي مهمتها اذا استطاعت خلق جو من عدم الثقـة .
2- استخدامها كحجاب دخان – يمكن للإشاعة أخفاء الحقيقة ، ان طريقة الترويج هي التصريح بعدة أسرار بحيث ان السر الحقيقي يتعذر كشفه من بين التصريحات المتضاربة .
3- تكذيب مصادر الأخبار- يعتبر هذا الأسلوب من الأساليب البارعة . ففي عام 1941 ، حاول البريطانيون قصف محطة الإذاعة الرئيسية فـي برلين عدة مرات ، وعندما أخفقت محاولاتهم نشر الألمان – تقارير غير مؤكدة – على ان البريطانيون نجحوا في مسعاهم ولمدى وصول الشائعات الى انكلترا اعتبرها البريطانيون تأكيد لنجاحهم ونشروها عن طريق الإذاعة البريطانية ، بعد ذلك قامت وزارة الدعاية الألمانية بأصطحاب الصحفيين الأمريكان الى ساحة العمليات لإثبات عدم صحة التقارير البريطانية وكشف زيف الإذاعة البريطانية .
4- الإغـراء – يمكن استخدام الإشاعة لمعرفة الحقيقة . ففي الحرب العالمية الثانية ، شرع اليابانيون بترويج إشاعات حول الخسائر الأمريكية في المعارك البحرية ، لم يكن اليابانيون يعرضون حجم الخسائر الأمريكية ، ومع ذلك فقد رغبوا بمعرفتها …. استمرت الإشاعات بالانتشار وكانت مؤثرة على معنويات الأمريكان رغم حداثة الأسلوب . لو أذاعت الحكومة الأمريكية الحقيقة فيما بعد في سبيل تعزيز وتحصين المعنويات لحصل اليابانيون على المعلومات التي ينشدونها .

 فـي أي مبولة سمعت ذلك ؟
هناك – عيادة للشائعات – تقوم هذه العيادة بجمع كافة الشائعات من الإفراد المسؤولين عن مكافحة الشائعات او الإفراد الذين يزودون العيادة بالشائعات كمتعهدي المقاهي ونوادي الليل والبارات …. الذين يسمعون الكثير من اللغط والكلام غير المجدي بعد ذلك تقوم العيادة بفحص الشائعات وتقرر تقيدها او تصحيحها ، كما تبين بأن هذه الشائعات كاذبة ولابد من معاملتها بسخرية .
بإمكان صانع القرار فتح عيادة خاصة للشائعات في كل دوائر دولته مع لوحة إعلان للشائعات المتداولة ، كما ان بإمكانه تشجيع أفراد مؤسساته الرسمية وتعويدهم على التساؤل بنفس الطريقة التي تعوّد عليها الجنود الأمريكان لسنوات عديدة ” فـي أي مبولة سمعت ذلك ؟ ” . وعندما تثار المشاعر وهناك شحه في الأخبار الصحيحة فمن المستحيل وقف الإشاعة .
ان هذه الحقيقة لا يمكن التأكيد عليها أكثر من ذلك ، وعلى الرغم من ذلك فأن تأثيرات الإشاعة يمكن تقييدها وجعلها تافهة باستخدام هذه الوسائل المختلفة .
وتؤثر هذه الوسائل ليس على المدنيين فحسب وإنما على الجنود الذين جرت عليهم التجربة. وعموماً ، ان أفضل طريقة للقضاء على الإشاعة هي تجاهلها . ويتعين على أفراد المجتمع ان يبقوا منهمكين في أعمالهم .
المراجع
1ـ ارثر مارديك – الحرب والتحول الاجتماعي في القرن العشرين ، ترجمة – سمير عبد الرحيم الجلبي ، ط1، دار المأمون ، يغداد ، 1990
2ـ جاستون بوتول- الحرب والمجتمع ، تحليل اجتماعي للحروب ونتائجها الاجتماعية والثقافية والنفسية ، ترجمة – عباس الشربيني ،دار النهضة العربية ، بيروت ،1983
3ـ جان.نويل كابفيرير – الشائعات ، الوسيلة الاعلامية الاقدم في العالم ، ترجمة – تانيا ناجيا، دار الساقب ، بيروت ،2007
4ـ علاءالدين حسين مكي خماس – افكار حول الحرب ، ط1، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ،1987
5ـ مختار التهامي – الرأي العام والحرب النفسية ، د ط ، دار المعارف ، القاهرة ،1967
6ـ ماركو ميلوش – الحرب النفسية ، ترجمة – لبيب طه ، د ط ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1973

[email protected]