23 ديسمبر، 2024 1:39 ص

صمت الكبار المريب

صمت الكبار المريب

منذ ثلاثة أسابيع والمشهد العراقي يغلي بعد دخول التيار الصدري بثقله على موجة التظاهرات وتحولها الى اعتصامات على مداخل المنطقة الخضراء وسط صمت مريب لكبار اللاعبين على الساحة العراقية وهم أمريكا وإيران . فهل هذا جزء من الاتفاق النووي الموقع بينهما ؟ الغموض يلف الموقف . 
اما الذين يصرخون عاليا فهم اكثر المتضررين من التغيير في المشهد العراقي والذي بدءوا يحسون به تماما ، واعني به الائتلاف الشيعي وعلى رأسهم المالكي الذي يذكرني اليوم بأول دخوله للعراق قادما من سوريا عبر ايران ومن خلال كوردستان العراق، مزودا بتوصية إيرانية . فقابل مسعود البارزاني  وهو في ملابس رثة قالت عنها كوندليزا رايس بان ملابس المالكي توحي في أفضل الأحوال على انه مدرس ابتدائية، وهناك سلم المالكي هويته  السورية ، التي أشار اليها البارزاني اثناء خلافه معه عام ٢٠١٠ . واليوم يبدو ان قواعد اللعبة قد تغيرت تماما ، فالدول لأتعرف صداقات دائمة بل مصالح دائمة . والاكراد والسنة لم تصل اللعبة الى نهايتها بعد بالنسبة لهما ، لذا فقد نأوا بأنفسهم عن هذا التغيير والتزموا اللامبالاة . وأعلنوا ان الصراع هو شيعي – شيعي ، وان التغيير سيكون كذلك ايضا. ونسوا او تناسوا انهم كانوا جزءا أساسيا في    في صيغ عديدة كالمحاصصة والشراكة .اما صورة اعادة المالكي على طائرة مهر الإيرانية فلا ادري لما ذكرتني باليوم الذي أعيد فيه نوري السعيد من بريطانيا وقبل ثورة ١٤ تموز بأيام قلائل ، ربما ان القصد من ذلك كان مكافأته في نهاية خدمته لهم والتي استغرقت ٤٠ عاما . لذا فقد قاتل صبيحة ذلك اليوم لوحده الى ان سقط وسحل وفقا للتقاليد العراقية . 
وفي مقال كتبته في ٢٠١٦/٨/٢٣ اثناء اندلاع التظاهرات بعنوان ثورة لا انقلاب في العراق ، اقتطع هذا المقطع الذي اعتقد ان جزءا كبيرا منه يتحقق الان . 
” وكان المحور الرئيس في ظل هذه التجاذبات والصراعات السياسية هو الملف النووي الايراني الذي يشبه الى حد كبير ملف اسحة الدمار الشامل العراقية. وطيلة 13 عاما من المفاوضات بين ايران والدول الست والتي شهدت شدا وجذبا كبيرين انعكس تاثيره بشكل واضح على المشهد اليومي العراقي . فايران قد اصبحت اللاعب الرئيسي على على الساحة العراقية ومن هنا امتد تاثيرها الى العديد من دول الشرق الاوسط لاحقا مثل سوريا ولبنان واليمن وفلسطين والبحرين . ولم ينجو من هذا التأثير سوى دول المغرب العربي بحكم البعد واختلاف المذهب والثقافة. وكانت ايران اللاعب الوحيد على الارض، في حين كانت الولايات المتحدة تلعب في الفضاء ، لذا كان التأثير الايراني اشد واكبر. وقد كان للاتفاق النووي الذي توصلت اليه ايران مع الولايات المتحدة بتاريخ 14/7/2015 انعكاساته على لشرق الاوسط عموما واللعراق خصوصا. فبعد ان ظّل شيعة العراق ولفترة طويلة مقتنعين بان ايرن هي افضل ولي لهم او صديق ، سرعان ما سيجدوا انفسهم مخدوعين ويكتشفوا متاخرا جدا بان ايران التي تجمعها بهم مذهبيا انما تختلف عنهم قوميا وحضاريا ، وانها لا تختلف عن اي دولة اخرى في العالم في تفضيل مصالحها القومية على الاخرين ، وانها لن تكرر تجربة نظام طالبان في افغانستان وغير مستعدة لاضاعة مصالح شعبها من اجل شخص ما مهما بدا عزيزا عليها ، لا بل ستكون مستعدة لتسليم شخص خدمها كثيرا مثل المالكي، او ستطلب منه في افضل الاحوال ان يغادر اراضيها تلافيا لغضب الدول الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة. فأيران التي نجحت بمهارة