22 ديسمبر، 2024 7:28 م

تكتمل اليوم حلقة جديدة من حلقات خرق (الدستور المبتور ) ، إلا أن أبطالها ليسوا من الكتل السياسية هذه المرة ، وأنما السلطات الرئيسيّة أنفسهم !!!

والمفارقات كثيرة رغم عدم وضوح الصورة نتيجة التقاطعات ما بين الجهات المعنية التي أفقدتها حجم ووزن كل جهة في الحلبة !!!

فالمفارقة الأولى هو تحقيق أجتماع موسع للسلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء) يوم ( ٢٠١٨/٥/٢٤ )وتشكيل لجنة تحقيقية للتحقيق في الخروقات الحاصلة في الأنتخابات بناء على ما جاء في التقارير والمعلومات التي عرضت في الأجتماع المذكور ، وتكليف هيئات مستقلة للتحقيق مع هيئة مستقلة !!!!

وألزم مجلس الوزراء اللجنة التحقيقية هذه ، بتقديم نتائج التحقيق الى مجلس الوزراء ومجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا والهيئة القضائية للانتخابات !!!

علماً بأن الأجتماع المذكور تم بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى !!! دون تدخله الشخصي أو تدخل هيئته في أجراءات مجلس الوزراء !!!

والمفارقة الثانية ، وقبل أكتمال أجراءات اللجنة التحقيقية هذه ، قام البرلمان بأتخاذ قرار ضمن جلسة أستثنائية يوم ٢٠١٨/٥/٢٨ يلزم المفوضية ،

بإعادة عملية العد والفرز اليدوية ، بنسبة (١٠٪؜) من نتائج الانتخابات البرلمانية مع إلغاء تصويت الخارج والمشروط !!!

علماً بأن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات صرحت ، بانها تنتظر رأي المحكمة الاتحادية بشأن قرار مجلس النواب ، وأضافت (( نحن كمفوضية نحترم سلطة مجلس النواب العراقي ، وهي خاضعة لمراقبة البرلمان ، لكن القانون هو الحاكم ، وله منزلة علوية على قرار البرلمان ، داعية الجميع ، إلى أحترام القانون والدستور والشعب ))!!!!

ومن جهة أخرى كلف البرلمان لجنة تقصي الحقائق ( المؤلفة من لجان النزاهة والقانونية والمهجرين ) لتقديم المعلومات والتوصيات الى البرلمان ، التي طلبت بسحب يد أعضاء المفوضية وأحالتهم الى القضاء لحين أنتهاء اللجنة من التحقيقات !!!!

كما يعكف البرلمان على أعداد الصيغة النهائية لتعديل قانون الأنتخابات الذي يلزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإعادة العد والفرز لكل المراكز الانتخابية في عموم العراق وباشراف مجلس القضاء الأعلى وحضور وكلاء الكيانات السياسية وممثلي الأمم المتحدة رغم أعلان النتائج !!!

الأمر الذي جعل من رئاسة الجمهورية أن تتدخل وتعد تدخل البرلمان خرقاً دستورياً ، مع أحالة الموضوع الى المحكمة الأتحادية العليا للبت فيه !!!

مع أعلان المفوضية بتبني نفس الرأي ، وأنتظارها لرأي المحكمة الأتحادية ، والتي أكدت على أن (( المفوضية لن تتهاون مع أي مقصر أو أي خرق انتخابي… ولا تتخوف أو ترفض إجراء العد والفرز اليدوي ، لكنها بحاجة إلى قرار بذلك لأن القانون ألزمهم بإجراء العد والفرز إلكترونياً )).

وبعد كل هذه المفارقات تتولد لدينا مجموعة من التساؤلات التي ينبغي الأجابة عليها من الأطراف المعنية …

١- إن كانت المفوضية وليدة البرلمان الذي وصل الى قناعة تامة بفشل مجلسها السابق وأصرّ على تغييرها ( بعد مسرحية الأستجواب الشكلي) فلماذا كرر وأستنسخ نفس التجربة ؟؟؟؟ ولماذا رفض البرلمان العراقي أشراف القضاء على الأنتخابات ، واليوم يناقض نفسه ويلجأ الى القضاء لحل الأشكالات ؟؟؟

ولماذا رفض البرلمان العد والفرز اليدوي عند سن القانون ، واليوم يطالب به بأصرار !!!!

٢- أن كانت لدى رئاسة الوزراء مؤشرات بعدم حصانة النظام المستخدم ، وهي تعلم أن تطبيق نظام التصويت الألكتروني ، مع عدم أكتمال نظام التدقيق البايومتري ، يجعله معرضاً للأختراق ، فلماذا لم تتدخل في أوانه ؟؟؟ وهي عجزت عن أكمال البطاقة الموحدة منذ (١٥) عاماً !!!!

٣- كان الأجدر برئاسة الجمهورية (بصفته حامي الدستور ) أن يكون تدخله نابعاً من حياديته ، وتؤكد على المفوضية بالأسراع بمعالجة الأرباكات التي حصلت في الأنتخابات وضرورة تدقيق النتائج والنظر في الطعون والشكاوى بشكل عاجل ، أو أن تطلب من المحكمة الأتحادية التدخل عندما يحين دورها ، لا أن تحاول بالزجّ بها لصالح معطيات معينة !!!

