23 ديسمبر، 2024 8:10 ص

صناعة الاكاذيب وترويج الضلالات في الاعلام الغربي

صناعة الاكاذيب وترويج الضلالات في الاعلام الغربي

الموضوعية في الاعلام ، كما يروج لها اصحابها في هذا العالم ، هي ان يستمد الخبر من قوته ، من ذاته ، فيحتل الحيز الذي يتناسب مع قوته ، غير ان الأمور في بعض وسائل الاعلام الغربية لا تسير على هذه القاعدة ابداً ، وبالذات عندما يتعلق الأمر بقضايانا نحن العرب .
واخطر ما يصيب الاعلام بصورة عامة ، اياً كان موقعه ، واياً كانت اشكاله … ان يتخلى عن الموقف تحت شتى الاسباب والمبررات ، وان يخلط في المفاهيم ، ويُزوّر المواقف ، ويطوع الاستنتاجات ، حتى يخدم ما في نفوس البعض من اهواء معادية لهذا الطرف او ذاك من مواقف ضارة به .
وهذه مشكلة بعض وسائل الاعلام الغربية المسخرة لترويج الافكار التي تسعى بعض المؤسسات النفعية الممولة الى نشرها وتبرير المواقف التي يتخذونها بغض النظر عما اذا كان القائمون على مهمة هذا الاعلام يؤمنون او لا يؤمنون بمضمونها ، وبذلك اصبح لهذا الاعلام أكثر من وجه ومن هدف واكثر من شكل ومن جوهر .
ولكننا لا نفهم كيف يكون الاعلام – الذي يدعي انه حر وان غايته خدمة الحقيقة وخدمة الرأي العام بنشره للحقائق كما هي مهما كانت قاسية – منبراً لترويج الضلالات وتبرير المواقف المنحرفة او التستر عليها في أحسن الاحوال ، وإلا ماذا يمكن ان يقول القارىء في صحافة تروج كل يوم ، ان رسالتها التصدي والتحدي والحرص على سدادة الرأي وحرية الكلمة وقدسيتها ، بينما يراها من اولها الى آخرها تتهرب من التصدي والتحدي والرأي الآخر ، وتتخفى وراء احداث هامشية لئلا تواجه الحدث الساخن ؟!
فالذي يعتقد ان وسائل الاعلام الغربية وحتى الاميركية رغم اجواء الديمقراطية وحرية التعبير مطلقة الحرية غير موجهة وغير متصلة بخيوط سرية ساذج جداً ، وساذج  ايضا من يعتقد ان اثارة وسائل الاعلام الغربية لقضية ما بشكل مفتعل في الطرح والتوقيت ، يمكن ان تكون بنت ساعتها .
هذا الاسلوب اجادته وسائل الاعلام الغربية لاهداف لم تعد خافية على احد . فمن خلالها تجري محاولات تبييض صورة هذا الحاكم / النظام / الدولة ….. او العكس ، ومن خلالها تجري محاولة مصادرة شعوب وبلدان بأكملها …. اما عن طريق الترهيب واما عن طريق الترغيب .
اننا قد نقف مذهولين امام معلومات مثيرة عن مدى تغلغل اجهزة المخابرات الغربية وقنواتها في وسائل اعلام بلدانها ، وعن مدى الاهتمام المستمر بالسيطرة على خط سيرها العام ودفعها بالاتجاه الذي يخدم استراتيجياً مصالح وسياسة حكوماتها ، وندرك بالتالي الاهداف الكامنة وراء كشف الكثير من الأسرار والوثائق ونشر محاضر اللقاءات السرية ، كما ندرك ابعاد توقيت كل ذلك .
ان هذا الارهاب الاعلامي الذي يروج له تحت غطاء الموضوعية ونقل الحقائق كما هي والتي اتخمتنا به هذه الوسائل ، لا يجوز ان تؤخذ به ، فبأسم هذه المفردات وتحت ستار نقل الحقيقة بموضوعية تامة الى القارىء ، تمارس هذه الوسائل دوراً سلبياً تعمد الى تشويش ذهنية المتلقي – مستمع ، مشاهد ، قارىء – عن قصد بأسم الموضوعية والمصداقية الخبرية .
والحقيقة ان المصداقية الاعلامية ليست سوى اسلوب لعرض وجهة نظرها ، اذ لا توجد مصداقية مجردة في الاعلام ، خصوصاً في صحافة العالم الراهنة الخاضعة للتأثيرات المختلفة الاهداف والاغراض . فهناك الكثير مما نقرأه ونشاهده في وسائل اعلام هذه المجموعة الدولية من اساءات متعمدة لمجتمعاتنا العربية ولأنسانها وعقليته وعقيدته ، من افتراءات مبنية على فرضيات لا وجود لها … استنتاجات مبنية على أسس واهية هم صنعوها بذكاء خبيث … كما ان سياسات هذه الوسائل الاعلامية التي تجاوزت اطار حقوق الانسان في بعض جوانبها واصبحت بالتالي مشاركة بشكل او بأخر بالابادة الجماعية … قد كشفت عن عنصريتها وحقدها وزيف شعاراتها ومبادئها الخاصة بحقوق الانسان والديمقراطية والشرعية الدولية ….  من الشعارات التي باتت تبعث في النفس الغثيان لكثرة ما رددوها كذباً ونفاقاً .
فقد عمدت هذه السياسات التي ادمنت المتاجرة بشعارات حقوق الانسان على استخدامها شعاراً للخداع والتضليل وستاراً لممارسة ابشع انواع الاضطهاد للانسان وانتهاك حقوقه والاعتداءات الصارخة على الشعوب ليتوجوا انفسهم زعماء الارهاب الدولي .