فريقها الدبلوماسي المحترف ان ينتزع توقيع الدول الكبرى على الاتفاق النووي وافلتت في سابقة نادرة من نظام العقوبات الدولية، انما تواجه معارضة شديدة في الكونغرس الامريكي الذي يغيضه خروج ايران منتصرة، وسيظل الكونغرس يبحث عن ثغرة في التطبيق من جانب ايران ليعيد العقوبات عليها او يشدد منها . وايران اول من يدرك ذلك تماما ولا تريد ان تنقلب ضحكة وزير خارجيتها الى حزن. لذا فان زيارة كبير المفاوضين الايرانيين ووزير خارجيتها ظريف عقب الاتفاق النووي ب 13 يوما بالتحديد للمرجع الديني الاعلى للشيعة في النجف بتاريخ 27/7/2015 دون المرور بالعاصمة العراقية بغداد منتهكا بذلك قواعد البروتوكول الدبلوماسي ، انما تندرج في هذا السياق . ولقد اقتنع السياسيون الحمقى في بغداد او اوهموا انفسهم بتصريح ظريف عقب تلك الزيارة بانه قد ناقش مع السيد السيستاني وهو من اصل ايراني ، اوضاع العراق والمنطقة وجهود مكافحة الارهاب وشرح مفصل للاتفاق النووي. ولكن اي وزير خارجية في العالم يمكن ان يناقش هذه الامور مع مرجع ديني كبير؟ والبديهية الغائبة في هذا السياق ، ان لا احد يحترم العملاء ، حتى من اولئك الذين جندوهم ، بعد استنفاذ اغراضهم. بعد تلك الزيارة بثلاثة ايام، اندلعت في البصرة كبرى مدن جنوب العراق تظاهرات محدودة مطالبة بالكهرباء والخدمات الاخرى. ولم تمر ايام حتى تجددت التظاهرات ليشهد العراق اكبر تظاهرة منذ سقوط صدام حسين في 7/8/2015 مع جملة مطالب بالاصلاح رافقتها دعوة المرجع السيستاني لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالاصلاح وضرب المفسدين بيد من حديد ، مما زاد في جذوة تلك التظاهرات وزيادة سقف مطاليبها، ثم تحولت الى تظاهرات دائمة، فسقطت مناصب كبيرة فارغة مثل نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء واخرون. واصيب حكام العراق بالذهول من الصدمة ، فشرع كل يرتب اوراقه بطريقته الخاصة. فمنهم من حاول الهروب خارج العراق، ومنهم من قدم استقالته للمتظاهرين ومنهم من تنازل عن منصبه او وضع استقالته امام رئيس الوزراء. وعموما فقد ركب الجميع موجة الاصلاح وايدوها ابتداء، ليفيقوا من الصدمة بعد اسبوع فيتراجع الكثير منهم تحت تاثير لذة الامتيازات الوظيفية. وذهب المالكي الى طهران بعد الغاء منصبه لحضور مجمع ديني ومؤتمر اتحاد الاذاعات والتلفزيونات الاسلامية من 15- 19/8/2015 وأصرت ايران على تقديمه بصفته الملغاة كنائب اول لرئيس الجمهورية وبشكل يثير الاستغراب ويبعث على الضحك لاسيما وانه ناقش العلاقات الاقتصادية والامنية بين البلدين بدون ان يحمل اي صفة رسمية. والتقى هناك قائد الجمهورية الاسلامية خامنئي واخرون بشكل غير علني. ليحذر المرشد الايراني من محاولة تقديمه للمحاكمة ومهددا في نفس الوقت بتدمير العراق واثنى على اداء حكومة المالكي،ليعود المالكي بطائرة ايرانية بعد ان غادر العراق بطائرة عراقية، ويهدد بتصفية خصومه . والحقيقة، ان عودته من ايران بهذه السرعة لها دلالاتها في ان ايران قد استنفدت اغراضها منه ومن زملائه، واستطاعت ان تجتاز محنة العقوبات الدولية من خلالهم، وتمت التضحية بالام ليعيش الطفل . وقد عبّر الرئيس الامريكي اوباما عن تلك الحقيقة المرة في الخامس من اغسطس/اب الجاري بقوله : ان الحرب على العراق وقتل الرئيس العرقي صدام حسين كان خطأ كبيرا ، وان ايران هي المستفيد الوحيد مما حدث “. 
فهل استنفذت الولايات المتحدة أغراضها من العراق ؟ من الصعب توقع ذلك لاسيما وان مصير المنطقة بأسرها  يرتكز منذ البداية على العكاز العراقي .