٤- إن كانت المفوضية غير واثقة من الأنظمة المعتمدة في حينها مع ملاحظات تقرير ديوان الرقابة المالية ورئاسة الوزراء وتقرير الأمم المتحدة ، ولم يتسنى لها الوقت الكافي للتعاقد مع الجهة الضامنة لعمل النظام فلماذا لم تقدم بطلب لتأجيل الأنتخابات والتهيؤ بشكل صحيح ؟؟؟

وختاماً نقول أن الكرة الآن في ساحة المحكمة الأتحادية ، وأن جميع الجهات تريد أن تقحم بنفسها وبسلطاتها مستندةعلى تفسيرها للدستور والقوانين ، والجهة الوحيدة التي تلعب بذكاء في هذه العملية هي المفوضية ، لأنها تتحرك وفق القوانين المرسومة لها بدقة ، وأن جميع الجهات التي لديها الأعتراض على نتائج الأنتخابات لا تملك الدليل القاطع لفشل المفوضية ( بنفسها ) أو خرقها للقوانين أو كونها طرفاً رئيسياً في التزوير ، وأن ما تم تقديمها من خروقات ، قد تحصل في أية عملية أنتخابية ، نتيجة تدخل الجهات السياسية المشتركة في الأنتخابات أو جمهورهم ، وخصوصاً أنها أستبقت الأحداث وألغت نتائج محطات كاملة (١٠٢١) محطة دون تبيان الجهة المقصرة وهي بذلك قد عاقبت الناخبين والمرشحين دون كشف المزوّرين ، وربما أضاعت أدلّة مهمة كانت تساهم في التوصّل الى الحقيقة !!!!

وينبغي هنا توضيح شيء مهم ، وهو أن هناك أختلالاً في الثقة تجاه النتائج المعلنة من قبل قسم من الأطراف ، ولا أحد يريد توجيه الأتهام بشكل مباشر تجاه المفوضية ، وتحميلها مسؤولية التزوير ، ولكن أصرار المفوضية على عدم حدوث التزوير وعدم أمكانية خرق النظام ، و عدم القبول بوجود أدارة سيئة في قسم من المراكز الأنتخابية ، من دون تقديم الأدلّة على صحة نتائجها ، وأصرارها بالتدقيق وفق الطريقة التي تريدها من دون تقديم التطمينات اللازمة للمشككين ، بل وأتهامها للمعترضين بـ( الخاسرين) والمعتصمين بالميليشيات المسلحة وعدم تعاطيها مع الموقف بشكل مهني ، كل هذه الأسباب وضعت المفوضية موضع الأتهام وعدم الثقة .

ويجدر هنا التأكيد على ملاحظة مهمة في قرار البرلمان المتخذ ، وهي أن النسبة المقررة من قبل البرلمان في حال وجود تلاعب (٢٥٪؜) من الـ(١٠٪؜) التي يتم تدقيقها وعدها وفرزها يدوياً ، نسبة غير دقيقة ، لأن نسبة الخطأ في الأنظمة الألكترونية لا تصل الى هذه النسبة ، كما أن نسبة تدخل العامل البشري في عملية التصويت الألكتروني أيضاً لا تصل الى هذه النسبة !!!!

فكم هي نسبة خطأ التدخل البشري في النظام الألكتروني ؟؟؟؟

لم تتوقف الكرة الثلجية المتدحرجة التي بدأت تكبر شيئاً فشيئاً ، والسلطات الرئاسية الرئيسيّة في تقاطع اليوم ، والدليل الوحيد لتبرئة ساحة المفوضية من جميع التهم الموجهة إليها سواءاً من البرلمان أو من رئاسة الوزراء أو من الكتل السياسية هو ( صناديق كركوك ) !!!

نعم لأنها الصناديق الوحيدة التي لم يتم التلاعب بها بعد الأنتخابات .

ولكي يتم وضع النقاط على الحروف ونقطع نزاع القوم ، أعتقد أن على المحكمة الأتحادية ( وبعد التأكد من القوات المعنية بحماية الصناديق من عدم وصول أية أيادي إليها ) وضع اليد على الصناديق وتدقيقها وفق النتائج المعلنة والمرسلة من خلال الوسط الناقل ومطابقتها مع ( الرامات) الموجودة في مخازن كركوك ، فأن كانت النتائج مطابقة ، ويجب أن تكون مطابقة ( وفق رأي المفوضية ) وننتهي من هذا الفصل الهزيل !!!!

ولكن عدم ثقة المعتصمين بأجراءات المفوضية والتي تستند الى أدلة وقرائن تجعلها تتخوف من الأجراءات التي تتخذها المفوضية ، وتخوفهم من ضياع الأدلة الوحيدة التي بحوزتهم والتي تثبت مزاعمهم ، وأصرار المفوضية على نقل الصناديق الى بغداد ، وعدم تعاطيها بشكل أيجابي مع الموقف رغم حساسيته ، وأستباق الكتل الفائزة في الأعلان عن رأيها وأصرارها على التأكيد على عدم ألغاء النتائج ، قبل التحقق من نتائج التحقيق ، كلها تثير مخاوف عميقة !!!!

ينبغي للمحكمة الأتحادية الأنتباه أليها ، بل والتهيؤ لما هو أَسوء ، فيما لو ظهرت النتائج غير مطابقة وأنسحبت هذه الى جميع المحافظات !!!

أعتقد أنه حان الوقت للتأنّي والتفكير قبل أتخاذ أية أجراءات ، وإلا فأن أكتفاء المحكمة الأتحادية بتوجيه المفوضية بالتعاطي مع الطعون والشكاوى بشكل جدّي ، من دون التدخل بأجراءات واضحة ، فلنقرأ على الديمقراطية السلام ….

ولنقرأ على السلم السلام ….