فالذي يتابع الضجات / الافتراءات الاعلامية التي تبثها وسائل الاعلام الغربية ، والتي تثار بين مدة واخرى عن خروقات وانتهاكات مزعومة لحقوق الانسان في وطننا العربي يمكنه ان يستنتج أي شيء  الا صحوة الضمير عند هذه الوسائل وخشيتها على المواطن العربي من هذه الاساليب اللانسانية ضد حقوق الانسان ، حتى ولو كان يعرف ان هذه السياسات لا ضمير عندها سوى مصالحها واعدائها لنزعات التحرر لدى الشعوب وارادتها في الاستقلال والتقدم .
فليس اكثر من الكلام الذي تنشره هذه الوسائل حول شرعية حقوق الانسان في العالم ، ولكنـنا لو حاولنا ان نرى مقدار تطبيق هذه المُثل العامة في الغرب لصدمنا لكثرة الأنتهاكات … أو ليست الحروب التي تشعلها هذه السياسات بالنيابة في اكثر من مكان في العالم من ابرز الخروقات التي تتعرض لها شرعة حقوق الانسان ؟
والضحايا الكثيرة التي تسقط من جراء اختبارات اسلحة الدمار الشامل ، هل تحترم حقوق الانسـان ؟ والفقر المدقع الذي تعيش فيه مناطق محسوبة على نفوذ هذه السياسات ، أليس فيه التحطيم الكافي لكل معنويات الانسان ؟
صحيح اننا نعرف جيداً ان ما تسجله اللجان الدولية ضد بعض الممارسات اللا انسانية في مجتمعاتنا العربية من قبل حكوماتها هي صحيحة ، ولكننا نعرف كذلك انها تتخطى بكثير مما تظهر عن الانتهاكات التي تدور في دول الغرب .
ان هذه الافتراءات الاعلامية ليست سوى حملات شعواء مركزة ضد مجتمعاتنا العربية بقصد الاساءة اليها وتشويه سمعتها الدولية بسبب بعض المزاعم التي تطلقها وسائل الاعلام الغربية المدعومة من حكوماتها … هذه الافتراءات وطريقة توقيتها ليست بريئة وليس من الصعب سبر اغوارها بمجرد التسـاؤل : لمــاذا التلويح بأوراق ذات صبغة معينة الآن وليس قبل ذلك ؟ وماوراء التلويح ؟ ولماذا تتوقف في اوقات دون غيرها ؟
ان من واجب وسائل الاعلام العربية اليوم وفي هذه المرحلة بالذات ان تتجاوز عقد الخوف وان تقول كلاماً هو غير المروج له والسائد والقائم . فالحقيقة لا تؤخذ بالتصويب الغبي والكثرة اعجز من ان تفسر صواباً قائماً تؤمن به العقول . وعندما اقول هذا اتحدث عن شأن يطالعنا في حياتنا المهنية كل يوم نحن معشر الصحافة والاعلام المرئي والمسموع ، يحتم علينا ان تكون اذهاننا حاضرة وفي كل مكان ، متأهبة للجدلية الواعية التي تتذرع بالعلم والحقائق والبينات . فأما ان نؤخذ غدراً – لا سمح الله – لأن مناخاً مشبوهاً قد صنع بأحكام وبذكاء خارق ، وطلب منا ان نباركه ونقدمه تقديم النافع او ان نمتنع على الاقل عن اعلام او نستمع اليه بعقلية نافذة وبصيرة ناقدة ، لاننا مخالفون ومغايرون ، ولأن نهجهم امتهان لمهنتنا وترفضه اخلاقيتنا المرتبطة بقدسية الممارسة الصحافية ، مثل تلازم صفحتي الورقة الواحـدة . وهذا وحده ما يميز الصحفي المستسلم عن الصحفي الرافض .
ان التصدي لمثل هذه الافتراءات والوقاية من اثارها ونشاطها تستوجب على وسائل اعلامنا بكل قنواتها ، بناء مصداقية لها حيث ان اول شروط بناء مصداقية هذه الوسائل ، هو مدى حـرية العمل التي تتمتع بها ومدى قدرتها على الاتصال بمصادر المعلومات وحصولها عليها ، وبهذا فأنها لن تترك المواطن العربي ضائعاً ليبحث عن الحقيقة في المصادر الغربية .
ان مثل هذه المصداقية لا يمكن ان تتحقق الا في ظل نظام سياسي ديمقراطي علمي مبني على اساس الثقة المتبادلة بين المجتمع وحكومته / قيادته السياسية ، ويسمح بتوظيف وسائل الاعلام لخدمة المجتمع وتزويده بالاخبار والمعلومات الصحيحة بطريقة مسؤولة .
لننتبه جيداً ، فليس كل ما ينشر عملاً صحافياً بحتاً ، وليس كله يتوخى الحقيقة ولا جزءاً منها ، لندرك ان الحملات الافترائية مستمرة بأشكالها المختلفة والعديدة ، فأن تمسكنا بوطنيتنا وعقيدتنا هو الذي يحمينا من الوقوع في شرك المؤامرات وافخاخ الدس الرخيص الصادرة عن مؤسسات تخصصت في نشر الفتن .
لذلك ، علينا الانتباه والحذر من مثل هكذا افتراءات اعلامية حيث هي اشبه بالورم السرطاني متواجد في كل بلد من بلاد المعمورة . وطالما ان شعبنا يملك الوعي فإن مساعي الاشرار الى بواء مهما جندوا لأغراضهم الدنيئة ومهما حشدوا .
[email protected]