20 مايو، 2024 4:12 ص
Search
Close this search box.

صمت يعلو على الضجيج

Facebook
Twitter
LinkedIn

قبل أيام مرت ذكرى المبعث النبوي الشريف التي تصادف في السابع والعشرين من رجب ، ومن طقوسها أن يقوم الزائرون بعد أداء مراسم زيارة مرقد الامام علي إبن أبي طالب ( ع ) بزيارة الموتى في مقبرة وادي السلام التي تمتد على مساحة واسعة ، وتضم مئات الملايين من قبور درست ، وأخرى لا تزال قائمة ، منها لاربعة من الانبياء – آدم ونوح وهود وصالح – وأولياء وعلماء وصالحين وسياسيين ، وأخرين من طوائف وأديان وبلدان متعددة … وقد أدخلت منظمة اليونسكو مقبرة وادي السلام من ضمن التراث العالمي الانساني لأنها من أقدم وأكبر المقابر في العالم.. ويلف الانسان صمت رهيب ، وهو يدخل المقبرة .. صمت يعلو على ضجيج الحياة ، وفي ذلك درس كبير مما يشاهده ، عله يتعظ مما يرى أمامه ، ونهاية من سبقه ، ومصيره هو أيضا سيؤول اليها حتما ، طال العمر أم قصر .. وتقطع هذا الصمت تلاوات من القرآن والادعية وأصوات أجهزة التسجيل ، ومناداة الباعة على بضاعتهم ، وقد توزعوا على شوارعها ، يبيعون ماء الورد ، والبخور وقناني الماء والفواكه لتوزيعها على أرواح الموتى ، ومطاعم صغيرة ، وعربات للوجبات السريعة والشاي والمشروبات والعصائر، و(بسطيات ) لبيع مختلف
الحاجات والهدايا ، وأصوات السيارات و(الستوتات)، وزحف الملايين التي توزعت على تلك الملايين ..
وتبدو المقبرة وكأنها عالم أخر مختلف عن عالمنا … ويظهر الاموات ، وكأنهم يمدون هؤلاء الاحياء باسباب الحياة ، وينالون أرزاقهم من بينهم.. وطقوس تظهر الانسان ، غير ذاك الانسان الذي يهوى الدنيا ، وملذاتها واصابه الغرور بها ، وإعتاد على حب الحياة ، والآعيب السياسة ، و( فنون ) التجارة …!! فهل رحلة بهذه النهاية تستحق أن يغتر بها مغتر، أو يطمع بها طامع ، أو يطغى بها سلطان … ؟ وهل هناك إنسان عاقل لا يعرف أن حسابا ، ينتظره ويتوزع بعده الخلق بين الجنان والنيران ، كل حسب عمله ، فيمنع نفسه عن الرذائل ويتعفف عن الصغائر، ويترفع عن هذا الحطام الزائل . .؟ نعم …صمت القبور يعلو على ضجيج الحياة .. درس عسى ان يتعظ به من غره الطمع ، واعماه الجشع ، وحجب عنه الدولار والدينار رؤية هذه الحقيقة .. والسعيد من يأخذ من دنياه لآخرته .. ملايين القبور في هذه المقبرة وغيرها .. لكن ياترى أين تلك التي سبقتها ، وتستعصي على العد والحصر.. السؤال نفسه سبق أن طرحه الشاعر ابو العلا المعري ، ويوحي جوابه وكأن الارض مقبرة كبيرة .. وتلك هي الحقيقة …
صاح هذي قبورنا تملا الرحب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الارض إلا من هذه الاجساد
.. واللبيب من إعتبر..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب