11 أبريل، 2024 12:50 م
Search
Close this search box.

صناعة الجهل

Facebook
Twitter
LinkedIn

أصبح من المألوف أن تجد من يحمل شهادة البكلوريوس في اللغة العربية و هو يكتب ضمير المخاطب المؤنث أنت ِ بشكل أنتي، أي يقلب الكسرة التي في آخر الضمير إلى ياء. مع العلم أن الطالب يبدأ بدراسة هذا الضمير في الصف الخامس الإبتدائي و يستمر في قراءته في الكتب و الملازم الدراسية لغاية تخرجه من كلية الآداب قسم اللغة العربية و حصوله على شهادة البكلوريوس في اللغة العربية. حامل شهادة البكلوريوس في اللغة العربية يعني هو إختصاصي في اللغة العربية و هو من يقصده كل من يريد الإطلاع و الإلمام بخفايا اللغة العربية و إذا كان إختصاصي اللغة العربية لا يعرف أساسيات اللغة العربية فهذا يعني ضياع اللغة العربية.

فإذا كان إختصاصي اللغة العربية لا يلم بأساسيات إختصاصه، لغته العربية التي يتحدث بها يوميا ً، فحتما ً سيكون المستوى العلمي لإختصاصيي مجالات المعرفة الأخرى أسوأ بكثير، و خاصة ً إختصاصيي العلوم المادية التي تتعامل مع الآلة. و هذه الحالة واقعة فعلا ً، ففي إمتحان لطلبة الصف الرابع لإحدى كليات الهندسة عن الأجهزة الأساسية التي تستخدم في إختصاصهم، أجاب أحد الطلبة بأن الثرمومتر (المحرار، الذي يستخدم لقياس درجة الحرارة) يستخدم لقياس سرعة الهواء، مع العلم أن هذه المعلومة تدرّس في الصف الخامس الإبتدائي، و أجاب آخر بأن المانومتر (المضغاط، الذي يستخدم لقياس ضغط الغاز و السائل) يستخدم لقياس درجة الحرارة، مع العلم أن هذه المعلومة تدرّس في الصف الثاني المتوسط، و على هذه الشاكلة فإن العديد من الطلبة الآخرين كانت إجاباتهم تنم عن عدم إستيعابهم لأساسيات إختصاصهم، و أغربهم طالب لم يعرف أي شيء عن هذه الأجهزة الأساسية في إختصاصه الذي كان يدرسه لمدة أربع سنوات و ترك السؤال بدون إجابة. و هؤلاء الطلبة تخرجوا من الكلية و هم الآن يحملون شهادة البكلوريوس في الهندسة و هم طبعا ً لا يمكن أن يكونوا مهندسين بما تعنيه هذه الكلمة ما داموا لا يعرفون أساسيات إختصاصهم و سيكونون حتما ً عبئا ً على المجتمع لا عونا ً له و ستكون المؤسسات التي سيعملون بها مشغولة بتأهيلهم هندسيا ً، و هم المتخرجون من كلية الهندسة، و سوف لن يستطيعوا إستيعاب التكنولوجيا الحديثة، التي نلهث وراءها و التي هي أحد أهم أسباب مشاكلنا، و في الحقيقة فإن هؤلاء أخطر من حاملي الشهادات المزورة لأنهم سيحصلون

على صحة صدور تؤيد حصولهم على شهادة جامعية و هم لا يفقهون أساسيات إختصاصهم.

و هذا الحال يشكل إخفاقا ً كبيرا ً في نظام التعليم الأولي و العالي و هدرا ً كبيرا ً للأموال و الجهود التي تصرف حيث ينهي الطالب دراسته الجامعية و هو يجهل معلومات أساسية في إختصاصه و سبق أن بدء بدراستها في مرحلة الدراسة الإبتدائية، و يشير كذلك إلى أن الشهادة تمنح لجميع الطلبة بغض النظر عن إجتياز الطالب للحد الأدنى من المعرفة لكل إختصاص. و أصبح نظام التعليم مثل المنخل الذي فيه شق فالذي لا يجتاز فتحات المنخل فإنه حتما ً سيجتاز الشق الذي في المنخل.

و الأخطر من هذه الإخفاقات الواضحة فإن بعض أفراد الأسرة التعليمية الذين بيدهم الإدارة يرى بأن عدم معرفة الطالب لأساسيات إختصاصه لا يشكل أهمية، و البعض الأخر يرى بأن الطلبة الذين لا يستوعبون ما يدرسون نسبتهم قليلة و لا موجب للإهتمام بهذا الأمر، و البعض الأخر يرى بأن الذي لا يتعلم في الدراسة فإنه سيتعلم في عمله عند حصوله على الوظيفة. أما أفراد الأسرة التعليمية البعيدون عن الإدارة فلا يستمع أحد لرأيهم.

و من سخرية القدر فإن هؤلاء الطلبة الذين لا يفقهون أساسيات إختصاصهم كانوا خلال دراستهم الجامعية يشاركون بتقييم أساتذتهم العلمي و المهني الذي تجريه سنويا ً وزارة التعليم العالي و البحث العلمي.

و أي من هؤلاء الذين لا يجيدون أساسيات إختصاصهم يمكن أن يصبحوا أساتذة في كلياتهم ليستنسخوا أنفسهم في طلاب بمثل مستواهم العلمي لتستمر دورة صناعة الجهل. و هذا ممكن طبعا ً، حيث يمكن لأي من هؤلاء أن يحصل على شهادة الدراسات العليا بطريقة ٍ ما، مثلما حصل على شهادة البكلوريوس، مثلا ً عن طريق الدراسة على النفقة الخاصة التي تستثني الدارس من شرط المعدل. و حتى النجاح في إمتحان القبول للدراسات العليا غير مطلوب.

و هذه الحالة موجودة حاليا ً، و ستسوء أكثر إذا ما بقي حال التعليم على ما هو عليه الآن، فلقد قصدني يوما ً أحد الأصدقاء لتعليم إبنه الطالب في إحدى الكليات العلمية كيفية رسم

شكل بياني و إمرار خط مستقيم لمجموعة من النقاط لتجربة مختبرية قام بإجراءها، و لكن الأستاذ المسؤول عن الطالب لم يعترف بالطريقة التي علمتها إياه و إعتبرها خطأ، و عندها أرسلت بيد الطالب إلى أستاذه المصدر العلمي الذي تم الإستناد إليه لإعتماد هذه الطريقة و هو مصدر علمي أمريكي موجود في مكتبات كليات وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و هو حساب التفاضل و التكامل و الهندسة التحليلية (CALCULUS AND ANALYTIC GEOMETRY) لمؤلفه جورج ب. ثوماس (GEORGE B. THOMAS) الأستاذ في قسم الرياضيات لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology)، و هذا المعهد من أرقى الأكاديميات في العالم و يرمز له بـ MIT. و لكن الأستاذ قال لطالبه بالحرف الواحد: مو بكلشي نمشي علكتاب ( أي: ليس في كل شيء نتبع ما موجود في الكتب)!

و تستمر صناعة الجهل قائمة فالجهل لا ينتج إلا الجهل.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب